- بقلم:سري سمور
كتب القيادي (صلاح خلف-أبو إياد) كتاباً معروفا حتى عند من لم يطلع عليه هو (فلسطيني بلا هوية) تحدث فيه عن تجربته في اللجوء والمقاومة وأبدى فيه ملاحظاته وخواطره واستشرافاته، وقد طبع الكتاب أول مرة في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ولو فتشنا جيداً عن السبب الذي جعل الفلسطيني (بلا هوية) لوجدناه افتقاره إلى الأنياب والمخالب الضرورية كي يدفع بها الخطر الذي كبر وتعاظم عبر مراحل مختلفة, وصار الخطر على الفلسطيني الآن أكبر بأضعاف المرات من المراحل التي كتب عنها(أبو إياد) والمراحل التي عقبت ما كتب عنه وما تلاه حتى رحيله (اغتيل صلاح خلف في تونس سنة 1999م).
أو أن ما امتلكه الفلسطيني من الأنياب والمخالب لم تكن من العدد والقوة كي تحمي هويته وأرضه وكينونته, وهو لم يملك حالة إجماع على أن امتلاك (الأنياب) ضرورة مقدمة على كل ما سواها، في عالم سياسة شرعة الغاب السائدة في هذا الكوكب منذ أن استفرد(الرجل الأبيض) بالثروة والعلوم والأنياب الأكثر سمّية، فوضع القواعد والخطط والقوانين التي حتما تناقض هوية الفلسطيني وتهدده في أبسط حقوقه الفطرية التي منحها الله تعالى لبني آدم أجمعين.
والفلسطيني حين يمتلك ناباً ومخلباً ولو صغيراً ؛ ترى البعيد والقريب يتملقه سرّاً وعلانية ويتّبع معه أسلوب التحايل والخداع والمساومة, ولا يجرؤ-كما هو حاصل- على التواقح معه لدرجة وصل الحال إلى العمل العلني على تصفية وشطب قضيته ولو في جوانبها المعنوية البروتوكولية دون ذرة من حياء أو ضمير، ودون وازع من خلق عربي تحلّى به حتى مشركو مكة في بعض محطات حربهم مع المسلمين...دعك من القول:دون مراعاة لشرع الله ونهج الإسلام، فذاك أمر قد صار بينه وبين القوم أمد مما نعلم وما لا نعلم!
ولقد قال لنا معلمون وآباء ومربّون إنكم حين تمتلكون ناصية العلم بمفهومه التحصيلي المنهجي وتحصلون على الدرجات العلمية المعاصرة؛ ستحصلون على الحرية والاستقلال, لأن هذا العالم يحترم المتعلم وينبذ الجاهل, مع ضرب أمثلة متنوعة من هذا العالم.
حصلنا على التعليم والشهادات وصرنا في ترتيب متقدم في قائمة الشعوب في هذا الأمر، وما زال أبناؤنا وبناتنا يكدّسونها فوق بعضها، والنتيجة هي أن جندياً إسرائيليا قميئاً ربما لم يحصل على تعليم متوسط يقوم بتكبـيل وإهانة بروفسور جامعي يشار إليه بالبنان، وأبحاثه منشورة في شتّى الدوريات العلمية الغربية قبل العربية, لماذا؟ لأننا لم نمتلك الأنياب والمخالب, وهذا العلج امتلكها، فما قيمة تحصيلنا للعلوم والمسميات والشهادات الأكاديمية ونحن بلا هوية؟!
ربما أنا مضطر إلى التوقف هنا لأوضح أنني لا أدعو إلى الجهل والتجهيل وترك العلم والتعليم، فنحن في زمن يغلب فيه سوء الفهم وقراءة (ولا تقربوا الصلاة) بلا تتمة فلا بد من التوضيح :أتحدث عن الاستراتيجية والأولوية لشعب ظرفه مثل ظرف شعبي.
فالولايات المتحدة الأمريكية احتلت أفغانستان وهو بلد نسبة الأميّة بين أهله-بمفهومها القديم حتى- مرتفعة, ومع ذلك لأن هناك من امتلك الأنياب والمخالب وأشهرها في وجهها, جلست وحاورت واستسلمت, نعم استسلمت الامبراطورية الأمريكية لحركة طالبان وليست هناك تسمية أنسب من هذه لوصف الوضع في ظلّ موازين القوى المعروف، بل لا يوجد موازين ولا مقارنة بين أعتى امبرطورية معاصرة وبين إمكانيات هؤلاء الأفغان الفقراء الضعيفة، ولم يقل رجال طالبان:دعونا نقلّص نسبة الأمية أولا، ودعونا حتى نستفيد من البعثات الدراسية إلى بلاد المحتل فنتعلم منه فنتحرر...كلا، بل قالوا:دعونا نخدش المحتل بمخلبنا بقدر المتاح، لأن الأولوية هي دحره وطرده من بلدنا!
ما كنت أحسب أن أحيا إلى زمن يتسابق فيه أشقاء على التطبيع مع العدو, ويتفننون في شتم الفلسطيني وتكرار التهمة الباطلة الخرقاء الممجوجة بأنه(باع أرضه), وقد عشت زمناً كانوا يتسابقون - ولو بالكلام- في إظهار رفضهم للمشروع الصهيوني...لماذا؟ لأن الفلسطيني ليس له أنياب ومخالب يردع بها المتمادين والمتطاولين, ويقوّم بها اعوجاج المعوجين, دون حتى أن يستخدمها فيكفي مع هؤلاء التلويح بها.
ذلك أن الأنياب والمخالب فقط للذبِّ عن الأرض والعرض ممن سلبها وانتهكها من شذّاذ الآفاق, ولكن ما يجزّ في النفس أن هؤلاء الشذّاذ يستقوون على الفلسطيني بمن انحرف وضلّ عن سواء السبيل من إخوة العروبة، وصاروا علنا يتباهون بعلاقاتهم مع هؤلاء، ويعتبرونها إنجازا يوازي ما حققوه في المجال العسكري في الحروب الفاصلة، ومفخرة ومادة منافسة فيما بينهم!
وإذا كان التبرير القائم منذ أكثر من أربعين سنة هو أن لا قوة لدينا معشر العرب لمواجهة الأعداء المغتصبين, مع التحفظ على هذا الطرح, ولكن-لو قبلناه- هل معنى ذلك هو التحوّل المخزي إلى التغزّل بهم ودعوتهم إلى مزيد من التنكيل والإجرام بالفلسطيني؟هل معنى ذلك ربط مصير الوحدات السياسية العربية بهذا السرطان؟أي خراب هذا وإلام سيقود من يدفعون الأمة نحوه؟
الفلسطيني يتبلور عنده وعي بحقيقة أهمية امتلاك الأنياب والمخالب كخيار استراتيجي وضرورة مقدمة على سواها, فقد بات لا يؤمن بشرعة دولية جلبت أقواماً غرباء من اللصوص إلى أرضه ومزقتها وصادرت هويته وامتهنت كرامته, ولم يعد لديه إيمان بمكونات سياسية عربية بدأت بالمتاجرة بشعارات تحريره, دون فعل حقيقي, ووصلت إلى ما وصلت إليه من تطبيع وسعي دؤوب لتصفية قضيته، مع عملية قلب للحقائق بتصويره مجرما مفرطا في أرضه ناكرا (لفضلها) عليه, وحين يتبلور هذا الوعي تماماً في عقل الفلسطيني فلن يعدم الوسيلة التي سيكون فيها مسلحاً بأنياب ومخالب تقلب كل الموازين، وتكتب المعادلة من جديد...صحيح أنه من المحال وجود إجماع على فكرة واحدة عند أي شعب في العالم، ولكن من يؤمنون وسيؤمنون بفكرة مركزية امتلاك الناب والمخلب يكفون ويفون بالغرض إن شاء الله.
،،،،،
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت