زهايمر الواقع ......وخرف الأحلام الطوباوية

بقلم: عبد الرحمن القاسم

  • عبد الرحمن القاسم

اصطففنا على جانبي الطريق منذ ساعات الصباح الباكر لم نكترث للشمس,ولا  لاسم الضيف وموقع واسم البلد الذي يحكمه,مهمتنا التلويح بأعلام وصور وشارات الترحيب بالضيف. ففرحتنا بخروجنا من المدرسة تغلبت على جهلنا وفضولنا الطفولي بان نعرف شو القصة واسم الزعيم الضيف ومهمتنا تنتهي عند مرور الموكب والتلويح لركاب هم يروننا ونحن لا نراهم.
بعد سنتين او ثلاثة سررت كثيرا وأنا ارى أعلاما  تزين معظم أزقة وشوارع المدينة والتي كنت انا ضيفا عليها في رحلة مدرسية وبالكاد كنت اعرف ألوان علم فلسطين فظننت أنني في فلسطين من كثرة الاعلام المنتشرة. لاكتشف ان جهلي بترتيب الوان العلم هو سبب غبطتي الزائدة فعلم الحزب والوان علم الثورة العربية هو نفس علم فلسطين والاختلاف في ترتيب الألوان وان تلك أعلام هي احتفالا بذكرى حزبية.
اصطفت الحافلات باب المؤسسة العلمية ولا مجال للتهرب او الادعاء بأنك كنت في السكن الجامعي او بالمحاضرة او تتعلل بالمرض فالحافلة بالباب مباشرة والباب الرئيسي واحد فالامن الطلابي والحزبي منتشر وعليك الصعود بالحافلة مبتسما رغم أنني بت عارفا اسم الزعيم الذي لوحت له مرحبا قبل ان اعرفه, ووأدت  ابتسامة ذكرتني بجهلي بترتيب الوان العلم وانا شاب يافع.واصعد حافلة قسرا او خوفا لنبايع  رئيس دولة عربية ثالثة احل عليها ضيفا,
اصطفاف الجنود على جانبي الطريق منذ ساعات الصباح وأحيانا حتى ساعة متأخرة بانتظار مرور موكب الزعيم مغادرا لبلده في زيارة رسمية او مستقبلا رئيسا اخر  حل ضيفا على بلده بات منظرا شبه مألوفا ومتكررا في فترات مختلفة أسبوعيا, فالشقة التي كنت اسكنها كنت بالطابق الخامس كانت تطل على شارع باتجاهين يصل الى مطار البلد الرابع الذي كنت اقيم به.
اصطف الجنود متخذين تشكليات عسكرية في وضعية الهجوم ومعتمرين الخوذ واقنعة للوجوه ومزودين بالهروات والقنابل الدخانية والغازية استعدادا لقمع مظاهرة طلابية. همست باذن صديقي والذي التقيته بعد فترة في بلد عربي اخر في قهوة في الطابق الثالث له شرفة حبستنا حيث نحن ريثما تنتهي حفلة القمع والاعتقال بالشارع همست له انني ما زلت اطمع بانتهاء او اختفاء كل هذه المظاهر القمعية. فعض على شفتيه غامزا بعينه ترجمتها "اخرس"
صرخة مواطن محامي تونسي ليلة سقوط الراحل زين العابدين بن علي "هرمنا" وسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية والتي انتشرت انذاك على وسائل الاعلام وبعد تقريبا عقد من اطلاقها. ما زال صداها يتردد بعد اربعة عقود من ترحيبي وانا طالب بالمرحلة الالزامية بضيف قبل ان اعرفه رحل هو ومن استقبله. ورحل من بايعناه قسرا, ورحل من كان يمر في الشارع الذي كان في اسفل شقة الطابق الخامس. وأصبحت أميز بين ألوان وترتيبها لكثير من الأعلام العربية,ولكني اصبحت اخلط بين الوان البلد العربي الواحد القديم والجديد سوريا وليبيا والكردي والسودان الشمالي والجنوبي واليمن الجنوبي والشمالي .وكثرة المواكب من هو شرعي ومن هو انفصالي ومن هو انقلابي.وفي مدينة او اقليم هناك موكب يمر وباص يقلك لتبايع قائد هذا الفصيل او ذاك الحزب اهو الهرم ام الخرف "الزهايمر" او أن أحلامنا كانت طوباوية.

المصدر: قدس نت -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت