- كتب وكيل وزارة التنمية الاجتماعية – داوود الديك
بدأ الحديث عن قانون حماية الأسرة من العنف عام 2004، أي قبل 10 أعوام من انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة(سيداو). وتم طرح أكثر من مسودة على مدار الحكومات المتعاقبة. وفي عهد الحكومة السابقة خضع مشروع قانون حماية الأسرة للقراءات الثلاث في مجلس الوزراء وتم إنجازه وتنسيبه الى سيادة الرئيس لإصداره على شكل قرار بقانون. ولم يتعرض القانون حينذاك لمثل ما يتعرض له حاليا من هجوم وقذف وتشويه وتضليل. بل إن معظم ما يدور من نقد وحديث عن القانون يتعلق بأشياء ليست فيه، ويتم بشكل مقصود أو من دون علم الخلط بينه وبين "سيداو" بدون وجه حق.
إن قانون حماية الأسرة من العنف شيء و"سيداو" شيء آخر. "سيداو" اتفاقية دولية تعالج موضوع التمييز ضد المرأة وعلى أساس المساواة بين الرجل والمرأة، في حين أن قانون حماية الأسرة من العنف هو قانون وطني فلسطيني يعالج ظاهرة العنف الأسري من مختلف جوانبه من خلال 52 مادة.
يهدف القانون بشكل رئيسي الى الحفاظ عل وحدة الاسرة وروابطها، وحماية افراد الاسرة من العنف، ومحاسبة الجناة، وإعادة تأهيل ودمج الضحايا والجناة، والوقاية ومنع العنف من خلال سياسات وطنية وخطط استراتيجية وبرامج مشتركة وقطاعية تتميز برؤية لازالة كافة اشكال العنف.
بالمقابل يتم إنكار وجود عنف أسري في المجتمع الفلسطيني، ويتم الاستخفاف بالمعاناة والويلات التي تواجهها آلاف النساء وأفراد الأسرة. لمصلحة من إنكار الالم والمعاناة والنتائج الكارثية الناجمة عن العنف سواء على صعيد الضحايا أو اسرهم أو المجتمع برمّته. لدينا جميع اشكال العنف، والعنف المركب، والقتل، والتزويج المبكر.
من خلال عملنا مع ضحايا العنف ومن النساء تحديدا، ومتابعتنا للوضع الاجتماعي والأسري وما يدور داخل الأسر في مجتمعنا، يتبين لنا أن اسهل طريقة هي تحميل الضحية أو المرأة المسؤولية ويتم إغفال مجمل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المحيطة بها. إن مجمل هذه الظروف تزج بالفتيات والنساء في دائرة تعقيدات واشكاليات خطيرة فيصبحن ضحايا لهذه الظروف وضحايا للعنف المترتب عنها.
ومن خلال تتبع الحالات وتحليل أوضاعها الأسرية نجدها في بعض منها مرتبطة بالزواج المبكر، أو مرتبطة بالاعتداء عليها في سن الطفولة، ومنها ما هو مرتبط بالتفكك الأسري، والطلاق، وتعدد الزوجات، والاتجار بالبشر.
المنشأ الآخر للعنف هو وصمة الطلاق في مجتمعنا، صحيح أن ابغض الحلال الطلاق، لكنه مرفوض وموصوم في عرفنا الاجتماعي. لذلك تفضل الأسر إجبار بناتها على تحمل العنف والتعايش معه والتسامح مع عنف الزوج وذلك من وجهة نظرهم أفضل من الطلاق. بهذا يتدحرج العنف ويتطور وينزلق الى مستويات خطيرة. نتيجة ذلك تقتل النساء بصمت أكثر من مرة. وفي حال خرجت قصة العنف خارج الأسرة تدفع النساء أثمانا مضاعفة للعنف الناجم عن بطش الأسرة.
باختصار عنوان استدامة العنف وتوطينه داخل الاسرة هو " المرأة ممنوع تحكي وممنوع تشكي". حتى لو تحرش بها والد زوجها!! ممنوع تحكي وممنوع تشكي حتى لو اكتشفت ان والد زوجها (حماها) اعتدى على ابنتها (حفيدته الطفلة) وأفقدها عذريتها. حتى لو أخبرت عن ذلك لا يقف معها أحد، ويصبح الهم الأكبر لديهم السكوت والصمت المريع كأن شيئا لم يكن.!!
ممنوع المرأة أو الفتاة تحكي وممنوع تشكي حتى لو اعتدى عليها أخوها وهي طفلة لتكبر وتكبر معها عقدتها النفسية وتتحول في نهاية المطاف الى المخدرات طيلة فترة حياتها. ثم يلومها المجتمع ويصمها كمجرمة في الوقت الذي لم يتدخل أحد ليدعمها ويحميها وهي ضحية ولا تزال ضحية.
ممنوع الطفلة تحكي أو تشكي عندما زوجوها وهي في عمر 13 سنة لتتعرض فيما بعد لكافة اشكال العنف الجسدي والجنسي، ثم تأتي أمها تطلقها لتزوجها لشخص آخر وتقبض ثمنها (مهرها).
لمثل هؤلاء وغيرهن ممن يضربن وممن يغتصبن وممن يقتلن وممن تنتهك حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية ليل نهار في ظل صمت مطبق وتواطؤ خسيس، جاء قانون حماية الأسرة من العنف، لا اكثر ولا اقل.
ما الذي يتحدث عنه القانون بالتحديد؟
يتحدث عن العنف داخل الأسرة سواء عنف نفسي او جسدي او جنسي او اقتصادي. يتحدث عن الجهات المكلفة بانفاذ القانون كوزارة التنمية الاجتماعية، وحدة حماية الاسرة في الشرطة، نيابة الاسرة، القضاء المختص.
يتحدث القانون عن نطاق الحماية ونطاق الاسرة ويعتبرها تتكون من الاعضاء الذين تربطهم علاقة دم أو قرابة حتى الدرجة الثالثة مثل الزوج والزوجة، أو الأفراد الذين بينهم قرابة دم حتى الدرجة الرابعة شريطة أن يعيشوا في مسكن واحد، والأزواج السابقين شريطة أن يكون لديهم أطفال مشتركين، والعاملين في المنازل، وأي طرف مرتبط بالاسرة من خلال التبني (للمسيحيين) والأسر البديلة او الاحتضان (للمسلمين).
يتحدث القانون عن مسؤوليات مرشد الحماية ودوره في تزويد الضحية بخدمات الحماية والتمكين العلاجي والبحث عن سكن بديل للضحية وللآخرين. ويتحدث كذلك عن دور الشرطة والنيابة.
يتحدث عن خدمات الحماية: المساعدة القانونية، الدعم النفسي الاجتماعي، الخدمات الصحية، الحماية في بيوت الأمان، خدمات الخط الساخن، اعادة الـتأهيل.
يتحدث عن أوامر الحماية وعن التحقيق والادعاء والتقاضي.
يتحدث عن اجراءات الحماية: امكانية النقل المؤقت للجاني من مكان الاقامة لفترة تحددها السلطة المختصة. يتحدث عن جلسات الاستماع اثناء التحقيق وحمع الادلة والمحاكمة، وتأسيس محكمة مختصة في قضايا الاسرة، يتحدث عن السرية وحماية الخصوصية.
يتحدث عن اعفاء الضحية من الرسوم، يتحدث عن الزامية التبليغ من قبل مزودي الخدمات الصحية والتعليمية والقانونية (قطاع حكومي وغير حكومي). ويتحدث عن حماية المبلغين عن/ المشتكين على العنف.
يتحدث القانون عن الوساطة ويسمح بها لمرة واحدة في حالات الجنح والانتهاكات والخروقات فيما عدا حالات الاعتداء الجنسي. ويمنع الوساطة اذا كانت الضحية من الاطفال أو كباتر السن او الاشخاص ذوي الاعاقة. ويتيح القانون للنيابة الحق في المبادرة في الوساطة مع موافقة الطرفين او بالاتفاق معهما.
يتحدث القانون عن جملة من العقوبات ضد العنف الاقتصادي وضد التحرش الجنسي، والعنف الزوجي الجسدي، العنف النفسي، التمييز، التزويج القسري. ومعظم العقويات المنصوص عليها يـأتي ضمن سقف الجنح (أي لا تتعدى 3 سنوات) ما عدا الحالات التي تفضي للوفاة أو احداث اعاقة. يستند القانون الى الجرائم الاخرى التي ينطبق عليها قانون العقوبات، ويدعو الى تشديدها بمقدار النصف أو تشديدها الى الثلثين في حالة الجرائم المرتكبة ضد الاطفال او كبار السن او الاشخاص ذوي الاعاقة.
يتحدث القانون عن استبدال عقوبة الحبس بالخدمة المجتمعية للاحكام التي لا تتعدى مدة سنة واحدة.
يتحدث القانون عن اسقاط الحق الشخصي والحالات التي يسمح فيها بهذا الحق. حيث يمنع اسقاط الحق الشخصي اذا كانت الضحية تحت سن 18 عام او من الاشخاص ذوي الاعاقة او من كبار السن.
يتحدث القانون عن حظر نشر التقارير الطبية والاجتماعية او اية وثاق اخرى متعلقة بالعنف الاسري. ويمنع وسائل الاعلام ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي من نشر او ذكر اسم الضحايا او صورها.
يتحدث عن تأسيس مرصد وطني لرصد وتوثيق حالات العنف الاسري.
يتحدث القانون عن تخويل المحكمة الشرعية سحب الوصاية والحضانة من ولي الأمر اذا ثبت ارتكابه للعنف.
هذا باختصار شديد مشروع القانون ويخضع حاليا للمراجعة والتعديل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت