*المجتمع المدني يتحول الى قوة اجتماعية وسياسية مقررة في إطار الدولة الرأسمالية*
- بقلم: نبيل عودة
تطور المجتمع الرأسمالي الكلاسيكي على قاعدتين أساسيتين، أولا: سلطة وثانيا: اقتصاد، هذا الدمج بين السلطة والاقتصاد ميز المجتمع الرأسمالي في نشأته وتطوره. طبعا ظهرت طبقات اجتماعية وخاصة طبقة العمال، وكذلك برزت الطبقة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة. وكان معظم افرادها أقرب بفكرهم وارتباطهم بالطبقة البرجوازية التي تسيطر على الجزء الأكبر من الاقتصاد. حتى الزراعة والطبقات الفلاحية انقسمت الى مجموعات اكثرها غناء ارتبط بالنظام الرأسمالي البرجوازي الكبير. لدرجة بات من الصعب الفصل بين البرجوازية الصناعية والبرجوازية الفلاحية. وغني عن القول ان الفئات الأفقر من الفلاحين أضحت أكثر ارتباطا بالطبقة العمالية.
ظلت السيطرة على السلطة والاقتصاد بيد البرجوازية الكبيرة وحلفائها من اغنياء الفلاحين. اذن القوة الاقتصادية كانت العامل الثاني الذي برز الى جانب السلطة في تشكل الدولة الرأسمالية.
هذه الصيغة سادت منذ بداية نشوء المجتمع الرأسمالي. لكن منذ أواسط القرن العشرين، وخاصة منذ سنوات التسعين، نشهد تحولات جذرية عميقة في المجتمعات الرأسمالية.
أولا دور الطبقة العاملة ومبناها الفكري والاجتماعي بدأ يتغير وينقلب عما طرح بالدراسات الماركسية، وغيرها من الدراسات الفلسفية والاقتصادية، ورغم الثرثرة حول الصراع الطبقي لم نشهد مثل هذا الصراع حسب المفاهيم التي طرحها ماركس في نظريته عن "الحتمية التاريخية"، التي طرحت موضوع الصراع بين الطبقة العاملة والبرجوازية وبانه سيقود الى سقوط النظام الرأسمالي واستلام الطبقة العاملة وحلفائها الفلاحين للسلطة وبناء المجتمع الشيوعي (الاشتراكي).
يجب ان نلاحظ امرأ هاما، ان المفاهيم التي سادت عن الطبقة العاملة في الحركة الشيوعية الدولية، تحت قيادة الكومنترن الشيوعي، ظلت متخلفة وبعيدة عن واقع تطور الطبقة العاملة وتحولها الى قوة عمل مهنية راقية، عبر التطور التكنولوجي والعلمي وتطور التعليم وبروز قوى من الطبقات الفقيرة كعمال مهنيين ومهندسين وأطباء ورجال قانون ومحاسبين وباحثين ومدراء شركات واعلاميين وادباء وكتاب .. الخ، مما نسف القاعدة التي ظلت سائدة بالفكر الماركسي عن الطبقات العمالية والفلاحية، او ما سمته الماركسية الطبقة البروليتارية، وتعبير (بروليتاريا) اقتبس من الامبراطورية الرومانية لوصف الفئات الاجتماعية المسحوقة التي لا تملك ان تدفع الضرائب. بمعنى آخر البروليتاريا كما برزت مع تطور النظام الرأسمالي تغيرت مع التطوير التكنولوجي والعلمي ولم تعد تلك البروليتاريا التي تبيع قوة عملها لكي تأكل وتجدد قوة عملها. أضحت قوة علمية تكنوقراطية تدير المؤسسات الصناعية والمزارع الضخمة. ولم تعد تبيع قوة عملها بالأسلوب الذي كان سائدا في بداية تطور النظام الرأسمالي كعمال سود، بل اضحى كبار البرجوازيين بحاجة لعمال مهنيين اداريين تكنوقراطيين لإدارة المؤسسات الاقتصادية، وبات الطلب على المهنيين يفرض اجورا كبيرة للمهنيين. فتطور التعليم التكنولوجي، وعلوم الإدارة والحاسوب فيما بعد، أي ان الفكرة التي سادت في القرن التاسع عشر حتى بداية او أواسط القرن العشرين بدأت تتلاشى تدريجيا وتختفي ومن يفكر اليوم ان الصراع الطبقي هو قانون اجتماعي قائم، يستحسن ان يذهب للعلاج النفسي.
أصلا ظاهرة البروليتاريا، أي الفئات العمالية الفقيرة فقرا مدقعا ولا مفر امامها الا بيع قوة عملها تحت أي ظرف استغلالي، كانت ظاهرة أوروبية محدودة بزمن قصير، لم تتطور خارج أوروبا اطلاقا، وبدأت تتلاشى في أواسط القرن العشرين تقريبا.
ما الذي تغير في الدولة البرجوازية اذن؟
يمكن وصف الدولة الرأسمالية بعد سنوات التسعين من القرن الماضي بانها الدولة الجديدة التي بدأت تسيطر وتدير لوحدها الوظائف الاجتماعية الأساسية، هذا الأمر كان تعبيرا على التقدم الكبير في تطور المجتمع البشري. وأكثر من ذلك، المنظمات الدولية، ومنها البنك الدولي والأمم المتحدة، فهموا بشكل جيد انه بدون المجتمع المدني، لا يمكن تفعيل المجالات الاقتصادية والاجتماعية محليا وعلى مستوى العالم، وأيضا على المستوى السياسي. وبات اصطلاح الشراكة ذي الثلاثة عوامل، او رؤوس (اقتصاد، سلطة ومجتمع مدني) تعبيرا عن تكامل علاقات اجتماعية متوازنة بين المركبات الثلاثة: سلطة، اقتصاد ومجتمع مدني، لا مفر من الشراكة بالقرار من اجل استمرار التطور بكل المجالات، وأي تجاهل للمجتمع المدني جر في اعقابه انتفاضات شعبية واسعة جدا، كانت أوروبا مسرحا لبعضها، حتى فهمت السلطة ان تجاهل مطالب المجتمع المدني سيشل تطور النظام ويلحق الضرر الهائل بعجلة الإنتاج.
العولمة كانت بشكل واضح، القوة وراء التطور الاقتصادي العالمي، واثرت بقوة على تطور السياسة والثقافة منذ سنوات التسعين من القرن الماضي.
بالتلخيص: لا يمكن تطوير اقتصاد بقوة عمل غير مهنية وتفتقد لمعرفة التكنولوجيات التي بدأت تتطور وتحول الصناعة الى علم وليس الى قوة عضلات. التطور العلمي والتقني في القرن التاسع عشر كان يحدث ربما مرة كل سنة. في القرن العشرين بدأ التطور يحدث مرة او أكثر كل شهر، في وقتنا الحاضر التطور كل أسبوع بل وكل يوم. اذن لم يعد العامل مجرد عضلات للبيع، أصبح عقلا مبدعا ومهنيا لا يتقدم الإنتاج بدون قدراته والمامه المهني والتقني والعلمي، أصبح الحاسوب جزءا ضروريا لتطوير الإنتاج، هذه الثورة العلمية التكنولوجية (التقنية) غيرت مبنى المجتمع الرأسمالي، وغيرت شكل العلاقة بين العامل وصاحب العمل. طبعا لم يتوقف الصراع على شروط العمل والأجور والخدمات، لكن لم يعد صراعا دمويا لقضاء طبقة على أخرى. وهذا لا ينفي ان القوى المنتجة واصلت نضالها من اجل تحقيق شروط عمل أفضل وخدمات أفضل وتأمينات مختلفة لضمان مستقبلها. اما الحديث عن الصراع الطبقي لقضاء طبقة على أخرى فلم يعد امرا واردا، بقي مجرد لغو لمن يرون الماركسية أقرب لدين وليس لفكر فلسفي، وانتقل الصراع بفترة معينة الى المعارك الانتخابية والسياسية. وفي الواقع الرأسمالي السائد اليوم، لا يمكن الحديث الا عن نضالات شعبية تشارك بها طبقات الشعب المختلفة، لإنجاز المزيد من الحقوق العامة. وهذا النضال لا يقوم على أساس الصراع الطبقي، بل على قاعدة اجتماعية واسعة جدا، تشمل اوساطا برجوازية صغيرة ومتوسطة، وتشمل قوى اجتماعية متعددة وليس عمالا بشكل خاص ومميز.
وقد يكون تطور الاقتصاد الرأسمالي وانعكاسه الإيجابي على المجتمع الرأسمالي من حيث الخدمات، الأجور، التأمينات، التعليم، الثقافة والحريات المختلفة، بينما في الجهة المقابلة نظام اشتراكي قمعي بكل المفاهيم (خاصة فترة ستالين)، ومنغلق عن العالم، ومستوى تطور اقتصادي بطيء للغاية، وانتاجية عمل لا تتجاوز 30% من مثيلها في النظام الرأسمالي، بحيث ينعكس ذلك على الرفاهية الاجتماعية، بكل مجالاتها، هو وراء سقوط مفاهيم الصراع الطبقي لإسقاط النظام الرأسمالي وبناء نظام اشتراكي، النموذج الاشتراكي بكل دول المجموعة الاشتراكية، كان سلبيا ولم يشكل نموذجا مشرقا للطبقة العاملة.
لا بد ان أسجل هنا ان واقع المجتمع الرأسمالي تغير بنشوء قوة اجتماعية سياسية توحد مختلف القوى الاجتماعية والسياسية في مواجهة النظام الرأسمالي الذي لم يعد باستطاعته تجاهل هذه القوة الجديدة، وأعني تيار المجتمع المدني الذي أصبحت له قوة لا يمكن تجاهلها.
من المهم ان نلاحظ ونؤكد، أن الدولة الرأسمالية الجديدة، بدأت تركز بيدها الوظائف الاجتماعية الأساسية، وهذا عكس اثرة العميق على تطور المجتمع البشري. كذلك لا بد ان نلاحظ، ان شعارات الوحدة العمالية العالمية (يا عمال العالم اتحدوا) ظل شعارا وهميا غير قابل للتنفيذ. السبب هو تطور الدولة القومية الحديثة، في أوروبا وامريكا الشمالية بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين، حيث استطاع الفكر القومي ان يحتل مكان الفكر الطبقي، وبقيت نظريات وحدة الطبقة العاملة العالمية حبرا على ورق. لا بد ان نسجل أيضا، انه جرت تقوية القيمة الشخصية للفرد والاعتراف الاجتماعي المتزايد بحريته وقيمته كانسان. مما لم يكن له أثر او وجود ملموس في بداية تطور المجتمع الرأسمالي. لذا اضحت الدولة الحديثة مضطرة لإنجاز القيم الاجتماعية المتنوعة، والقيام بكل الوظائف التي أخذتها عل عاتقها سابقا، وتعريف دورها في المجالات الجوهرية لإدارة الاقتصاد والمجتمع والأهم الفصل بين السلطات.
لا يمكن نفي تأثر التنظيمات الاقتصادية الكبيرة، بما فيها المؤسسات الاقتصادية متعددة القومية، على مختلف مجالات الحياة العامة، الصحة، التعليم، الثقافة، الفن، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
طبعا شهدت الدول نضالا متعدد الأشكال (اضرابات ومظاهرات) لكن ليس صراعا بالمفاهيم الطبقية التي طرحتها الماركسية، كان نضالا حول ما هو المطلوب من دولة الرفاه الاجتماعي وكيف تجري حماية حقوق الانسان، وهنا نجد ان تنظيمات المجتمع المدني بدأت تفرض نفسها ومطالبها على النظام وتعمق مفهوم دولة الرفاه. طبعا لا يمكن تجاهل ان التنظيمات الاقتصادية الدولية المتعددة القوميات، لم تفقد تأثيرها على ما يجري في السلطة، والتأثير كان متعدد الوجوه في الدول الأوروبية وفي امريكا الشمالية، حيث كان التطور الرأسمالي أكثر قوة واتساعا. لكن بنفس الوقت من الخطأ التعامل مع الواقع بنفس النظرة الماركسية العتيقة.
هنا لا بد من إشارة هامة، ان المجتمعات المدنية تنقسم الى العديد من الثقافات والأديان والقوميات وليس سرا انه توجد بينهم تناقضات واسعة أحيانا وبعضه منفر وعنيف جدا.
رغم ذلك مع التقدم أكثر نحو نهاية القرن العشرين، بدانا نشهد اتساعا حواريا بين مختلف الثقافات والانتماءات الدينية والاثنية، وبين الأوساط الاجتماعية ذات المكانة البارزة. ومن المهم ان نلاحظ حركة التضامن بين أوساط متعددة ومختلفة بثقافتها وانتماءاتها على قاعدة جديدة لبناء الثقة، وهذا بحد ذاته يشكل منظرا مدنيا لم ينشا سابقا وهو ما تسمية الدراسات السياسية ب "المجتمع المدني"، وما كان له ان يحدث ويتطور بواقع طبقة عاملة بدون ثقافة مهنية وعامة.
اذن يمكن القول ام المجتمع المدني هو الذي يبشر بالأمل من اجل التجديد الاقتصادي، وإقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية للمجتمع عامة. وهو الذي دفع ويدفع لبروز قيادات جديدة، وهو ينشط لتعميق اتجاه السلام الاجتماعي بين جميع المختلفين في إطار المجتمع الواحد، وصيانة الديموقراطية، كشرط لضمان استمرار التطور الاقتصادي.
ربما يمكن ان نلاحظ ان بداية بروز دور المجتمعات المدنية، تجسمت في سنوات التسعين من القرن العشرين.
بصراحة قد تكون ثقيلة على بعض المتمسكين بنظريات ماركس، تعززت مكانة المجتمعات المدنية مع بدء انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية التابعة له، وايضا تقلص دور الحركة الشيوعية بشكل كبير بل بعضها وصل لدرجة التفكك. بنفس الوقت كان خطرا جادا على مجتمع الرفاه الاجتماعي، خاصة بقاء دول كثيرة في افريقيا وآسيا بوضع اجتماعي واقتصادي صعب جدا ومتخلف جدا والهجرة غير الشرعية لدول متقدمة اقتصاديا. وما زالت هذه المشكلة قائمة في الدول الأوروبية، ولا يبدو ان حلها قريب دون تطور كافة الأقطار في اسيا وافريقيا.
رؤيتي اننا اليوم امام توازن بين قوى اجتماعية جديدة، لكن ليس على قاعدة حزبية اطلاقا، بل على قاعدة اجتماعية اقتصادية ومدنية. وهذا انعكاس أيضا لتطور مفاهيم في السلطة والمؤسسات الاقتصادية بدأت ترى بوضوح حتمية الوصول الى توازن جديد مع القوى الاجتماعية الجديدة. ربما التجربة السوفييتية تركت أثرها الكبير لهذه النقلة النوعية في خلق التوازن الاجتماعي الجديد، وعدم رفض التعامل مع منظمات المجتمع المدني باعتبارها الممثل الأول، وليس الأحزاب، للمجتمع والطبقات الاجتماعية داخله.
بنفس الوقت لا يمكن ان ننفي ان العولمة الاقتصادية تتصاعد، وتحقق مكاسب وقوة لا سابق لها في الاقتصاد. وان المجتمع المدني لم يتنظم بعد بشكل يضمن له مواصلة النشاط المبرمج، بدل هبات نضالية متباعدة. في جذورها القضايا الاقتصادية بالأساس.
اذن رؤيتي ان المجتمعات المدنية بتطورها أضحت ذات تأثير حاسم على مجمل الواقع الاجتماعي والاقتصادي. وبذلك سيخلق توازن بين قوى جديدة داخل المجتمع. بحيث يصبح توزيع مسؤوليات بين القوى الثلاث، التي يتشكل منها المجتمع كما بدأ يبرز في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين أساسا. وهي أولا السلطة، ثانيا الاقتصاد وثالثا المجتمع المدني.
دراسات عديدة تناولت موضوع توازن القوى الاجتماعي الجديد الذي بدأ يثبت نفسه بعد سنوات التسعين من القرن الماضي. ويطرح الباحثون أربعة عمليات ثقافية اجتماعية واقتصادية متداخلة تفرض نفسها على البشرية بكل مستويات الواقع الاجتماعي وهي:
- العولمة المرنة في المجال الاقتصادي.
- ضعف دولة الرفاه في المجال السياسي الاقتصادي.
- صعود المجتمع المدني على أساس رؤية جديدة وتحوله الى قوة اجتماعية مستقلة.
- تعزز توازن قوى اجتماعي جديد قائم على أساس ثلاثة مرتكزات: اقتصاد، دولة (أي سلطة) ومجتمع مدني. مما يبدل الوضع السابق القائم على مرتكزين هما اقتصاد وسلطة.
لذا اجزم ان التطورات اللاحقة في المجتمعات البشرية ستشهد ارتفاع هام وكبير في دور المجتمعات المدنية كجزء مكمل ومؤثر بشكل حاسم على نهج السلطة والاقتصاد ومختلف القوانين المتعلقة بإدارة المجتمع الإنساني. وهنا لا بد من ملاحظة، ان دور الأحزاب، وحتى الأحزاب القائمة بدأت تتجه أكثر نحو شكل تنظيمي لمجتمع مدني وليس لمناهج سياسية وثورية او طبقية بهدف قلب النظام مثلا.
صعود قوة المجتمع المدني لفتت انتباه الأوساط الاجتماعية ذوي المكانة السياسية العليا للقوة المتنامية للمجتمع المدني، وانجازاتها المتعددة في مجالات مختلفة وعلى راسها تحولها البارز الى قوة دولية متنامية أيضا، أي أننا امام ظاهرة حداثية هي عولمة المجتمع المدني، وبروز قدرتها على القيام بنشاطات تشمل عدة بلدان بنفس الوقت، حول قضايا تهم مختلف المواطنين في العديد من الدول. هذا عزز مكانة المجتمع المدني المتنامية في مختلف البلدان حتى التي تزال بمراحل تتطور أبطأ. أي أصبح بقدرة حركة المجتمع المدني كحركة دولية، ان تفرض تأثيرها الدولي وقدرتها على إقرار اتجاهات مركزية في النظام العالمي. بعض الباحثين أكدوا ان نهاية الحرب الباردة بين الشرق والغرب، فرض تقسيما جديدا لتوزيع القوى بين الدول وتأثيرها الدولي وشكل تقاسم الأسواق التجارية. وهنا نرى ان هذه التنظيمات غير الحكومية اصبحت هي المحرك في مجمل المجتمعات في عالمنا. وحتى ان تأثيرها أكثر قوة من قرارات الأمم المتحدة. بل وبقدرة منظمات المجتمع المدني أيضا ان تفرض على حكومات الدول الكبيرة مطالبها المختلفة بما فيها التعاون الدولي لتنمية الاقتصاد حيث اتفقت حوالي 30 من أكثر الدول تقدما صناعيا ان توقع اتفاق جماعي للتوظيفات الخارجية حسب برنامج مشترك يمنع المنافسة بين الشركات المتعددة الجنسيات. والهدف منع مبادرة شركات دولية معينة من السيطرة ع بما يتناقض مع مصالح مختلف الشركات الأخرى. وهكذا يمكن ان نلاحظ بداية توازن اجتماعي يرتكز على القطاعات الثلاثة: اقتصاد، سلطة ومجتمع مدني!!
تنويه: المظاهرات الاحتجاجية ضد حكومة إسرائيل هي اثبات هام لدور المجتمع المدني، المتظاهرون ليسوا طبقة عاملة فقط، بل ممثلين عن مختلف الشرائح الاجتماعية، من مستقلين وعمال وموظفين وأطباء وعاملي مستشفيات ومعلمين ورجال صناعة وتجار. أيضا عام 2011 قامت في إسرائيل حركة جندت مئات الاف المواطنين احتجاجا على ارتفاع الأسعار، لم تكن مظاهرات عمالية اطلاقا، بل حركة مجتمع مدني وحدت كل القوى الاجتماعية. وهذا بالضبط ما نشهده في مختلف الأقطار الرأسمالية المتطورة أيضا، وحتى الربيع العربي كان تعبيرا عن وحدة كل أطراف المجتمع المدني بمطالب مشتركة. وبعد مذابح صبرا وشتيلا قامت في إسرائيل حركة احتجاج سياسي جندت في مظاهرة تعتبر من أضخم المظاهرات التي شهدتها إسرائيل ويقدر عدد المشاركين فيها بنصف مليون انسان، احتجاجا على المجاز وعلى تورط إسرائيل بجرائم حرب!!
ملاحظة: هذه أفكار أولية اطرحها، لكن يبدو ان الموضوع يحتاج الى دراسات أكثر اتساعا وعمقا، رغم ان الاتجاه البارز، كما اراه صحيح تماما. والاضافات الأخرى ستعزز ما ذهبت اليه وتكشف بشكل أعمق أسلوب التعاون الدولي للمجتمعات المدنية، وآفاق التطور التي تجري بإطار شراكتها بالقرار والتنفيذ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت