- فيصل علوش
قرر «مجلس شورى» النهضة (14/7)، الاتجاه نحو تفعيل إجراءات سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وطلب من وزرائه الاستقالة، وذلك بعد تلميح الفخفاخ إلى إجراء تعديل وزاري يشمل إقصاء وزراء «النهضة» (الإسلامية) من الحكومة، رداً على دعوة «النهضة» إلى «إجراء مشاورات من أجل تشكيل حكومة جديدة». وهو الأمر الذي اعتبر الفخفاخ أنه يشكل انتهاكاً صارخاً للعقد السياسي الذي يجمع النهضة مع مكونات الائتلاف الحكومي.
وشدد الفخفاخ على أن دعوة النهضة «تشكل استخفافاً بالاستقرار الحيوي لمؤسسات الدولة، وباقتصاد البلاد المنهك»، مشيراً إلى أنّ تصرفات الحركة «أضعفت انسجام الحكومة، وهي مصرّة على تأزيم الموقف والأوضاع السياسية خدمة لمصالحها».
وفي المقابل، ربطت «النهضة» تخليها عن دعم حكومة الفخفاخ بدعوى وجود شبهة «تضارب مصالح» ضده، لامتلاكه أسهماً في مؤسسات لها تعاملات مع الدولة. وتحقق لجنة برلمانية في هذه الشبهة، ولم تصدر بعد نتائجها النهائية.
وكان رئيس مجلس شورى حركة «النهضة» عبد الكريم الهاروني أعلن أنّ المجلس كلف رئيس الحركة راشد الغنوشي، وهو أيضاً رئيس البرلمان، بدء مشاورات مع رئيس الجمهورية والأحزاب والمنظمات الوطنية من أجل «مشهد حكومي بديل». وقال: «النهضة لن تقبل أي شبهة فساد في الحكومة، وفي المشهد البديل».
ولم يستبعد الهاروني الذهاب إلى انتخابات مبكرة مع تعديلات للقانون الانتخابي. وأضاف أنّ مجلس شورى الحركة «سيظل في حالة انعقاد حتى التوصل إلى حل للخروج من الأزمة».
الرئيس يرفض
وقد رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد فتح باب التشاور مع أي قوى سياسية لتشكيل حكومة جديدة، إلا في حالتين فقط، هما «استقالة الحكومة الحالية، أو توجيه لائحة لوم ضدها». ويعدّ هذا رداً واضحاً من الرئيس التونسي على طلب النهضة «فتح باب المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة». وقال الرئيس التونسي إن الدعوات لتغيير الحكومة مخالف للقانون، و«لن يقبل ابتزازاً، ولا مساومات، ولا العمل بالغرف المغلقة».
ولاحظ المراقبون أنّ تصريحات الرئيس سعيّد جاءت بعد لقاء جمعه برئيس الحكومة، وحضره نورالدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد)، في خطوة رأى المراقبون أنها تثبت تمسّك رئيس الجمهورية برئيس الحكومة، «مادام ملف تضارب المصالح لم يخرج عن المناكفة السياسية، ولم يبت فيه القضاء والدوائر المعنية بمواجهة الفساد».
ويعتبر هذا الاجتماع هو الثاني من حيث الأهمية، الذي لا يستدعي فيه الرئيس سعيّد الغنوشي للحضور بصفته رئيس البرلمان، بعد تحييده عن حضور اجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية، للنظر في الوضع العام داخل البلاد، وخاصة الوضع الأمني المتوتر في الجنوب.
معركة «كسر عظم»!
وأشار المراقبون إلى أن وجود الطبوبي في الاجتماع كشف عن «دعم رمزي من أكبر منظمة نقابية للرئيس سعيّد في معركة «كسر العظم» تخوضها النهضة ضد صلاحيات رئيس الجمهورية ورمزيته. وكانت «النهضة» دعمت سعيّد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، لقطع الطريق أمام نبيل القروي، رئيس حزب «قلب تونس»، حليفها الحالي في البرلمان. وراهنت النهضة في حينه على أنّه يمكنها توظيف سعيّد في خدمتها، كونه «شخصية من خارج الطبقة السياسية، وبلا خبرات في الصراع السياسي، ما يسهل عليها التحكم فيه والتخفي وراءه لتنفيذ أجندتها في اختراق المؤسسات العليا للدولة»، لكن الذي حصل أثبت أن حساباتها كانت خاطئة، وأن الرئيس الذي كان يوصف بـ«النكرة» بات مزعجاً للحركة ورئيسها.
وأظهر الرئيس سعيّد أنه «مستوعب بشكل جيد للّعبة السياسية، والمناورات التي يحيكها خصومه، وخاصة حزب النهضة»، ولذلك كانت تصريحاته ومواقفه في الفترة الأخيرة تهدف إلى «تحجيم دور النهضة، وخاصة راشد الغنوشي، الذي لا يكف عن الإيهام بأنه الشخصية المحورية في البلاد»!.
وزاد الغنوشي في توتير علاقته بسعيّد من خلال تسريب كلمة له في مجلس شورى الحركة، ضمن خطاب استعلائي يستهين فيه بقدرات الرئيس وفهمه لما يجري في ليبيا، ما جعل المراقبين يتوقعون أن يصبّ هذا التسريب الزيت على نار التوتر بين الرجلين.
وأعرب المراقبون عن اعتقادهم أنّ الغنوشي لم يترك بابا لجسر الهوة مع الرئيس سعيّد الذي بات يحوز دعمَ قوى سياسية ومدنية وحقوقية، وخاصة تجاه ما يتعلق بملف العلاقات الخارجية، ومحاولة النهضة إلزام تونس بالدخول في لعبة المحاور الإقليمية التي لم تعتد عليها.
عريضة لسحب الثقة من الغنوشي
وتزامن الجدل بشأن مصير حكومة الفخفاخ، مع التحضير لعريضة داخل البرلمان من أجل سحب الثقة من رئيسه الغنوشي. وستمثل إجراءات سحب الثقة من الغنوشي كرئيس للبرلمان، أكبر إحراج للنهضة منذ 2013، حينما وافقت آنذاك على التخلي عن هيمنتها على الحكم تحت ضغط احتجاجات شعبية وسياسية معارضة، لصالح «حكومة تكنوقراط» وإجراء انتخابات جديدة.
وأصدرت أربع كتل برلمانية (11/7)، بيانا أوضحت فيه أنها بصدد جمع التوقيعات الضرورية من أجل سحب الثقة من رئيس البرلمان، بسبب خروقات عديدة في الإدارة. وهي؛ «الكتلة الديمقراطية» (40 مقعدا)، وكتلة «تحيا تونس» (14 مقعدا)، وكتلة «الإصلاح الوطني» (15 مقعدا)، و«الكتلة الوطنية» (9 مقاعد). ومن المنتظر أن تلتحق كتلة الحزب الدستوري الحر (16 نائبا)، والتي تعتصم أصلا في البرلمان للمطالبة بتنحي الغنوشي بهذه الكتل، ما يجعل النصاب متوفراً لتوقيع اللائحة وتمريرها إلى جلسة عامة.
ويُتهم الغنوشي بمحاولة «السطو على صلاحيات رئيس الجمهورية»، من خلال خلق دبلوماسية موازية، لاسيما في الملف الليبي، حيث تتحالف النهضة مع حكومة «الوفاق» المدعومة من تركيا. ولم يفتأ الغنوشي منذ وصوله إلى رئاسة البرلمان، من القيام بتحركات خارجية كانت دائماً محل جدل وخلاف؛ من قبيل زياراته المتتالية إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومكالمة هاتفية مع رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، لتهنئته بسيطرة قوات حكومته المدعومة من ميليشيات إسلامية على «قاعدة الوطية» الاستراتيجية في ليبيا، ما أثار سخط منتقديه وأجّج نقمتهم عليه!.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت