ناقش الباحث الفلسطيني مرسي صالح أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في القانون الدولي العام بعنوان " التحرر الوطني الفلسطيني الراهن في ضوء الشرعية الدولية" وذلك في كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية سلا التابعة لجامعة محمد الخامس في العاصمة المغربية الرباط، حيث عملت الأطروحة على دراسة مسارِ القَضية الفلسطينية بالعودة إلى جذورها التاريخية وسياقاتها المختلفة منذ الانتداب البريطاني، وعلى النظر في مختلف التعقيدات والأزمات التي مرت منها، وتفاعلها مع عمقها العربي والإسلامي والدولي، على المستويين الرسمي والشعبي، ومواكبة النضال الفلسطيني في مساراته المختلفة ؛ ومدى إتباعه لمقتضيات القانون الدولي العام ومبادئه من جهة، وقرارات الشرعية الدولية من جهة أخرى، وبعد نقاش الباحث وإبداء اللجنة لملاحظاتها وآرائها حول الأطروحة قررت اللجنة منح الباحث صالح درجة الدكتوراة بميزة مشرف جدا.
ركزت الأطروحة بشكل رئيس على موضوع عدالة القضية الفلسطينية من منظورِ الشرعية الدولية، وذلك باعتبارِها قضيةَ تحرر وطني من الاحتلال، وإبرازِ خُصوصيتها ضمن حركات التحررِ العالمية، كأقدم قضية احتلال في العالم، وما تختزِنه من اعتبارات خاصة جعلت منها قضية فريدة كسبت تعاطف الضميرِ العالمي الإنساني، فضلا عن دعم ومؤازرة الأُمّتين العربية والإسلامية اللتين تشكلان العمق الاستراتيجي الذي يحافظ على زخم قضية فلسطين ووهجِها باعتبارِها قضية عادلة، وذلك في مواجهة لا عدالة النظام الدولي الذي كان من أسباب نشوئها واستمرارِها.
تكونت الدراسة من قسمين رئيسين: الأول الاحتلال الصهيوني في ضوء القانون والشرعية الدوليين، وتتمحور فكرته الرئيسة حول توضيح موقف القانون الدولي من الاِستيلاء على أراضي الغيرِ بالقوة، وتجريم القانون الدولي للاحتلال في فلسطين. وكان الهدف من استعراض وتأكيد هذه المعاني في القسم الأول من الأطروحة، هو توفير المداخل القانونية والسياسية المؤطرة لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال. فيما تناوَل القسم الثاني موضوع حق تقريرِ المصيرِ للشعب العربي في إقليم فلسطين ودراسة أبعاده القانونية والسياسية، والتأكيد على انتماء الهوِية الوطنية الفلسطينية للهوية المجتمعية العربية، معرجة على شرعية تمثيل حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
وحول النتائج بينت الدراسة أن النضال من أجل التحرر الوطني في إطار مشروع وطني جامع هو أمر تفرضه الضرورة والواقع خاصة على صعيد دبلوماسية المواجهة التحررية، ذلك أن تقوية الموقع التفاوضي للطرف الفلسطيني، يعني ضمن ما يعنيه تحقيق الوحدة أولا، التي تظل مطلبا ملحأ في ظل عدم الاتفاق على إستراتيجية مدروسة للمقاومة بأشكالها المختلفة. كما أن غاية تحقيق الردع والحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية، تفرضها اعتبارات موازين القوى. والوعي بهذين الاعتبارين مدخل مهم للنضال الفلسطيني، لا سيما في ظل الوضع الراهن الذي تواجه فيه القضية الفلسطينية تحديات وإكراهات مصيرية.
كما أظهرت الدراسة أيضا أن مبادئ ومقتضيات القانون الدولي وإن كانت توفر الإمكانية القانونية الضرورية للنضال الفلسطيني من أجل التحرر من الاحتلال عندما يحسن الكفاح الفلسطيني توظيفها ويحسن استثمارها، إلا أن الارتكان إليه وحده في ظل الاختلال الذي تعاني منه الممارسة القانونية الدولية المرتهنة لموازين القوى والمصالح النفعية، والازدواجية التي تطبع توظيف القوانين والشرعية الدوليين، يظل ارتكازا أَظهرت الممارسة النضالية محدودية فعاليته في حماية و تحقيق مكاسب هامة ومؤثرة وفاصلَة للقضية الفلسطينية.
ومن خلال هذا الإستخلاص أكدت الأطروحة من جهة أولى أن المقاومة السلمية وبما فيها السياسية والدبلوماسية هي أساس لا غنى عنه لإنجاز التحرر، لأنها مقاومة تعمل على تأكيد عدالة النضال التحرري من جهة، كما أوضحت من جهة أخرى بأن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية تمنح لحركات التحرر الوطني، بما فيها الفلسطينية، شرعية تقرير مصيره بالوسائل الممكنة وفق ما يقتضيه التقدير السياسي والاستراتجي للقيادة الفلسطينية وساحات النضال ومعطيات الواقع لتحقيق أهداف التحرر والإستقلال الوطنيين وعدالتهما، وهو ما يتيح القدرة على إتباع مختلف الأساليب والطرق لمواجهة وإنهاء الإحتلال.
وتَأتي أهمية هذه الدراسة بالنظر إلى الواقع الحالي الذي تواجهه القضية الفلسطينية من حيث انسداد أفق الحل العادل والشامل مع ازدياد وغطرسة وانتهاكات الاحتلال واختلال موازين القوى وبالخصوص في السياق الحالي بعد طرح مشروع صفقة القرن. ومن هنا فإن الدراسة معنية بمساءلة الاختيارات المطروحة ونجاعتها في أفق بلورة إستراتيجية وطنية لمواجهة هذا التحدي وذلك باستعراض ما توفره نصوص القانون الدولي والشرعية الدولية من إمكانيات لدعم النضال الفلسطيني في سبيل تحقيق التحرر الوطني.
يذكر أن لجنة المناقشة تكونت من نخبة من أساتذة التعليم العالي في المغرب المختصين في القانون والقانون الدولي وهم : الأستاذ الدكتور عادل مساوي رئيسا، الأستاذ الدكتور سعيد الحسن مشرفا وعضوا، الأستاذ الدكتور سعيد الصديقي عضوا ومقررا، الأستاذ الدكتور محمد المكليف عضوا ومقررا، والأستاذة الدكتورة وفاء الفيلالي عضوا.