- شريف حسني الشريف
تأمين المسكن، والتوسع العمراني من المشكلات الرئيسية، في البلدات العربية بسبب زيادة عدد السكان، وإمتناع السلطات الإسرائيلية عن منح موافقات البناء، وتوسيع مسطحات نفوذ البلدات، والمصادقة على الخرائط الهيكلية، والتفصيلية للتوسع والتطور، التي لم يطرأ عليها منذ قيام الاحتلال أي تغير يذكر، وتصنف كمناطق محدودة التطوير، لا يوجد لها خارطة هيكلية محدثة. وبسبب قانون التنظيم والبناء، الذي تم البدء بتنفيذه منذ عام 1965، بعد مصادرة ملايين الدونمات، وبموجبه تأسست اللجنة القطرية، واللجان القطرية للتخطيط والبناء، التي أدى تقاعسها عن أداء مهماتها فيما يخص البلدات العربية، إلى بروز قضية المساكن غير المرخصة. ووفقاً للمعطيات قدم الفلسطينيون 5475 طلب ترخيص بناء، في الفترة الواقعة ما بين عام 2000 ومنتصف عام 2016، وجرت الموافقة على 226 طلبا فقط. ويبرز التوسع في البناء العمودي، في ظل ضيق مساحة الأراضي المخصصة للبناء، وعدم توسيع مسطحات النفوذ.
ومع انتشار جائحة كورونا وتداعياتها، لم تنشغل البلدات العربية في أراضي الـ 48 فقط بمحاولات اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية والحد من انتشار الفيروس، وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، فقد برزت مجددا مشكلة إخطارات الهدم الصادرة من قبل السلطات الإسرائيلية، وذلك في سياق ممارسات، تؤكد بأن سياسات الحكومات الإسرائيلية المتتابعة، تجاه فلسطينيي الـ48 واحدة من حيث الجوهر والأهداف. فالقوانين التي تصدرها السلطات الإسرائيلية فيما يخص البلدات العربية، تهدف لإحداث أكبر ضرر ممكن بمصالح أبنائها.
وبالعودة لتقرير سابق لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، فإن القانون الإسرائيلي يعتبر التخطيط من صلاحيات وزارة الداخلية، والتي انتقل جزء كبير منها إلى وزارة المالية عام 2015. ويؤسس« قانون التخطيط والبناء» للعام 1965 تسلسلا هرمياً ثلاثياً لهيئات التخطيط التي تضع وتنفذ الخطط الرئيسية. ويقوم «المجلس الوطني للتخطيط والبناء» الإسرائيلي بوضع المخططات الهيكلية الرئيسية، التي تعبر عن الرؤيا تجاه آليات استخدام الأراضي مروراً التطوير بالعقاري. وعرضها على الحكومة لنيل الموافقة، وبناء عليها تضع اللجان اللوائية والمحلية مخططاتها المحلية. تتيح عملية التخطيط فرصة للمشاركة على المستويين الإقليمي والمحلي، وعلى أرض الواقع يتم تهميش سكان البلدات العربية، الممثلين في هيئات التخطيط الحكومية بنسبة أقل، قياساً بعدد السكان الإجمالي، و نادراً ما تمنح حاجاتهم الأولوية، خارج اللجان الحكومية، والامكانية الوحيدة المتاحة لهم، هي تسجيل شكاوى بخصوص خطط بعينها.
ويبرز «قانون كامينتس» المعروف بتعديل رقم 116 لقانون التنظيم والبناء، وإبطال بنوده، التي تمنع المحاكم من تجميد أوامر هدم المنازل، وتنقل صلاحيات تطبيق القانون إلى اللجان اللوائية القطرية التي تتبع الدولة. مما ساهم بتعميق أزمة السكن والتخطيط في البلدات العربية .وتبريراً بحجة تطبيق القانون لهدم أعداد كبيرة من المنازل، بحجة عدم وجود الترخيص. وقد لقي القانون منذ صدوره معارضة شديدة، من قبل الأهالي والنواب العرب، الذين أدت مساعيهم، خلال الجلسة التي انعقدت يوم 25/2/2020، إلى مصادقة لجنة المالية التابعة للكنيست، على اقتراحهم بتجميده، ورفع توصية لوزير القضاء، بتجميد جميع أوامر الهدم، وتجميد المخالفات، بحق أصحاب المنازل والمحال التجارية في البلدات العربية بشكل خاص، حتى الإنتهاء من مناقشة إقتراح قانون تعديل، أو إلغاء القانون في لجنة المالية، والوزارات المسؤولة لاحقاً.
مخاطر الإنذرات
تعد الإنذارات والإخطارات بتنفيذ عمليات الهدم، سيفاً مسلطاً، على رقاب ساكني البلدات العربية، بسبب قيام السلطات الإسرائيلية باستخدام كافة السبل، لتنغيص الحياة، والدفع من خلال إتباع أساليب عديدة بالسكان؛ إما للاستمرار في التمسك بالمكان والخضوع لكل الاستفزازات، وتذوق الأمرين على المستوى المعيشي والحياتي، وما يرافق ذلك من ظهور مشكلات اجتماعية عديدة، وإما التهجير بسبب ضيق الأرض، وعدم السماح بإمكانية التوسع العمراني، وانكماش المساحات المتاحة، وانعدام فرص العمل، والاستثمار، والأمن الاقتصادي. وذلك في ظل تفعيل قوانين صارمة، تصب في مصلحة البلدات اليهودية، وإتاحة سبل النمو والتوسع والازدهار أمامها، مع استهداف أهالي البلدات العربية ومصالحهم. وقد أكد محللون أن تخطيط البناء في إسرائيل « سياسي وأيدلوجي بالدرجة الأولى، ويهدف أساساً إلى رفاهية اليهود، ومفاقمة معاناة العرب والتضييق عليهم».
فبعد تراجع كمي على مستوى الأرقام لعمليات الهدم، التي تقوم بها السلطات الاسرائيلية، في البلدات العربية خلال أزمة كورونا، سرعان ما عادت أوامر تنفيذ الهدم و الإخطارات والغرامات المالية، لتطل من جديد وبقوة. كما أدى عدم صدور موافقة لجان التنظيم والبناء،على مطالب توسيع مسطحات النفوذ والبناء، والخرائط الهيكلية والمخططات التفصيلية للبلدات العربية، لإبقاء 120 ألف منزل بدون تراخيص، إضافة لوجود 50 ألف منزل مهددة بالهدم، مع مطالبة أصحابها بتسديد غرامات مالية، يضاف لذلك وجود عشرات آلاف الدونمات خارج مناطق النفوذ، وتبعيتها لمجالس إقليمية، على الرغم من ثبوت ملكية قاطني البلدات العربية لها، مما يؤدي لحرمانهم من إمكانية استثمارها، أو قابلية الاستفادة بأي شكل من الأشكال منها.
أهداف الإخطارات
الأزمة في البلدات العربية، لا تنحصر في الإمتناع عن إصدار الموافقات لمنح تراخيص البناء، ولا تكمن في العدد الكبير للمنازل المهددة بالهدم فقط، بل تمتد لتشمل الرفض التام للمصادقة على وجود مناطق صناعية في البلدات العربية. بحيث يؤدي عدم توسيع مسطحات النفوذ، وانعدام مخططات مشاريع البناء، لتعميق أزمة السكن، بسبب عدم وجود مساحة أراض كافية. وذلك في إطار تطبيق خطوات ممنهجة لتضييق الخناق عل ساكني البلدات العربية، وإجبارهم على قبول إملاءات الهدم، ودفع الغرامات المالية الباهظة، بقصد دفعهم إلى الهجرة القسرية.
غرامات وهدم ذاتي
فيما تعاني البلدات العربية من الضائقة السكنية بسبب تزايد عدد الأفراد، يقوم الأهالي بالبناء بدون تراخيص، ودفع غرامات مالية، أو هدم ما تم بناؤه. وتبرز سياسة الهدم كأسلوب للترويع والمعاقبة الجماعية والتشريد، ومن ذلك صدور قرار هدم منزل عائلة الأسير نظمي أبو بكر (49 عاما)، بزعم ضلوعه في مقتل جندي إسرائيلي، أثناء اقتحام البلدة. والذي أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، الإثنين 10/8/2020، قراراً بإلغاء الهدم بعد تقديم التماس بوقفه. فيما هدمت الآليات الإسرائيليّة التابعة وفي اليوم ذاته منزلاً في خربة بيت إسكاريا، المعزولة بتجمع مستوطنة «غوش عصيون» جنوبي بيت لحم، بحجة عدم الترخيص.
وقد سبق أن أطلق نشطاء مقدسيون دعوات للتصدي لعمليات الهدم، لمنازل وممتلكات المواطنين في القدس، والتي تصاعدت مؤخراً. وحسب الإحصائيات فقد تم هدم 18 منزلا، وإخطار عشرات المنازل بالهدم، وتدمير104منشأة ما بين محال تجارية ومنشآت زراعية، وبركسات وغيرها خلال شهر تموز7/2020. كما يتم دفع أصحاب البناء المخالف، إلى هدم البناء بأنفسهم، في ظل التهديد بتسديد غرامات باهظة، الشاب ساري مصاروة من الطيرة هدم منزله الأحد 9/8/2020، بعد تهديد بدفع بمبلغ 340 ألف شيكل في حال عدم التنفيذ. وشهدت مدينة الطيرة في الشهريين الماضيين عمليات هدم عديدة بحجة عدم الترخيص. وأقدمت آليات سلطة التخطيط والبناء، على هدم منشأة تجارية في المنطقة الصناعة في مدينة كفر قاسم للسبب نفسه، كما تم تسليم أصحاب المنشآت التجارية، في المنطقة الصناعية بكفر قاسم، العام الماضي أكثر من 200 أمر إخلاء.
ويرى مراقبون أن القضية الأساسية في ظل تصاعد عمليات الهدم في زمن كورونا، وغياب مخططات التوسع، ووضع الشروط التعجيزية، تتوقف على قيام سكان البلدات العربية ككل، وليس فقط أصحاب المنازل المهددة بالهدم، بتعزيز وتصعيد النضال الجماهيري من خلال الاحتجاجات، وكافة أشكال التظاهر، لإسناد العمل البرلماني للنواب العرب، في قضايا التخطيط والبناء مع والضغط على السلطات، من أجل توسيع مسطحات نفوذ البلدات العربية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت