مخيم الشاطئ لا يتسع لقاطنيه، ومتنزهه مهدد بالمصادرة للاستثمار

مخيم الشاطئ

 بات متنزه مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غربي مدينة غزة ركاماً بعد أن هدمت جرافات تتبع للجنة زكاة الشاطئ بعضاً من أبنيته سعياً منها لتحويل ما يقارب (900) متر مربع من أصل (2900) متر مربع إلى مشروع استثماري، وسط احتجاج عدد واسع من سكان المخيم ورفض فصائلي كبير، كون المتنزه متنفساً وحيداً لهم في مخيمهم الصغير الذي لا تتجاوز مساحته (747) دونماً.

ويعد مخيم الشاطئ وفق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، وواحد من أكثر المخيمات اكتظاظاً بالسكان وقد أنشئ في العام 1949 على مساحة (519) دونماً إلى أن أصبح (747) دونماً ويقع غرب مدينة غزة إلى الشمال من ميناء غزة على ساحل البحر المتوسط، حيث يعيش فيه نحو (90) ألفاً من اللاجئين في بيوت صغيرة لا تكاد تتسع لسكانها، وتفصلها عن بعضها أزقة شوارع لا تتعدى المترين في أحسن الأحوال.

وتعود أصل الحكاية، مع قدوم السلطة الفلسطينية وإنشاء مركز للشرطة الفلسطينية على مساحة (900) متر مربع من أرض المتنزه عام 1996 رغم رفض أهالي المخيم حينذاك إلى أن تعرض للقصف الإسرائيلي في عدوان عام 2009. وبين ليلة وضحاها في عام 2015 تحولت أرض مركز الشرطة لملعب معشّب يجري استئجاره للعب بنحو (20) دولاراً في الساعة الواحدة بعد أن كان متنزهاً مجانياً لأطفال المخيم يضم ألعاباً واشجاراً ومرافقاً تخدم ساكنيه.

فيما قال أحد قاطني مخيم الشاطئ لمجلة «الحرية»، إن «ريع أي مشروع كما جرت العادة لا تذهب لفقراء المخيم كما يُقال بل لصالح جهات وأفراد محسوبة على فصيل معين».

لم تترك سلطات الاحتلال الإسرائيلي مخيم الشاطئ للاجئين الذي يعاني أوضاعاً مأساوية لوحده بل قامت بهدم وإزالة بيوته وغرفه التي يسكنها نحو (800) عائلة وتركتهم دون مأوى عام 1971 تحت حجة «توسعة المخيم»، رغم ضيق بيوت المخيم التي لا تتسع لقاطنيه، ما جعل مكان البيوت المهدمة أرضاً فارغة يستخدمها السكان في التنزه وفي إقامة المناسبات الاجتماعية والمهرجانات الوطنية.

ومع بدء أعمال التجريف للأرض الملاصقة للمتنزه والتي تتبع له، تداعت الفصائل الفلسطينية في مخيم الشاطئ بغزة بدعوة من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لاجتماع عاجل، وبحضور اللجنة الشعبية للاجئين بالمخيم، والتي رفضت هذه الخطوة باستثناء حركة حماس التي تغيّبت عن الاجتماع، ودعا المجتمعون الجهة المسؤولة (لجنة زكاة الشاطئ) عن هدم متنزه الشاطئ للتراجع عن قرارها، ووقف كل أشكال التنفيذ استجابة للموقف الوطني الرافض لهذا الهدم. حسب مجلة الحرية

تحويل المتنزه لمشروع استثماري

ونشرت لجنة زكاة الشاطئ على صفحتها الفيسبوكية أنها ستقوم بإنشاء مشروع السوق الخيري كعمل استثماري على أرض الملعب المعشّب وليس على أرض متنزه الشاطئ على أن تذهب ريع المشروع لأهالي المخيم الفقراء والمحتاجين.

من جهته، قال نور عقيلان رئيس لجنة زكاة الشاطئ الجنوبي في اتصال هاتفي أجراه مراسل «الحرية»، «نجري حوارات ونقاشات مع الفصائل الفلسطينية لتشييد المشروع، رغم وجود رأيين مختلفين، إحداهما أن يتم إضافة الـ(900) متر مربع للمتنزه لتصبح مساحته الكاملة (2900) متر مربع وينقل المشروع الاستثماري إلى بلوك (12) جنوبي سوق الخضار في المخيم، وفي حال تعذر ذلك سيقام المشروع التجاري على مساحة (900) متر مربع مكان مركز الشرطة القديم بجوار أسوار المتنزه».

وكانت لجنة القوى الوطنية والإسلامية في غرب غزة اجتمعت وناقشت في (13/8/2020) الرأيين ورفعتهما للجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية لتقرر بالأمر.

حيث تساءل عقيلان، «لماذا تم السكوت على الملعب المعشّب عندما كان بيد فصيل بعينه (يقصد حركة حماس) ؟، ولماذا السكوت على المتنزه وهو في حالة خراب وأصبح مكرهة صحية؟». متهماً بلدية غزة بإهمال المتنزه عندما سحبت موظفيها.

وقال عقيلان، إن «الأرض مكان مركز الشرطة خصصتها سلطة الأراضي ووزارة الحكم المحلي للجنة زكاة الشاطئ، ولدينا أوراق تثبت ذلك». فيما نفت سلطة الأراضي الفلسطينية على لسان مسؤولة العلاقات العامة والإعلام أمل شمالي قائلة «وفق قرار سابق من الرئيس الراحل ياسر عرفات، سلطة الأراضي لا تتدخل في إدارة المخيمات ومرجعية المخيم هي وكالة الأونروا فقط».

وأضافت شمالي في حديثها لمراسل «الحرية» عن قطعة الأرض موضوع النقاش «لا مانع لدينا من الاشغال ولكن تحت إشراف اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم الشاطئ».

ترخيص البناء

ورغم أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تعتبر المسؤول الأول عن تحسين ظروف حياة اللاجئين في المخيمات الفلسطينية، إلا أنها تقر بأن أوضاع المخيمات الفلسطينية عامة «مأساوية» وأنه ليس بمقدورها إصلاح متنزه الشاطئ نظراً لمحدودية تمويلها وتناقص ميزانيتها في ظل تزايد أعداد اللاجئين. حيث وعد مدير عمليات وكالة «الأونروا» بقطاع غزة ماتياس شمالي في اجتماع مع اللجنة المشتركة، بإعادة تأهيل متنزه مخيم الشاطئ في حال توفر الميزانية الخاصة بذلك.

من جهته، أوضح مروان الغول عضو مجلس بلدية غزة في اتصال هاتفي أجراه مراسل ـ«الحرية» أن ترخيص الأبنية من اختصاص البلدية علماً أنه لم يجر التقدم بأي طلب للبلدية لترخيص البناء، لذلك قُمنا بإخطار القائمين على البناء بوقفه كونهم يخالفون القوانين والإجراءات المتبعة بذلك. مضيفاً: «من حق بلدية غزة إدارة هذه الأرض ومنحها التراخيص اللازمة لذلك».

واجتمعت اللجنة الشعبية للاجئين بمخيم الشاطئ مع بلدية غزة (13/8) لبحث مشروع إعادة إعمار متنزه الشاطئ. وأصدر رئيس اللجنة الشعبية نصر أحمد بياناً عقب الاجتماع، قال فيه، إن «رئيس بلدية غزة يحيى السراج أبدى استعداده للإيعاز فوراً برسم الخرائط الخاصة بالحديقة بكامل مساحتها بالتعاون مع اللجنة الشعبية، على أن يكون الإشراف بعد الإنشاء ضمن مسؤولية مشتركة».

وقال أحمد في اتصال هاتفي مع مراسل «الحرية»، «أُبلغنا من بلدية غزة أن الأرض كاملة بمساحتها (2900) متر مربع هي للمتنزه، والإيعاز بوضع المخططات الهندسية على أن يتم تمويل المشروع بشكل مشترك بين البلدية واللجنة الشعبية». مفنداً تصريحات رئيس زكاة الشاطئ بالقول إن «سلطة الأراضي لم تعط تصريحٍ لأي أحد، والبلدية لم تعط ترخيص بناء لأي أحد».

وأوضح أحمد أنه «بمجرد أن شاهدنا الجرافات بعثنا برسائل لبلدية غزة واللجنة القطرية ووكالة الأونروا، واجتمعت القوى الوطنية والإسلامية لتدارس الأمر، ما دفع اللجنة القطرية لوقف تمويل المشروع». مضيفاً: «قدمت لجنة زكاة الشاطئ مقترحاً ببناء المشروع التجاري على مساحة (900) متر مربع على أن يتم تطوير المتنزه بـ(20) ألف دولار ونحن رفضنا ذلك».

وقف التمويل

وبين أحمد أن «اللجنة الشعبية اتفقت مع إحدى المؤسسات على تمويل تأهيل المتنزه على كامل الأرض البالغة مساحتها (2900) متر مربع، إلا أن الممول تفاجأ بتغيير الوقائع على الأرض من قبل لجنة زكاة الشاطئ ما دفعه لإيقاف التمويل لحين حل الخلافات على الأرض».

وقال أحمد: «أرسلنا كتاب لوكالة الأونروا صاحبة الولاية على المخيم ولم ترد عليه، ودائماً تتحجج بعدم وجود تمويل كافي في ظل حاجة اللاجئين للمساعدات».

ومن جانبه، شدد مسؤول الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بمخيم الشاطئ عبد الرحمن غانم، أن الفصائل الفلسطينية كافة باستثناء حركة حماس ترفض إقامة المشروع الاستثماري على مساحة (900) متر مربع.وأوضح غانم لمراسل «الحرية» أن لجنة زكاة الشاطئ وفرت تمويلاً عبر اللجنة القطرية لبناء مشروعها الاستثماري من محال تجارية وصالة رياضية وصالة أفراح ومقراً لها. مشدداً على ضرورة الحفاظ على أرض المتنزه كاملة على مساحة (2900) متر مربع ودون المساس بأي متر منه، كون المتنزه هو المتنفس الوحيد في المخيم الذي بالأساس يعاني من اكتظاظ سكاني ويحاصره الفقر من كل اتجاه.

وبين غانم أنه جرى إيقاف العمل بالمشروع بُعيد اجتماع الفصائل وتوجيه الرسائل للجهات المعنية ومن ضمنها اللجنة القطرية الممول الرئيس للمشروع، وبلدية غزة التي وجهت إخطار لوقف البناء.

حال مخيم الشاطئ الصغير حال قطاع غزة، ترتفع فيه نسب الفقر والبطالة بمعدلات فلكية فيما ينقصه المرافق الترفيهية والاجتماعية العامة، ورغم أنه يطل على ساحل بحر تآكل شاطئه وأصبح مرتعاً للنفايات ومياه الصرف الصحي، في الوقت التي تتحجج وكالة الأونروا بمحدودية التمويل.

المصدر: - تقرير: وسام زغبر