- د.زياد محمد ثابت وكيل وزارة التربية والتعليم
غزة - 1 سبتمبر 2020
مقدمة
لسنا بصدد الحديث عن أهمية التعليم الإلكتروني وفوائده العديدة التي لا تخفى على أحد، خاصة في ظل الظروف الطارئة التي أدت إلى تعليق الدراسة في كل بلدان العالم، لكن تحقيق أهداف التعليم الإلكتروني وتعميم فوائده يتطلب إمكانية وصول جميع الطلبة إلى هذا النوع من التعليم، وهذا غير متوفر في حالة غزة التي تعاني من الحصار، وعدم انتظام التيار الكهربائي، وضعف شبكة الإنترنت، ناهيك عن عدم توفر الحواسيب والأجهزة الذكية لدى غالبية الطلبة.
هل نبقى متفرجين؟
رغم كل هذه التحديات والمعيقات، وفي ظل تسارع وتيرة الاعتماد على التعليم الإلكتروني عالمياً، خاصة بعد جائحة كورونا وتعليق الدوام المدرسي، فليس من المناسب إغفال ذلك وكأن الأمر لا يعنينا هنا في غزة العزة التي واجهت كل تحديات الحصار والعدوان، واستطاعت أن تجعل من كل عقبة قصة نجاح، ومن كل تحدٍ إبداعاً يفوق التصور.
تجارب رائدة وإنجازات متميزة
تجربة وزارة التربية والتعليم ثرية ومتميزة في مجال مواجهة التحديات والتغلب على العقبات؛ فقدرات وإمكانات أبنائها إبداعية وخلاقة، فالحصار وتداعياته وانقطاع التيار الكهربائي وآثاره، وضعف الموازنات والإمكانات وانعكاساتها لم يمنع فرق الوزارة وبجهود ذاتية مخلصة من تصدر السباق في حوسبة وبرمجة الجوانب المختلفة للعملية التعليمية وإدارتها، وما زالت أعمالهم تتواصل في التطوير والإبداع دون الاعتماد على شركات البرمجة التي تكلف الملايين وتستعين بها جميع الأنظمة التعليمية لتطوير برامجها، حتى أصبحت أعمال فرق الوزارة من حيث الجودة والتجديد نموذجاً يقتدي به الآخرون.
ولا غرابة في أن تتصدر بوابة روافد التعليمية التابعة للوزارة المواقع الإلكترونية العربية بفوزها ضمن أفضل عشرة مواقع إلكترونية على مستوى الوطن العربي في مسابقة الشيخ سالم الصباح التي عقدت في الكويت قبل عامين. كما أن إذاعة صوت التربية والتعليم - وفي ظل إمكاناتها المحدودة - تمكنت من الفوز بالمرتبة الأولى على مستوى البرامج الحوارية في مسابقة جامعة الدول العربية التي عقدت في تونس العام الماضي. إن الظروف القاهرة لم تمنع وزارة التربية والتعليم من تحدي هذه الظروف، وإقامة استوديو تصوير تليفزيوني تمكنت من خلاله وخلال ستة شهور من تصوير حوالي 2000 فيديو تعليمي قدمت من خلاها شرحاً وافياً لمناهج الثانوية العامة.
محددات ضرورية
رغم كل الظروف والتحديات التي تواجه وزارة التربية والتعليم فإنها تصر على مواجهة هذه التحديات، والتغلب على الصعوبات، ومجاراة التطور العالمي في توظيف التعليم الإلكتروني؛ فالإصرار على السير في الطريق ولو كان وعراً هو الذي يجبرك على تسوية هذا الطريق وإصلاحه، وإزالة كل العقبات تدريجياً، فتجد من يشجعك ويدعمك ويقف إلى جانبك مقدماً الدعم والإسناد، أما الخوف والتردد هو الذي يؤدي بك إلى الارتباك وترك الطريق كما هو وعراً دون تسوية، فيبقى مظلماً خاوياً لا يفكر أحد في عبوره والاستفادة منه، رغم الاحتياج إليه. وتقديرا لهذه الظروف والتحديات وضعت الوزارة مجموعة من المحددات لتوظيف التعليم الإلكتروني والاستفادة منه بشكل تدريجي على النحو التالي:
- التعليم الإلكتروني هو أحد أساليب التعليم عن بعد وهو ليس بديلاً عن التعليم الوجاهي طالما لم يتمكن جميع الطلبة من الوصول إليه بسهولة ويسر.
- ضرورة تطوير كفايات المعلمين في توظيف التعليم الإلكتروني لأن المستقبل القريب سيجبر الجميع على توظيفه.
- ضرورة نشر ثقافة التعليم الإلكتروني في المدرسة والبيت والمجتمع المحلي.
- التدرج في توظيف التعليم الإلكتروني بما يتوافق مع إمكانات الوزارة وأولياء الأمور.
- يجب أن تتضمن المناهج تدريب الطلبة على استخدام تقنيات التعليم الإلكتروني.
- تطوير البنية التحتية وتوفير الإمكانات اللازمة لتوظيف التعليم الإلكتروني في المدرسة والبيت.
- استنهاض المؤسسات ذات العلاقة للقيام بدورها في دعم التوجه للتعليم الإلكتروني وتوفير متطلباته.
- خطة عمل واضحة
- في ضوء المحددات السابقة أعدت وزارة التربية والتعليم خطتها للتوظيف التدريجي للتعليم الإلكتروني من خلال:
- البدء بتطوير بوابة روافد التعليمية لتصبح منصة تعليم وطنية توازي المنصات العالمية كفاءة وجودة.
- إعداد المواد التعليمية والإثرائية بأنواعها المختلفة لتعزيز وتطوير مصادر التعليم والتعلم المتاحة على منصة روافد التعليمية.
- تدريب جميع المعلمين على توظيف التعليم الإلكتروني بدءاً بالصفوف الافتراضية وتطبيقاتها كمرحلة أولى.
- إنشاء الصفوف الافتراضية وتنسيب الطلبة لهذه الصفوف بشكل تدريجي حسب إمكانات وظروف كل طالب دون أن يكون ذلك إجبارياً لمن لا تتوافر لديه الإمكانات.
- البدء بتوظيف تدريحي للصفوف الافتراضية كمصدر داعم ومساند للعملية التعليمية بما يفيد القادرين على الوصول إلى هذه الصفوف، وفي نفس الوقت لا يؤثر سلباً على غير القادرين الذين سيتلقون تعليماً شاملاً وكاملاً عبر التعليم الوجاهي وغيره من الأساليب المتاحة للتعليم عن بعد.
التدرج في العمل
في ظل التحديات والعقبات التي تواجه الوزارة والطلبة، تعتمد الوزارة التدرج في توظيف التعليم الإلكتروني، ففي المرحلة الاولى وخلال العام الحالي يتوقع أن تكون نسبة الاعتماد على التعليم الإلكتروني والصفوف الافتراضية من (5-10)% وفقاً لسيناريوهات العمل المعتمدة في ظل الظروف الصحية السائدة، على أن تزيد هذه النسبة وفقاً لما يتحقق من توفير للإمكانيات اللازمة لهذا النوع من التعليم في السنوات التالية.
إن هذه النسبة لن تكون على حساب المهارات الأساسية للمنهاج اللازمة لكل طالب، والتي تحرص الوزارة عليها من خلال التعليم الوجاهي، ولكن هذه النسبة يمكن أن تسهم في تطوير قدرات وإمكانات الطلبة القادرين على الوصول للتعليم الإلكتروني.
مكتسبات ممكنة
إن اعتماد الوزارة على توظيف التعليم الإلكتروني للطلبة القادرين على الوصول إليه ولو بنسبة بسيطة مبدئيا وخلال العام الحالي يمكن أن يسهم في تحقيق العدد من المكتسبات والأهداف لدى هؤلاء الطلبة مثل:
- تطوير بعض مهارات القرن 21 المتمثلة في توظيف التكنولوجيا الحديثة وتعزيز مهارات الاتصال والتواصل.
- تطوير مهارات البحث والاستقصاء، والاستفادة من المصادر المتنوعة للمعلومات التي توفرها شبكة الإنترنت.
- إمكانية تواصل الطالب مع معلمه في غير أوقات الدوام للاستفسار عن بعض المعلومات، أو الحصول على إجابة لبعض الأسئلة.
- القيام ببعض المهمات التعليمية كأداء الواجبات والتكليفات المدرسية، وتسليمها للمعلم والحصول على التغذية الراجعة من خلال الصفوف الافتراضية.
- الاستفادة من المواد التعليمية التي يعدها المعلم أو يختارها، ويوفرها لطلبته عبر الصف الافتراضي، كالفيديوهات التعليمية وبطاقات التعلم، والاختبارات الإلكترونية، وغيرها من المواد.
- سيكون هناك مرونة للمعلمين في تقديم خدمات تعليمية إضافية عبر الصفوف الافتراضية بحيث لا يكون ذلك على حساب ما يقدم للطلبة في التعليم الوجاهي.
دعم وإسناد مؤسسات المجتمع
لكي تتمكن الوزارة من تحقيق أهدافها والارتقاء بالعملية التعليمية من خلال التوظيف التدريجي والفاعل للتعليم الإلكتروني؛ فإنها ستسعى جاهدة لدى العديد من المؤسسات ذات العلاقة لتقوم بدورها وواجبها الوطني في تقديم الدعم والإسناد من أجل توفير بيئة تعليمية مناسبة يتمكن من خلالها المعلم والطالب من الوصول لمواقع التعليم الإلكتروني التي تعتمدها الوزارة دون أن يشكل ذلك عبئاً مادياً إضافياً على المعلم وولي الأمر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت