العودة إلى المدارس وسط انتشار وباء كورونا، وتزايد عدد الاصابات في ظل تفشي الموجة الثانية وما يعقبها من محاذير، يمثل تحديا كبيرا للاستمرار برغم الصعوبات، وتأمين كافة المتطلبات والتجهيزات لضمان سير العملية التعليمية، وسط مجازفة ربما لا تكون مأمونة العواقب، في ظل إيلاء التعليم أهمية كبرى، واعتباره قضية مركزية لما له من تأثير، في تكوين وتنشئة الأجيال، والتمسك بالهوية والتشبث بالأرض، وسط عواصف التشرذم والتشظي التي تجتاح المنطقة.
مواقف متباينة وتوصيات
بداية تباينت مواقف المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بشأن افتتاح العام الدراسي المقبل بداية شهر ايلول 1/9/2020، في ظل جائحة كورونا، ما بين استبعاد انتظام الدراسة في موعدها المحدد، وما بين القول بعدم وجود موقف وقرار نهائي بخصوص خطة محددة، إلى تأكيد على وجود خطة لافتتاح العام الدراسي في الموعد المقرر. مع الاشارة إلى قيام الكنيست بالتصويت على تعديل يسمح بتحويل الميزانيات، ليتسنى افتتاح العام الدراسي بانتظام، لاستحالة شراء أجهزة حواسيب للشرائح المحتاجة بدون امتلاك الأموال والميزانيات اللازمة، مع السعي لتوفير وتأمين وسائل للتعلم عن للطلاب . وقد تم بالفعل الاتفاق بين وزارتي الصحة والتعليم، ومنسق كورونا في الحكومة الإسرائيلية، على انتظام التعليم في موعده، وطرح إمكانية تأجيل افتتاح الثانويات في التجمعات السكنية المصنفة حمراء، بسبب ارتفاع معدل الإصابات بفيروس كورونا فيها.
وقد سبق أن عقدت الهيئة العربية للطوارئ اجتماعا يوم الخميس 4/6/2020، لمتابعة آخر التطورات في مجال التعليم، معتبرة أنه لا يوجد مبرر لاتخاذ قرارات بتعطيل التعليم في المدارس العربية حاليا، مع الدعوة للتقيد بالتعليمات الوقائية. حيث يتسبب إيقاف التعليم بخسائر تعليمية كبيرة، يتوجب العمل للحد منها بقدر الإمكان. والتوصية في حال أدت المعطيات للجوء إلى هذا الاجراء القاسي إلى إنشاء برامج تدمج ما بين التعليم بمجموعات صغيرة، والتعلم من البيت من خلال مهام تعطى للطالب في المدرسة، ومتابعة المعلمين للطلاب وإرشادهم. ودعت وزارة التربية والتعليم لتزويد الطلاب العرب بالحواسيب فوراً، وتحضير المدارس بشكل جيد تحسبا لحلول حالات الطوارئ التي قد تطول.
افتتاح حذر وتأجيل
فيما تمت العودة إلى المدارس وبدء العام الدراسي الجديد مع استمرار جائحة كورونا، صباح الثلاثاء 1/9/2020، وسط تطبيق إجراءات خاصة في المدارس. تم تأجيل افتتاح العام الدراسي حتى إشعار آخر، في عدد من البلدات التي سجلت ارتفاعا في الإصابة بفيروس كورونا، ومنها 17 بلدة عربية ، وفقا لقرار المجلس الوزاري الإسرائيلي لشؤون كورونا (كابينيت كورونا)، مساء الاثنين31/9/2020. و تشمل البلدات العربية المدرجة في القائمة الحمراء من مجمل 23 سلطة محلية، كل من الطيرة وكفر قاسم واللقية وعسفيا ودالية الكرمل وجلجولية وعين ماهل، وقرى المجلس الإقليمي البطوف وزيمر وكفر كنا وكفر برا وعبلين وبيت جن وجت المثلث وأم الفحم، وجديدة المكر والكعبية وطباش وحجاجرة. كما تم إدراج 18 بلدة عربية في القائمة البرتقالية، من مجمل 33 بلدة في الفئة ذاتها.
في الناصرة افتتحت السنة الدراسية الجديدة بحضور 80% من الطلاب، رغم وجود التوتر والتخوفات لدى الأهالي والطواقم التدريسية بسبب جائحة كورونا. وكذلك جرى الأمر في قرى البعنة، ودير الأسد، و مجد الكروم ونحف، بينما تم التأجيل في جديدة المكر حتى يوم الخميس 3/9/2020، بسبب إدراج البلدة ضمن قائمة «البلدات الحمراء» بسبب كورونا. وفي رهط أعلنت البلدية عن تأجيل افتتاح السنة الدراسية الجديدة للحد من انتشار الوباء، كما تم في كفر قاسم تأجيل بدء العام الدراسي، بعد تصنيفها ضمن قائمة البلدان الواقعة في دائرة الخطر. وفي أم الفحم أعلن تعليق بدء السنة الدراسية في كافة المدارس باستثناء التعليم الخاص، بعد تصنيف المدينة ضمن البلدات الحمراء، مع استثناء التعليم الخاص في المدينة. بينما انتظمت الدراسة في طمرة مع التشدد في تطبيق اجراءات الوقاية. وفي منطقة المثلث، لم تنتظم الدراسة في 4 بلدات بالمنطقة، من بينها كفر قاسم التي اتخذت قرارا مسبقا بالتنسيق بين لجنة أولياء أمور الطلاب والبلدية، لإرجاء افتتاح العام الدراسي في البلدات الحمراء، التي تسجل معدلات مرتفعة للإصابة بفيروس كورونا، والذي يلزم البلدات بتأجيل افتتاح العام الدراسي. وفي مدينة الطيرة قررت لجنة أولياء أمور الطلاب المحلية انتظام الدراسة، في حال لم يصدر أي قرار حكومي، فيما سبق ان تم رفض اقتراح منسق شؤون كورونا في الحكومة الإسرائيلية، بتأجيل افتتاح السنة الدراسية. كما لم تنتظم الدراسة في زيمر وكفر برا وجلجولية وجت، وفي عين ماهل، حيث تقرر عدم افتتاح السنة الدراسية في رياض الأطفال وجميع المدارس حتى يوم الخميس مبدئيا. وفي كفر كنا المصنفة ضمن البلدات الحمراء، فقد تقرر عدم استقبال الطلاب بالمدارس، وأن التعليم سيكون عن بعد.
في حين رفضت لجنة أولياء أمور الطلاب المركزية في مدينة الطيرة، تأجيل افتتاح العام الدراسي الجديد بسبب تفشي فيروس كرورنا المستجد، وسط السؤال لماذا المدارس فقط ستُغلق؟ حيث تعاني المدارس العربية في مدينة حيفا، من التقصير والتمييز العنصريين، اللذان يحولان دون توفير أهم الشروط الأساسية للطلاب العرب، عشية افتتاح السنة الدراسية الجديدة. وقد أدى فرض نظام التعلم عن بعد بسبب أزمة كورونا، لإبراز الفجوات بين المدارس العربية عامة، والمدارس غير العربية، التي تعمل منذ سنين بحسب نظام التعليم المحوسب، وتؤكد المعطيات بأن 51% من الطلاب العرب في حيفا لم يتلقوا التعليم بشكل فعال لأسباب عديدة، من بينها عدم توفر حواسيب، أو إنترنت، الأمر الذي ينعكس سلبا على مستوى تحصيلهم العلمي، في ظل وجود نقص حاد في الحواسيب، والمختبرات العلمية، والقاعات رياضية، والصفوف التعليمية.
القرى مسلوبة الاعتراف
وقد شهدت البلدات العربية في النقب أعمال ترميم في المدارس، قبيل افتتاح السنة الدراسية، بينما لم تتضح الصورة فيما يتعلق بطلاب المدارس في القرى مسلوبة الاعتراف، بشأن جهوزية المدارس أو قدرتها الاستيعابية في المجالس الإقليمية، حيث تعتبر عملية الوصول إلى المدارس مسألة صعبة، بسبب أعداد الطلاب، وعدم توفر الحافلات وانتظام السفريات. وتبرز معاناة مدارس قرية وادي النعم، بوجود مشكلات في افتتاح العام الدراسي، حيث تتحمل وزارة التربية والتعليم مسؤولية التأخر في تجهيز المدارس ، لان ذلك يقع ضمن ضمن صلاحيتها. وبسبب قيام مجلس واحة الصحراء بفك الارتباط مع مدارس وادي النعم، يعاني الطلاب من غياب الإطار التعليمي. فيما يعاني طلاب الفرعة، وجزء من طلاب الباط، من عدم توافر المواصلات لنقلهم من قبل مجلس القيصوم الإقليمي. بينما انتظم التعليم في عدة مدارس بحضور جزئي في النقب، بينها مدرسة الغزالي في مدينة رهط.
مشكلات وعقبات
تبرز عقبة أساسية تواجه موضوعة التعليم في البلدات العربية، تتمثل بوجود التمييز بين الطلاب العرب واليهود، في كل مراحل التعليم. حيث كشفت معطيات رسمية لوزارة المعارف حول توزيع ميزانيات التعليم، عن استمرار التمييز القومي بين الطلاب العرب واليهود في كل مراحل التعليم، وذلك رغم ادعاءات الوزارة بتبني سياسات «تقليص الفجوات» بين الطلاب .وأظهرت المعلومات الصادرة من مركز أبحاث الكنيست، أن التمييز ضد الطلاب العرب في الميزانيات، يصل إلى ذروته في المرحلة الثانوية، حيث يحصل الطالب العربي في الفئات الضعيفة اقتصادياً على 26776 شيكل مقابل 45007 شيكل لليهودي من نفس الفئة، مما يعني وجود فارق بـ18231 شيكل. وقد اعتبر رئيس لجنة حقوق الطفل البرلمانية، د. يوسف جبارين، بأن التمييز بتوزيعة الميزانيات ضد الطلاب العرب تاريخي، وأن الكنيست رفضت مقترح قانون تقدم به، يقوم على شمول مبدأ المساواة في الفرص التعليمية كافة الطلاب. وأن التمييز المادي على أساس قومي، ينضم إلى التمييز البنيوي بمضامين التعليم، التي تتنكر للهوية العربية الفلسطينية، ولإقصاء التربويين والأخصائيين العرب من دوائر اتخاذ القرار في الوزارة.
الطلاب العرب ومأزق التعليم
بسبب حالات التوقف التي فرضها تفشي الفيروس على الحالة التعليمة، ومن جراء توقف المدارس، فقد عدد من الطلاب و خاصة في المراحل الأولى، ضمن حالات محددة كل ما تعلموه بشكل كلي. فيما اعتبر أسلوب «التعليم عن بعد» غير ناجح بشكل كامل لعدة أسباب منها:
- أن شبكة الحواسيب غير المهيأة وغير المعدة للتعلم عن بعد في بعض البيوت التي تتوفر فيها الحواسيب.
- عدد الطلاب في البيت أكثر من عدد الحواسيب، وخاصة في العائلات كثيرة الأفراد.
- مدى وعي ومعرفة الأهل وقدرتهم على مساعدة أبنائهم، ومرافقتهم خلال التعلم عن بعد.
- عدم الحصول المدرسة على الميزانية اللازمة لتمويل مشروع حاسوب لكل طالب.
- ضعف شبكات الاتصال والنقص الهائل في الحواسيب خاصة في النقب والقرى غير المعترف بها.
- وجود 150 ألف طالب عربي لا يملكون حواسيب، ومشكلات نقص الغرف التعليمية في حال تمت المصادقة على تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت