- د. طلال الشريف
التهدأة الجديدة بين حماس والإحتلال تحمل جديداً، وكأننا دخلنا فعلاً في الأرض الحرام، وقطعنا كل الخطوط الحمرأء، وأزلنا ورقة التوت التي كانت تستر عورتنا.
إنزياح جديد نحو خارطة جديدة في الصراع الداخلي في فلسطين، الآن توخذ السلطة ومنظمة التحرير خلف مصنع الكراسي لتنام ليلها الطويل، وكل ما أخطأ به عباس من سلوك سياسي خطير حين تلعثم، جهلا، أو، حقدا، على لا شيء، إلا فقدان البصيرة السياسية في الحفاظ على علاقة الرسمية الفلسطينية مع المحاور، وكان التوازن يمكن أن يستمر لو لم يجر، أو، لم يسع للركوب، أو، المناورة في علاقته مع قطر، ليس نكاية في مصر والامارات بقدر ما هي بوصلته الحقيقية نحو الحقد على دحلان.
تصوروا كيف حقد شخص يشكل السياسة لسلطة أو لدولة، فكيف ستكون أحوال شعب وقضية، صغائر تطيح بشعب وقضية بغباء سياسي غير مسبوق.
لا أدري كيف وزنها الرئيس حين وقف ضد الإمارات وهنا ليس دفاعا عن التطبيع فكما قلنا كلنا نحن ضد الاطبيعوقبل الحصول على حقوقنا وأرضنا قبل الرابع من حزيران عام 1967.
ولو دقق عباس جيدا لكان موقفه وموقف السلطة بجانب الإمارات ومصر ليبقى التوازن الذي نسيه وإنحاز للموقفوالتطبيعي الآخر مع قطر، وهنا حدثت الكارثة لعباس وسلطته، كيف؟ الآن سنحكي سياسة وليس عواطف.
كان التوازن في العلاقة مع العرب والمحاور سياسة فلسطينية تاريخيا وفي بعض الاوقات الذي نسي الفلسطيني القائد وإنحاز.
في مواقفه وفقد التوازن يخسر شعبنا بالتأكيد، كانت التوازن سياسة ثابتة مهما جرى من أحداث لأن هذا التوازن كان يحمي القضية ويحمي المنظمة ويحمي السلطة لاحقاً.، فكان حاجزا صلبا لصيانة الرسمية.
مصر وحملها ملف المصالحة وحتى لو لم ينجز المطلوب بسبب التلاعب القطري التركي في منع المصالحة مند البدء فيها، إلا أن الوضع كان يسمح بوجود السلطة والمنظمة في حالة مشاركة، وكانت مصر تحافظ على هذا التوازن لكي لا تتدهور أحوال الرسمية الفلسطينية، ولكن حنق عباس كسر التوازن المفيد لسلطته وذهب لمحور قطر فأطاح بدور الرسمية الفلسطينية، وتم أخدها كما قلت خلف مصنع الكراسي لتنام بحقد الرئيس إلى الأبد.
كان العرب يدركون السياسة جيدا وخاصة في الملف الفلسطيني الداخلي وتناقضاته وقد يتلاعبون به إن كانت لهم مصلحة في ذلك.
رغم كل العلاقات بين حماس وقطر مثلا او الإمارات ودحلان، كنموذج آخر، إلا أن العرب يعرفون أن العلاقة مع السلطة هي الرسمية والإكثر ثباتاً، والعلاقة مع أحزاب، أو، أشخاص، ليست دائمة، ولذلك، كانت السلطة موجودة، ولا أحد من العرب يتجاوزها، وبقيت علاقة حماس بمحور قطر، وعلاقة دحلان بمحور الإمارات، ثانوية.
غباء الرسمية الفلسطينية بتجاوزها دور مصر وخسارتها الموقف الإماراتي واستجابتها لدور قطر في ترتيب لقاء الرجوب العاروري وبعده إختيار بيروت لعقد لقاء الأمناء العامين أخطاء فادحة حسبت الرئيس لقطر من جديد، بعدهما أيضاً حماس وقطر، ضربا أيضا في نفس السياق ضربة للموقف المصري، الذي جاء أسرع ليمنع الحربعلى غزة ولم تستجب له حماس، ولكن هي السياسة، سياسة المحاور، وفرض هدنة الخارجية القطرية على الواقع بإستجابة حماس، هي الشعرة التي قصمت ظهر الرسمية الفلسطينية، وأصبح الصراع بين المحورين جليا، بل أخذ القضية، وربطها بمسيرة التحالفين القطري، والإماراتي، وكش سلطة وعباس، الذي لم يعرف أين يقف، فحماس وتحالفها من أمامه، ودحلان وتحالف الامارات من خلفه، هكذا بنيت معادلة جديدة للصراع الداخلي الفلسطيني ستطول ترتيباته، لإرتباطه بقضايا وخلافات العرب وتحالفاتهم.
يظهر جليا الآن أن حل الخلاف الداخلي الفلسطيني قد عاد لملعب حماس ودحلان، وهنا تبدو الرؤية أوضح، بأنه فقط يمكن في لحظة تجاوز الرسمية الفلسطينية التي فقدت بوصلتها وظهيرها المصري والإماراتي في مواجهة قطر وجماعة الإخوان، وعليه قد يصبح الحل ممكنا داخل فلسطين، وفي نفس الوقت يصبح الحل مستحيلا، ممكنا إذا عرفت حماس ودحلان كيف يمكن إنقاذ الحالة الفلسطينية الداخلية، وفرض المصلحة الفلسطينية على تحالفاتهما ليعودا منقذين للوضع، أو أنهما لا يستطيعان فرض رؤيتهما الوطنية للصالح الفلسطيني على حلفائهما، ويستمر إشتباك التحالفين في صراعهما طويلا، حتى ينهار أحدهما في وقت ما، وتكون لأحدهما الغلبة، وحينها يلتفت التحالف المنتصر للوضع الفلسطيني ويمكن حليفه الفلسطيني ليسود الساحة الفلسطينية...
للأسف هذا واقع يجب على سعبنا فهمه وليس عواطف. الأفضل والأسرع لإنقاذ الوضع في فلسطين هو توافق بين حماس ودحلان وتياره الإصلاحي لقيادة الرسمية الفلسطينية بعد فراغ عباس، وعدم ترك الوضع للزمن مع تحالفات العرب، وليس العكس الجاري بين حماس وعباس الذين عمليا يصبا في تحالف قطر وسيمنع التحالف الآخر أي تقدم ، ولذلك لن تحل الخلافات بهذا الشكل، والمسؤول عما حدث من تسليم حماس ودحلان الدفة، هي السياسة الفاشلة لعباس والرسمية الفلسطينية، والسياسة لا تعرف الفراغ، وقد صنع هذا الفراغ الرئيس بتخليه عن محور مصر الامارات الإقرب له في الصراع مع حماس، وهكذا خطأ سياسي يحدث التغيير الذي لم يتوفعه أحد، والذي جاء هدية من عباس لمناويئيه ليملؤا الفراغ الذي تركه بحنقه على دحلان عندما ضيع القبلة.
أما الأحزاب الفلسطينية الأخرى فليس لها مكان في معادلة المحاور هذه، وعليها الحذر من الذهاب لمحور ثالث مثل إيران، لكي لا يحدث لها ما يحدث للآخرين، فإن أرادت أن يكون لها كلمة وخيار فهو خيار حيد، ولتكن هذه الأحزاب في محور إسمه الشعب الفلسطيني تقوده في اتجاه ثورة على السلطتين والإحتلال إن إستطاعت إن لم يكن الزمن عدى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت