- بقلم / علي طقش ..
- مستشار وخبير استراتيجي
الحلقة الثانية
في بدايات القرن 19 عام 1915 ولدت السيدة صديقة محمود خليل يونس في قرية سدود في فلسطين، اكتسبت السيدة صديقة خبرة ونضج مبكر بأهمية العلم والتعليم في مجتمع وزمن كان ضد فكرة تعليم البنات وغير وارد في الفكر المجتمعي السائد
بعد عدة سنوات عرفت السيدة صديقه من والدها الشيخ محمود سبب تسميتها باسم صديقة، لقد أتى الأمر بتجنيد والدها الشيخ محمود ضمن جيش الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى والتي كانت فلسطين ضمن إحدى ولاياتها، ولم يقتصر التجنيد على الشيخ محمود فقط بل تم شحن آلاف المزارعين الفلسطينيين البسطاء ليكونوا وقودا للحرب الطاحنة والدفاع عن ممتلكات وأطماع قوى عظمى ليسوا طرفا فيها. ويواجهون آلة عسكرية أوروبية ضخمة ومجهزة بأحدث الأسلحة .لم تسعفهم بساطتهم وحبهم لأرضهم وأسرهم من عدم المشاركة كجنود في هذه الحرب وعلى الرغم من ذلك لم يحصلوا على تدريب ولا تسليح كحد أدنى .
عند وصول الشيخ محمود وآلاف المزارعين الفلسطينيين إلى الآستانة، كان ينتظره موعد مع الحظ الذى أنقذه من موت مؤكد أو مصير مجهول كما حصل مع مئات القرويين الفلسطينيين الذين تم تجنيدهم و كانت تحكى عنهم القصص والروايات الشعبية .
وهنا ظهر حظ الشيخ محمود، قام الباشا العثماني باستدعائه من بين آلاف المزارعين... كانت دعوة الباشا العثماني لأحدهم - حسب خبرة المجندين المحدودة بالحياة- لا تبشر بخير... وهكذا فكر الشيخ محمود عما يكون قد فعله من خطأ جعل الباشا يغضب ويطلب استدعائه دون الفلاحين الآخرين.
لكن الباشا بادر الشيخ محمود بالسؤال: هل تجيد الكتابة والقراءة وحفظ القرآن ؟
جاء هذا السؤال بعد ما قام بسؤال المجندين من فيكم يجيد القراءة والكتابة وحفظ القرآن ؟ فأجابوا بأن هناك شيخ يدعى محمود يونس من قرية سدود من قرى الساحل الجنوبي.
فأجاب الشيخ محمود على سؤال الباشا: بأنه يجيد الكتابة والقراءة وحفظ القرآن فابتسم الباشا وقال له: كنت أعلم بأن هناك من لديهم هذه القدرة العظيمة في القرى الفلسطينية، قال الباشا العثماني للشيخ محمود: لن تشارك بالحرب بل سوف تكون في قصري بمثابة الشيخ والأستاذ الذى يقوم بتعليم ابنتي الكتابة والقراءة وحفظ القرآن والتي تدعى صديقة .
وهكذا عندما عاد الشيخ محمود إلى قريته... وأنجبت زوجته مولودة جميلة... قام بتسميتها صديقة على اسم بنت الباشا التي أنقذت حياته
ولكن الصغيرة صديقة ترسخ في ذهنها أهمية العلم وأنه هو من كان سبب نجاة والدها وعودته سالما إلى بيته وأبنائه. ترعرعت صديقة يتيمة بفقدان والدتها مباشرة عند ولادتها ومن ثمّ والدها، فتربت برعاية أختها التي تكبرها سنا .بعد بلوغ صديقة عمر 15 عام تزوجت أب قريتها وقريبها ، محمد عبد الحميد سليمان على الدعليس (طقش) وكان بدوره الزوج المثالي لها لقيامه بتعويضها الحرمان الذي عاشته بعد فقدانها لوالديها... كانت تغمرها سعادة لا توصف ،أنجبت أربعة أبناء وابنتان.
لم تكتمل فرحة السيدة صديقة لاستشهاد زوجها وتركها لوحدها فأصبحت تعيش الفقد والمرار، كانت المسؤولية كبيرة بسبب الأبناء الذين تم تركهم لها وهي في عمر صغير لتكون الأم والأب بنفس الوقت .
فكان يراود السيدة صديقة شعور لا يفارقها أبداً وهو تعليم والدها ابنة الباشا في القدم ومنع التقاليد في القرية بتعليم البنات، مما دفعها إلى تعليم أبنائها البنين والبنات كحد سواء، حيث كانت أشد حرصاً على التعليم وإدخال ابنتيها (خديجة وحليمة ) المدرسة بعد الهجرة أكثر من ابنائها ( عبد الحميد – ياسين – عبدالله – على)
و أدركت بحسها بأن التعليم ليس مقتصر على المدارس فقط بل أن هناك تعليم مواز وقد يكون أكثر أهمية وهو التعليم من الحياة اليومية
ومن هنا تميزت عن باقي نساء القرية بإصرارها على التعليم وذكائها فكانت تتابع أبنائها وتصر عليهم على القراءة بصوت مرتفع لكي تحفظ معهم الدروس ومن بعدها تسألهم فيما كان يقرؤون.
ومن هنا أصبحت السيدة صديقة مرجعا لأهل القرية كبيرها قبل صغيرها في تقديم النصح والمشورة في حياتهم لما كانت تملكه من خبرات وعلم بالحياة، إضافة لخروجها من بيت متعلم وشيخ لأهل القرية في القدم ولم تقتصر على أهل القرية فقط بل امتدت في تقديم النصائح والمشورة إلى القرى المجاورة
يتبع
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت