بالتزامن مع بداية تأثير جائحة كورونا، شهد الاقتصاد الفلسطيني تراجعاً في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من عام 2020 بنسبة 5%، حيث شهدت معظم الأنشطة الاقتصادية تراجعاً ملحوظاً.
وشهد قطاع الإنشاءات أعلى نسبة تراجع بلغت حوالي 21%، يليه القطاع الصناعي الذي تراجع بنسبة وصلت 9%، ثم قطاع الزراعة بنسبة 9%، وقطاع الخدمات بحوالي 3%، وقطاع الخدمات بنسبة 3% الذي يشكل الوزن الأعلى من ناحية القيمة بين الأنشطة الاقتصادية، كونه يشكل المساهمة الأعلى في الناتج المحلي الإجمالي.
وفيما يخص قطاع المالية العامة في فلسطين، أوضحت رئيس الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني علا عوض في مقابلة مع "بوابة اقتصاد فلسطين"، إن صافي الإيرادات المحلية تراجع بنسبة 14% خلال الربع الأول 2020، ليبلغ حوالي 3.4 مليار شيقل، فيما انخفض في الربع الثاني ليصل الى 1.9 مليار شيقل وذلك بسبب عدم استلام أموال المقاصة، وانخفض الإنفاق العام بحوالي 40% خلال الربع الأول 2020 ليبلغ حوالي 3.4 مليار شيقل، ووصل خلال الربع الثاني 2020 إلى حوالي 3.5 مليار شيقل، أي أن عجز الرصيد الجاري بلغ 1.6 مليار شيقل.
وتابعت: "أما فيما يتعلق بالدين العام فقد ارتفع بنحو 3.3% خلال الربع الأول 2020 ليبلغ 10 مليار شيقل، مشكلاً نحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت حصة الدين المحلي الحكومي خلال هذا الربع 55% مقابل 45% للدين الحكومي الخارجي.
وضع القطاع المصرفي
وحول وضع القطاع المصرفي قالت عوض إنه يواجه تحديات كبيرة نتيجة للوضع السياسي القائم إضافة إلى جائحة فيروس كورونا، واستنادا إلى معطيات سلطة النقد فقد بلغ حجم التسهيلات الممنوحة حوالي 10 مليار دولار منها 8 مليار قروض، ومن بينها 81% تسهيلات للقطاع الخاص، و18% كقروض للقطاع العام، والباقي لغير المقيمين في فلسطين.
وارتفعت التسهيلات الائتمانية في الربع الثاني عن الربع الأول 2020 بحوالي 4%، فيما ارتفعت في الربع الأول 2020 عن الربع الرابع 2019 بحوالي 2%.
وأضافت: "ما أود التأكيد عليه أن حجم الإقراض خلال النصف الأول من عام 2020 أي مع بداية تأثير جائحة كورونا بلغ 617 مليون دولار، بينما بلغت قيمة التسهيلات خلال العام 2019 لوحده 619 مليون دولار".
من جهة أخرى بلغت إجمالي ودائع العملاء المقيمين 13 مليار دولار منها 12.6 للقطاع الخاص من شركات وأفراد فيما بلغت ودائع غير المقيمين 0.7 مليار دولار، 91% من مجمل الودائع تعود للمواطنين.
وتابعت: " بشكل عام فإن الاقتصاد الفلسطيني في نهاية عام 2020 سيتكبد خسائر تقدر بـ 2.5 مليار دولار أمريكي حسب التقديرات الأولية، حيث من المتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13.5% في عام 2020 مقارنة مع عام 2019".
الميزان التجاري... عجز مستمر
قالت رئيس الجهاز المركزي للإحصاء إن حجم الاستيراد من السلع والخدمات بلغ حوالي 8.4 مليار دولار، بينما بلغ حجم التصدير 2.6 مليار دولار، أي أن هناك عجز في الميزان التجاري الفلسطيني، وهذا العجز دائم ومستمر، فالاستيراد من الخارج يفوق التصدير بما يزيد عن 3 أضعاف، وبالتزامن مع بداية تأثير جائحة فيروس كورونا خلال شهر آذار 2020 على مستوى فلسطين شهدت التجارة الخارجية تراجعا في الصادرات السلعية المرصودة بنسبة 17% مقارنة بالشهر السابق.
وانخفضت الواردات خلال شهر آذار من عام 2020 بنسبة 5% مقارنة مع الشهر السابق، وبالتالي هناك تأثير على حركة التجارة الخارجية في فلسطين كون أن الاستيراد يعد أحد أهم روافد الاقتصاد الفلسطيني.
توقعات بانخفاض حجم الاستثمار
أكدت عوض على أن حجم الاستثمار في فلسطين تضرر بشكل كبير، ومن المتوقع أن تنخفض الاستثمارات بنسبة 43% استنادا إلى التنبؤات الاقتصادية، وبالطبع فإن التعافي سيحتاج إلى عدد من السنوات، وذلك بالاعتماد على المحيط الإقليمي والدولي ومدى تأثر فلسطين بتداعيات جائحة فيروس كورونا.
عودة العمل في المنشآت الاقتصادية...
أوضحت عوض إن 74% من منشآت القطاع الخاص قد أغلقت بفعل قرارات مجلس الوزراء بتاريخ 22/3/2020 المتعلقة بإجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا، وهو ما أدى لتعطل ما يقارب 320 ألف عامل، إلى أن جاء قرار الحكومة بتاريخ 20/4/2020 الذي جاء بموجبه دخول حوالي 55% من المنشآت الاقتصادية في فلسطين إلى المنشآت المصرح لها بالعمل بواقع 77,653 منشأه وتشغل حوالي 164,291 فرد، بما يعني أن 81% من المنشآت صرح لها العمل بموجب القرارين وبقي 19% مغلقه، أي ما يقارب 156 ألف عامل بقي متعطلاً حينها.
وأضافت: "وفي الوقت الحالي، تم العودة التدريجية لمعظم المنشآت الاقتصادية، ويجري العمل من قبلنا على تنفيذ مسح متخصص للمنشآت الاقتصادية لقياس الآثار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة، ومسح آخر أسري لقياس الأثر الاجتماعي نتيجة تداعيات جائحة فيروس كورونا وسيتم نشر النتائج بعد الانتهاء من تلك المسوح".
يذكر أن عدد المنشآت العاملة في القطاع الخاص الفلسطيني 142 ألف منشأة، بواقع 96 ألف منشأة في الضفة الغربية و46 ألف منشأة في قطاع غزة، وتشغل حوالي 425 ألف عاملاً، منهم 291 ألف عاملاً في الضفة الغربية، و134 ألف عاملاً في قطاع غزة.
أزمة المقاصة
شهد العام 2019 اقتطاع الاحتلال الإسرائيلي لجزء من العائدات الضريبية من المقاصة بسبب قيام الحكومة الفلسطينية بدفع رواتب لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، والذي أدى إلى رفض الحكومة الفلسطينية لاستلام العائدات منقوصة لأكثر من 6 أشهر متتالية.
لم تتوقف القرصنة الإسرائيلية، فشهد العام 2020 قيام الاحتلال الإسرائيلي بحجز أموال المقاصة مرة أخرى، منذ شهر أيار وحتى يومنا هذا، وهو ما أدى لحدوث مشاكل في السيولة النقدية، وتراكماً في المتأخرات الحكومية لموظفي القطاع العام وموردين من القطاع الخاص، وبالتالي تراجع العجلة الاقتصادية، إضافة لارتفاع معدلات البطالة وزيادة عدد الأسر الفقيرة، والتأثير السلبي على الإنفاق الاستثماري الحكومي.
من جانبها أوضحت رئيس الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني علا عوض في مقابلة مع " بوابة اقتصاد فلسطين" أن أموال المقاصة تساهم فيما نسبته 70% من قيمة مجموع صافي الإيرادات العامة، وبتغطية النفقات الجارية بما نسبته 55%، بالإضافة إلى مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة وصلت 14%، ما يعكس تحكم الاحتلال الإسرائيلي بنسبة كبيرة من ايرادات الحكومة الفلسطينية.
وتابعت: "القطاع الحكومي يشكل رافعة أساسية للاقتصاد الوطني، كونه يشكل أكثر من 22% في الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي هناك تأثير مباشر على عجلة الاقتصاد بكافة مركباته في ضخ تلك الاموال في السوق الفلسطيني وعلى كافة الأنشطة والقطاعات".
وتجدر الإشارة إلى أن قيمة إيرادات المقاصة خلال العام 2019 بلغت حوالي 2,422 مليون دولار أمريكي، أي حوالي 200 مليون دولار شهريا.
أداء الحكومة في ظل الأزمات
منذ استلام الحكومة في نهاية شهر آذار 2019، واجهت الحكومة العديد من التحديات والأزمات، والتي كان أبرزها حجز أموال المقاصة على فترتين متقاربتين، وانخفاض المساعدات الخارجية، وقطع المساعدات الأمريكية الموجهة للأونروا، والوضع السياسي المتعلق بالضم وتداعياته، وأخيراً جائحة فيروس كورونا، وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي المتعلقة بالقدس والمقدسات، والانقسام والحصار المفروض على قطاع غزة.
وحول ذلك، قالت عوض إن مقابل كل تلك الأزمات والعقبات، إلا أن الاقتصاد الفلسطيني شهد بداية تعافٍ في الربع الثالث والرابع من عام 2019 من تداعيات أزمة المقاصة، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من عام 2019 بنسبة 1% مقارنة بالربع السابق، واستمر بالارتفاع خلال الربع الرابع بنسبة 2.6%، وهذا أدى الى استقرار في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2019 ليصل إلى حوالي 1%.
وتابعت: " التوقعات كانت تشير إلى تراجع بنسبة 2.2%، لكن اعتماد الحكومة لخطة التنمية بالعناقيد، والتي تعتمد في الأساس على الانفكاك التدريجي عن الاحتلال الإسرائيلي، من خلال التجارة الخارجية وتطوير المنتج المحلي وتنمية القاعدة الإنتاجية، أدى لقلب التوقعات".
وخلال العام 2020 بدأ تأثير جائحة فيروس كورونا على العالم، ولم يسلم الاقتصاد الفلسطيني، بل وأضيف إلى ذلك أزمة المقاصة والتي كان محورها الأساس قرار الضم، وما رافقه من إجراءات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته.
ما الحل؟
قالت عوض إن على الحكومة الاستمرار في استراتيجيتها نحو تطبيق تدريجي لسياسة الانفكاك الاقتصادي والتجاري عن الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتطلب ذلك دعم المنتج الوطني وسياسة الإعفاء الجمركي لمستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، وإعفاء المنتجات من أي ضرائب أخرى، حتى تكون قادرة على منافسة السلع الشبيهة، وهذا بحاجة إلى وضع خطة طويلة المدى ترتكز على تشجيع المنتج المحلي وتعزيز استهلاكه بالدرجة الأولى، أيضاً سياسة إحلال الواردات، ويأتي ذلك من خلال تقديم رزمة كاملة متكاملة لتشجيع الاستثمار.
وأضافت: "يجب أن يتم الإعفاء الضريبي الكامل للمنتجات الواعدة، وتوفير بنية تحتية، ودعم استخدام الطاقة النظيفة والتي تؤدي الى تخفيض تكاليف العملية الإنتاجية، وبالتالي انخفاض سعر المنتج، وتقليل إجراءات التصدير، ومراقبة جودة المنتجات من قبل الحكومة حتى تكون قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية".
كل هذه الإجراءات إذا ما تم ضبطها والسيطرة عليها ستؤدي إلى زيادة عجلة الإنتاج، وبالتالي زيادة تشغيل الايدي العاملة وتقليل معدلات البطالة وتقليل نسبة الفقر، وزيادة التصدير، وزيادة الإيرادات الحكومية وبالتالي تقليل عجز الحكومة وتقليل الاعتماد على المساعدات السياسية.
وأشارت عوض على دعم القطاعات الإنتاجية كقطاع الزراعة والصناعة وتطوير القطاعات الواعدة كتكنولوجيا المعلومات والسياحة حيث أن تلك القطاعات هي القطاعات المولدة للعمالة، بالإضافة لدعم ومساندة المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، والتي تشكل الغالبية العظمى من المنشآت الاقتصادية.
كما أن تكامل جميع القطاعات من قطاع خاص وعام ومؤسسات مجتمع مدني وأهلي بما يعزز الدور التكاملي في مواجهة الأزمات، سيؤدي للنهوض مجدداً في تنمية المجتمع والاقتصاد، حسب عوض.