- اشرف صالح
لا زالت الفصائل الفلسطينية تتجول في عواصم بعض الدول منذ شهر ونصب تقريباً , وبات وكأن المكان والجغرافيا لهما تأثيراً على نجاح الحوارات , ورغم أن الحوارات فلسطينية فلسطينية إلا أن الفصائل تصر على التنقل بين العواصم ! وللأسف أصبح ملف الإنتخابات هو الملف الأول والأهم بحسب هذه الجولات , ولا زال قيد الدراسة وكأنه أصبح المشكلة الرئيسية بين الفصائل , ورغم أن الإنتخابات هي إستحقاق ديمقراطي ودستوري يمتلكه الشعب وحدة ولا يحتاج الى موافقة الفصائل ومباركة بعض الدول , إلا أنه تحول وكأنه إنجاز وطني قدمته الفصائل للشعب , ومع ذلك أيضاً فلم يتحقق لحتى الآن أي تقدم ملموس على أرض الواقع , فلا زال الحديث عن الإنتخابات والذي جاء متأخراً عشر سنوات في الإطار النظري , والأخطر من ذلك هو أن الفصائل تتحدث عن الإنتخابات بكل أريحية وكأن الإحتلال وافق على إجاؤها في القدس , والأهم من ذلك أنه لو إفترضنا أن الإحتلال وافق على إجراؤها في القدس , وتم إصدار المرسوم الرئاسي بموعد الإنتخابات , فكيف سيتم إجراؤها في ظل إنفصال غزة عن الضفة كلياً , ألا تحتاج الإنتخابات الى إشراف أمني وقضائي موحد ؟ ألا تحتاج الإنتخابات الى حرية التنقل والتجهيز والدعاية للأحزاب السياسية المشاركة فيها ؟ كيف ستعمل حماس في الضفة بحرية في ظل إنقسام لا زال قائماً ؟ وكيف ستعمل فتح في غزة بحرية في ظل إنقسام لا زال قائماً ؟ وكيف سيسلمان بنتائج الإنتخابات في ظل إنقسام لا زال قائماً ؟ .
إن الخطأ القاتل في جولات العواصم هو تهميش مبدأ الأولويات في العمل السياسي , والتوجه نحو تعويم الأمور وزج القضية الفلسطينية في خلافات إقليمية نحن كفلسطينيين في غنى عنها , فمثلاً مصر إعتبرت أن زيارة الفصائل لتركيا هي تهميشاً لجهودها لسنوات طويلة , وكذلك فكل دولة أيضاً تعتبر أن زيارة الفصائل لدولة ثانية لها دلالات وتداعيات قد لا يفهمها ساستنا ولكنها مهمة في حسابات الدول والأقاليم , وفي آخر المطاف سندفع نحن الفلسطينيين ثمن الخلافات بين هذه الدول , وزد على ذلك أن إصرار الفصائل على أن تكون حوارات المصالحة في العواصم العربية , ستكون دليل قاطع وخطير على أن الفلسطيني لا يتقبل الفلسطيني ولا يحاور الفلسطيني على أرض فلسطين , ولا يستطيع فعل أو إنجاز أي شيئ إلا برعاية طرف ثالث , وهذا بالطبع سينزع الثقة العربية والإقليمية بالأداء السياسي الفلسطيني , وسيقلل من العقلية الفلسطينية في نظر الدول العربية والإقليمية .
إن المصالحة فعلياً تعني إنهاء الإنقسام , وإنهاء الإنقسام فعلياً يعني توحيد المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية والقضائية بين الضفة وغزة , وهذا يتطلب تشكيل لجان متخصصة من كل الأطراف المعنية , وليس جولات في العواصم تهدر الوقت وتزيد المشاكل , ومهمة هذه اللجان هي دمج وترتيب وصياغة جميع مؤسسات الدولة على أساس المهنية , وكل موظف في الدولة يحمل مسمى موظف دولة متجرداً من إنتمائه الحزبي أثناء تأدية واجبه وعمله , وبهذه الطريقة سيكون الموظف جاهزاً أن يعمل تحت إمرت الحكومة والرئيس المنبثقين عن إنتخابات , وحتى في ظل عدم وجود إنتخابات فمن الطبيعي أن يكون حكومة وحدة وطنية شاملة تعبر عن كل الشعب الفلسطيني سواء مستقلين أو أحزاب , وهذه الحكومة في طيبعة الحال ستكون بديلاً عادلاً ومرضياً للشعب في حال وصل الأمر الى عدم إجراء إنتخابات بسبب رفض الإحتلال لها .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت