- معتصم حمادة
■ حفلت خطابات التدليس السياسي، في احتفالات التطبيع والشراكة بين دولتي الإمارات والبحرين، وبين دولة الإحتلال، بعبارات حرص الأطراف المتحالفة جديداً على صناعة السلام في المنطقة.
إسرائيل، التي تحتل أرضاً عربية، في فلسطين، ولبنان، وسوريا، أسهمت في الحديث عن السلام، وأفسحت احتفالات التدليس، لخطبائها، من سياسيين وأمنيين لتقديم دولتهم، المغمسة أيديها بدماء عشرات آلاف العرب، من شهداء وجرحى، وملايين المشردين والمهجرين، كونها ضحية للإرهاب، معتدى عليها، يتهددها الخطر الفلسطيني، ومن خلفه الإرهاب الإيراني، ما يبرر لها ارتكاب المزيد من الجرائم، وسلب المزيد من الأرض، تارة في إطار الدفاع عن الذات وطوراً في إطار بناء «حدود آمنة» اعترف لها بها قرار الأمم المتحدة رقم 242. وكأن ما جاء في القرار المذكور لم يكن يشير سوى إلى حق إسرائيل وحدها في «حدود آمنة» ولو على حساب أمن الدول العربية المجاورة.
الدولتان العربيتان، اللتان دخلتا مؤخراً جنة التطبيع والشراكة تحت الرعاية الأميركية المباركة، لم تجدا سوى القضية الفلسطينية ذريعة لتبرير خطواتهما. وبذلك انقلبت المعايير والمعادلات والمفاهيم، فصار الانفتاح الاقتصادي على إسرائيل، والتعاون الأمني معها، وعقد معاهدات في جميع مناحي التعاون المشترك، كله في خدمة القضية الفلسطينية وعملية السلام، بما في ذلك امتناع هاتين الدولتين عن التزاماتهما المالية نحو الشعب الفلسطيني، كما أقرتها مؤتمرات القمة العربية. وصار بناء مشاريع السياحة الإسرائيلية في القدس المحتلة بأموال خليجية، واقتحام الأقصى ومسجد الصخرة بحماية جنود الإحتلال، وجنباً إلى جنب مع قطعان المستوطنين، خدمة للقضية الفلسطينية. وانزاحت الأمور شيئاً فشيئاً لينتقل خطاب «السلام» الخليجي من الإشادة بدور إسرائيل في صناعة الأمن والاستقرار في المنطقة إلى شن حملات إعلامية صاخبة ضد الفلسطينيين بكافة تلاوينهم السياسية، واتهامهم بنكران الجميل، وبتحويل قضيتهم إلى مادة تجارية لطلب المال والمساعدات من العرب، وصولاً إلى اتهامهم برفض كل مشاريع السلام التي عرضت عليهم، وإهدار الفرص التي أتيحت لهم، ووصفهم بأنهم فاشلون، لا لشيء، سوى لأنهم رفضوا مشاريع التسوية والحلول الأميركية – الإسرائيلية وآخرها صفقة ترامب – نتنياهو، والتي في إطار مسارها الإقليمي اندفعت الإمارات العربية والبحرين (وغيرها لاحقاً) لتطبيع العلاقة وإقامة الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية مع دول الإحتلال. مع الادعاء أن مثل هذه الشراكات من شأنها أن توفر الفرص للدول العربية لأن «تضغط» على إسرائيل للسير في مشاريع السلام، في الوقت الذي يتحول هذا «الضغط» في حقيقته إلى حصار عربي للقضية الفلسطينية وشعبها، من مجلس جامعة الدول العربية، إلى الإطار الأوسع في المجالات المختلفة، خاصة في الإطار الإعلامي، حيث باتت الصحف الخليجية والعديد من الأقلام العربية تجد في التشنيع على الفلسطينيين، فرصة لتدبيح المقالات والتعليقات والأعمدة الصحفية، مقابل احتضان لـ «فلسطين»، كما باتت تقرأ من قبل أصحاب موجة التطبيع والشراكة الجديدة.
■ ■ ■
كثيرون سبقونا إلى السؤال عن معنى «السلام» بين إسرائيل والدول العربية المقبلة على التطبيع، خاصة وأنها لم تدخل حرباً مع إسرائيل في أي من المرات، وليست دولة مجاورة لها، وليست لها أرض محتلة، أو قضايا مشتركة عالقة تحتاج إلى حلول «سلمية» وتطبيع في العلاقات.
وبات معلوماً للجميع أن خطوات التطبيع ولدت في واشنطن، في أحضان الإدارة الأميركية حيث ولد الشق السياسي لصفقة القرن، وقبله ولد الشق الاقتصادي للصفقة في عاصمة البحرين المنامة. وبحيث لا يحتاج المرء لأن يكون عبقرياً، وخبيراً في السياسة ليدرك جيداً أن ما جرى لم يكن إلا تطبيقاً لصفقة القرن، في شقها الإقليمي، بعد أن تبين صعوبة تطبيقها في شقها الفلسطيني، بفعل معارضة الفلسطينيين وتصديهم لها، ووقوف معظم دول العالم، في أوروبا والصين، وروسيا، وغيرها من الدول والعواصم الفاعلة، ضد المشروع الأميركي، لانتهاكه قرارات الشرعية والقوانين الدولية. أما «تطبيع العلاقات» بين إسرائيل والدول العربية فلن يجد معارضة دولية، حتى أن موسكو وجدت نفسها مضطرة للترحيب بخطوات التطبيع، مشترطة ألا تؤدي إلى الإجحاف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، لإدراك موسكو، رغم ترحيبها، أن التطبيع، قبل الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية، وأياً كانت الادعاءات التي ستقف خلفه، فهو تدعيم للموقف الإسرائيلي وإضعاف للموقف الفلسطيني، وللشرعية الدولية.
■ ■ ■
الإفاضة في الحديث عن السلام في أبو ظبي وفي المنامة، يدفعنا للتساؤل التالي: مادامت هاتان الدولتان حريصتين على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، فلماذا لا تتجهان لصناعة السلام مع العاصمة الإيرانية طهران، كما عملتا على صنعه مع دولة الإحتلال إسرائيل.
إيران دولة جارة، وبينها وبين هاتين الدولتين العربيتين العديد من مسارات العلاقات المتنوعة؛ حتى أن التقارير تتحدث عن نشاط حوالي 300 شركة إيرانية مرخص لها العمل في دولة الإمارات العربية. فضلاً عن أن أمن الخليج واستقراره مصلحة مشتركة لدوله كلها بما فيها إيران وهو أمر من شأنه أن يبعده عن التوتر، وأن ينفي «الضرورة» المفتعلة لوجود أساطيل الغرب فيه بذريعة حماية المصالح النفطية.
أما في مجالات التعاون فلدى إيران معظم الخيرات، إن لم تكن كلها، التي تطمع الإمارات والبحرين في الوصول إليها عبر التعاون مع إسرائيل. فإيران دولة كبرى، ذات اقتصاد قوي، صمد حتى في أقسى أشكال الحصار الأميركي، وذات جيش قوي يستطيع أن يلعب دوراً مهماً في ضمان أمن الخليج والمنطقة، فضلاً عن كونها دولة مسلمة، بينها وبين دول الخليج أرضية واسعة من التعاون، ولا داعي للذهاب بعيداً نحو «ابراهام» للوصول إلى توافقات وخطوات سلام مشترك.
إلى ذلك سيشكل التعاون الخليجي الإيراني دعماً عملياً، ومعنوياً، للقضية الفلسطينية، بدلاً من أن يكون على حسابها.
قد يقول قائل: هناك قضية الجزر الثلاث التي تحتلها إيران منذ عهد الشاه، وهي التي تعيق الوصول إلى السلام. ونعتقد أن الرد جاهز: هناك فلسطين كلها تحتلها إسرائيل، وهناك الجولان، وهناك مزارع شبعا، وتلال كفر شوبا، وهناك القدس، والأقصى، ومسجد الصخرة، والحرم الإبراهيمي، وغيرها، فكيف يستقيم «السلام» مع دولة تحتل كل هذا، وكيف تكون العلاقة مع إسرائيل، رغم احتلالها كل هذا، خدمة للسلام، ودعماً للسلام، ولا يكون الأمر مماثلاً مع إيران.
واضح أن الطرق كلها تقودنا إلى واشنطن. وإلى مشروعها لإقامة حلف إقليمي أميركي إسرائيلي عربي، يعيد صياغة المفاهيم والقيم والمعادلات. يلخص التالي: إسرائيل لم تعد عدواً. إيران هي العدو. أما الفلسطينيون فليذهبوا إلى الجحيم ما داموا يعاندون ويرفضون دخول جنة السلام الأميركي. ■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت