رحلت دينا الحايك ولا تزال ضحكاتها تترد في منزلها منذ أن غادرته دون سابق انذار وهي في الثامنة عشر من عمرها بعد وضع جنينها بعملية قيصرية تحتم قيامها بها، نظراً لقيامها بالعملية ذاتها في ولادتها الأولى. لم تكن تعلم دينا أنها لن تعود لمنزلها وأن مولودها وأخته سيعيشون أيتاماً بلا أم بسبب اهمال طبي.
يسرد الاستاذ منذر الحايك والد الفتاة دينا الحايك حكايته بالقول «توجهت والدة دينا واخت زوجها لمستوصف اصدقاء المريض لإجراء عملية الولادة القيصرية حسب المتابعة مع الدكتور ابراهيم البساينة، دون توقعها انها ستضع مولودها الذي سيكون سنداً لطفلتها الاولى وتفارق الحياة، ولم نكن نعلم ان لحظات الفرحة بالجنين ستنقلب لحزن يُخيم على حياتنا بفقدان أمه».
«تركوها للموت»
بحزن عميق.. يكمل الحايك حكايته بالقول «بدأت تلك المأساة عندما شعرت والدة دينا التغيرات التي تظهر واحدة تلو الأخرى بعد الولادة اهمها النزيف الذي استمر معها لست ساعات، مهرولة عدة مرات للممرضة كي تتواصل مع الدكتور لكن محاولاتها باءت بالفشل، وذلك بحجة انتهاء دوامه وأن وضعها والمضاعفات التي شعرت بها المريضة طبيعية».
يتابع والد الفتاة بحسرة إن «الطبيب الذي تابع دينا بعد الدكتور ابراهيم البساينة، قام بنقلها إلى مستشفى الشفاء، لنكتشف بعد ذلك أنه كان أحد شرايين دينا مقطوعًا سببّ ذلك النزيف، ووصول دمها الى وحدتي دم وتم تركيب 102 وحدة دم، وأن التنفس كان يتراوح ما بين 35 و45 و65، ليتطلب اجراء عمليتين اضافيتين لها في نفس الوقت، لتصل إلى مرحلة الفشل الكلوي ثم الموت السريري، وتوقف كافة أعضائها الداخلية بعد مكوثها أكثر من ستة أيام داخل العناية المركزة ثم فقدانها حياتها».
لا ينكر الحايك أن «الأخطاء الطبية واردة خلال العمل، وأن التسامح واجب في بعض الحالات، لكن الأمر الذي لا يمكن مسامحته هو الإهمال وتركها لـست ساعات تواجه الموت وحدها دون تدخل من الأطباء ومتابعتها للكشف عن أية تغيرات بحالتها رغم تنبيه الطاقم العامل عدة مرات وهذا يعد استهتاراً بحياة الفتاة».
ويعبر والدها عن أمله الكبير بعد فقدان إحدى فلذات أكباده وهي أبنته، بأن يأخذ القانون مجراه بالتحقيقات التي أحيلت إلى النيابة العامة، وهو على ثقة كاملة بعدالة القانون، حتى لا يتذوق احداً النار التي اشتعلت في قلوب أهلها وذويها، لا سيما قلب طفلتها التي تنتظر والدتها حتى الآن، كي تعود مع شقيقها الرضيع، لكنها وأخاها أصبحوا أيتاماً بسبب اهمالٍ متعمد.
تشكيل لجنة تحقيق
من جهته، أوضح المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية بقطاع غزة الدكتور أشرف القدرة، أن وزارته شكلت لجنة تحقيق للبحث في أسباب وفاة المواطنة الحايك في إحدى المشافي الخاصة، ليأخذ القانون مجراه بعد أن تظهر النتائج، وأن الوزارة ستلتزم بالنتائج التي تصدر من النيابة العامة بعد انتهاء التحقيقات اللازمة.
وتابع مستوصف أصدقاء المريض إدارة القضية بتشكيل لجنة تحقيق فورية برئاسة استشاري نساء وولادة مشهود له بالكفاءة وهو من خارج الجمعية للوقوف على حيثيات ما حدث للفتاة، والتواصل مع كافة الجهات المسؤولة والمختصة بخصوص الحالة من قبل إدارة المشفى.
وأعلنت إدارة المستوصف عن إيقاف الطبيب عن العمل لحين انتهاء التحقيق ومعرفة النتائج وتوصيات الجهات المسؤولة، وفي حال ثبتت إدانة الطبيب، يحق للجهات القانونية أن تتخذ الاجراءات اللازمة بحقه.
من جهته، أكد الباحث الحقوقي في مركز الميزان الأستاذ سمير المناعمة، أن «القانون الفلسطيني جاء ليحمي المصالح الاجتماعية، لا سيما الحق في الصحة والعلاج، على اعتبار أنهما من بين أهم المصالح التي يجب توفير حماية خاصة لها»، مضيفاً أن «قضايا الإهمال الطبي، وأي ضرر عضوي يقع في جسم الانسان، يُشكل تهديداً جدياً على الحق في الحياة».
وأضاف المناعمة أن «القانون الفلسطيني يفتقر الى قانون خاص وعصري، يُنظم موضوع الأخطاء الطبية، مما يدفع النيابة العامة للجوء للقواعد العامة للقانون والتشريعات العقابية الأخرى غير المتخصصة بمسألة الأخطاء الطبية».
«الجهة المناط بها فتح تحقيق بحادثة وفاة المواطنة الحايك هي النيابة العامة فقط، ويتبعه توقيف المشتبه لمخالفته القانون»، على حد قول المناعمة. ونوه الباحث الحقوقي إلى أن مسألة ضبط الأخطاء الطبية نسبي يحتمل وقوعها بين الحين والآخر، ولكن هذا لا يعد مبرراً للإهمال أو عدم الاحتراز، كما أن الجهات القضائية اتخذت في وقائع سابقة إجراءات قانونية بحق المتهمين بفعل الإهمال والأخطاء الطبية.
دون إحصائيات رسمية
لا توجد إحصائية رسمية دقيقة عن الأخطاء الطبية لدى وزارة الصحة الفلسطينية أو المؤسسات الصحية الأهلية، فيما وصل الهيئة المستقلة لحقوق الانسان 4 شكاوى منذ بداية عام 2020 حول «الاهمال الطبي»، وفي العام 2019 تم وصول 5 شكاوى، لكن هذه الأرقام لا تمثل احصائية محددة لنسبة «الاهمال الطبي» في قطاع غزة.
ولكن يبقى السؤال، «إلى متى سيستمر الإهمال الطبي بحصد أرواح المواطنين في قطاع غزة دون رادع قانوني يضمن حق الضحية، أم سيبقى الحال على حاله في انتظار ضحية جديدة يطالب ذويها بمحاسبة قاتلها»؟! .حسب تقرير لموقع «الاتجاه الديمقراطي»