- د. سمير أبو مدللة
- عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر في غزة
يتعرض الاقتصاد الفلسطيني لضربات وانتكاسات عديدة يحظى قطاع غزة بالحصة الأكبر منها، حيث منذ أن فرضت إسرائيل على قطاع غزة الحصار الشامل والممنهج في العام 2007 أي قرابة 13 عاماً أصبح القطاع يفتقر إلى كافة مقومات الحياة بمختلف مناحيها، بسبب عزل القطاع بأكمله عن العالم الخارجي، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي ومباشر على معظم مؤشراته الاقتصادية والإجتماعية، لاسيما في ضوء تطبيق هذه الإجراءات وتأثيراتها على الأوضاع المعيشية والإنسانية والاقتصادية. حيث جرى تطبيق اجراءات الخصم على رواتب الموظفين الحكوميين في قطاع غزة، واحالة الآلاف منهم إلى التقاعد الاجباري، والتي تواصلت في العام 2020 وزادت نسبة الخصم حتى أصبح معظم الموظفين يحصلون على أقل من 50% من رواتبهم، والأخطر من ذلك أن متوسط الرواتب في القطاع الخاص في غزة لم يتخطى 800 شيكل، أي أنه لم يصل إلى الحد الأدنى، وبهذا المتوسط المتدني لا تزال نسب البطالة في أعلى مستوياتها في ظل العرض المرتفع من الأيدي العاملة وغياب فرص التشغيل، أضف إلى ذلك جائحة كورونا التي شغلت العالم وما زالت تشغله حتى يومنا هذا، التي شلت معظم قطاعاته الاقتصادية بسبب إعلان حالة الطوارئ، كل ذلك وأكثر انعكس بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي والإنتاج، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل كبير، وسادت حالة ركود عامة أصابت مختلف القطاعات الاقتصادية.
وبالنظر إلى أهم المؤشرات الاقتصادية والإجتماعية نجد أن معدل التغير السنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في فلسطين للعام 2019 بالأسعار الثابتة لعام 2015 قد بلغ حوالي 0.9% فقط مقارنة بالعام 2018 والذي بلغ 1.2% ، ذلك لأن اقتصاد قطاع غزة يعاني من حالة ركود ناجمة عن تدهور حصيلة الناتج المحلي الإجمالي عقب تواصل انخفاض الإنفاق الحكومي بالإضافة إلى استمرار الانخفاض في معدلات الاستثمار الناتج عن الحروب واستمرار الحصار المفروض على القطاع، فضلاً عن تراجع معدلات الدعم الخارجي الموجه نحو المشاريع التطويرية وكذلك نحو الأونروا، كل ذلك وأكثر أدى إلى تراجع في معدلات الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة ليحقق انخفاضاً يجعل مستوى الناتج في أدنى مستوى له منذ ثمانية أعوام بواقع 2,767 مليون دولار. ومن ناحية أخرى كان للجانب السياسي النصيب الأكبر في التأثير على الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، حيث القرارات الأمريكية المتتابعة ضد القضية الفلسطينية وما تبعها من وقف دعم موازنة السلطة الفلسطينية وتقليص المنح التطويرية.
وكذلك، تسهم مستويات مرتفعة في نصيب الفرد من الناتج المحلي في تحسين مستوى الرفاه الاجتماعي، ولم يكن حجم التحسن الذي تحقق في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي كافياً لينعكس بشكل إيجابي على نصيب الفرد منه، فقد حقق معدل تغير سنوي منخفضاً بنسبة 1.6% في العام 2019 عن العام السابق، حيث في الضفة الغربية كان الانخفاض في النمو بنسبة 1.1% بواقع 4,803 دولار، وأيضاً قطاع غزة كان له نصيب من الانخفاض للعام الثالث على التوالي بنسبة 2.8% ليصل أدنى مستوى له على الإطلاق بواقع 1,417 دولار، الأمر الذي يعمق الفجوة بين مستويات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونذكر هنا أنه في العام 2005 أي ما قبل الحصار المتواصل على القطاع قد بلغت نسبة نصيب الفرد في قطاع غزة 90% من مثيله في الضفة في ذلك العام، لكنه أخذ بالتناقص تدريجياً ليصل أي أقل من 30% أي حوالي ثلث متوسط دخل الفرد في الضفة الغربية في العام 2019..
وقد حققت معظم مكونات الطلب الكلي الحقيقي تطورات سلبية عام 2019 ، ذلك نتيجة لاستمرار سيطرة الاحتلال على منافذ التجارة والاجراءات المرتبطة بالاستيراد والتصدير فضلا عن الكثير من العوامل التي أثرت سلباً على القدرة التنافسية للسلع الفلسطينية، وأهم التطورات السلبية كانت تراجع الاستهلاك العام بأكثر من 6% بسبب ما قام به الاحتلال الإسرائيلي في الربع الأول من العام بفرض خصومات علي أموال المقاصة، ومن جانب التجارة تمثلت هذه التطورات في تزايد العجز التجاري إلي أكثر من 36% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب استمرار الضعف في الصادرات مقابل ارتفاع في الواردات بحوالي ثلاثة أضعاف الصادرات، ذلك على الرغم من تحقيق الصادرات نمو بنسبة 1.7% إلا أنها لم تستطع مواجهة الواردات وسد الفجوة فيما بينها، والتي بدورها نمت أيضاً بنسبة 1.4% ليصبح حجمها أكثر من ثلاثة أضعاف حجم الصادرات.
ومن ناحية الاستثمار شهد تباطؤ ملحوظ في معدلات النمو حيث حقق نمو نسبته 5.7% عام 2018 مقابل 10% عام 2017، وبلغت نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 13.7% ، في حين أن الادخار قد شكل 11.6% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
على صعيد قطاع غزة شهدت غالبية مكونات الطلب الكلي تراجعاً للعام الثالث على التوالي الأمر الذي أوقع الاقتصاد الغزي في شرك الركود، إلّا أن هذا العام سجل انخفاضاً في حدة التراجع كانت نتيجته توقف الانكماش الاقتصادي حيث حافظ الاستهلاك الخاص في القطاع على معدلات نمو ثابتة بنحو 5.1%، وكذلك استمرار الانخفاض في الانفاق الحكومي بنسبة 7.2%، وعوض الاستثمار بعض الخسائر المتحققة سابقاً بتسجيل نمو نسبته 5.7%، لكن تبقى مستوياته جداً متدنية، وذلك نتيجة لخطورة البيئة الاستثمارية في القطاع، التي تعتبر غير جاذبة أو حتى محفزة للاستثمار، الأمر الذي انعكس على رأس المال الاستثماري بشكل سلبي وعمل على تراجع دخوله في أي استثمارات جديدة، وعلى الرغم من نمو الصادرات خلال الأعوام الأربع السابقة إلا أنها حققت تراجعاً بنسبة 5.6%، وتباطؤ في نمو الواردات بنسبة 2.6% إلا أن حجم التجارة لا يزال دون مستوياته قبل الحصار، علاوة على أن نمو الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات انعكست بشكل سلبي على الميزان التجاري مؤدية إلى تعزيز العجز وتفاقمه ليصل إلى أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعود إلى سيطرة اسرائيل على المعابر وكافة المعيقات التي تعرقل بها العملية التجارية من ارتفاع تكاليف النقل والشحن وغيرها.
وفي الضفة الغربية أيضاً كان هناك تراجع في أداء قطاع التجارة الخارجية حيث نمت الصادرات بواقع 2.2% مقابل 2.1% عام 2018، وتباطؤ أيضاً في نمو الواردات بنسبة 1.1% مقابل نحو 3.7% في العام السابق، مما انعكس على الميزان التجاري محققاً تضييق الفجوة فيما بينهما قليلاً.
فيما ارتفع معدل التضخم في فلسطين بنسبة 1.6% في العام 2019 مقارنة بانخفاض بمعدل 0.2%في العام 2018، حيث حقق قطاع غزة ارتفاع بنسبة 0.4% مقارنة بانخفاض نسبته 1.3% في العام السابق، وأيضاً في الضفة الغربية حقق ارتفاعاً بنسبة 1.8%.
وبلغ عدد العاملين نحو 1,103 ألف عامل مقابل 344 ألف عاطل عن العمل، منهم 63% في قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى تخفيض معدل البطالة قليلاً من 26.2% إلى 25.3% بين 2018 و 2019 في فلسطين، وتتدنى قدرة سوق العمل في القطاع على استيعاب العمالة الجديدة بفعل الحصار، مقابل مساهمة سوق العمل في إسرائيل والمستوطنات في استعياب أعداد كبيرة من العاملين في الضفة الغربية، وقد بلغت معدلات البطالة في قطاع غزة في العام 2019 حوالي 45.1%، أما في الضفة الغربية 14.6% في نفس العام، ونضيف أن ما نسبته 64% من العمال في قطاع غزة يعملون لدى القطاع الخاص مقابل 81% من العمال في الضفة الغربية يعملون في نفس القطاع، الأمر الذي يعكس اعتماد قطاع غزة على القطاع العام أكثر من الضفة مما يلقي الضوء على تضخم القطاع الحكومي في غزة ما بعد مرحلة الانقسام.
وفيما يتعلق بنسب الفقر وصلت نسبة الفقر في فلسطين خلال العام 2017 إلى 29.2% بواقع 13.9% في الضفة الغربية وحوالي 53% في قطاع غزة، وبالمقارنة مع عام 2011 تكون نسبة الفقر في فلسطين ارتفعت بنحو 13.2%، حيث انخفضت بنسبة 21.9% في الضفة الغربية، وارتفعت بنسبة 36.6% في قطاع غزة، ونضيف هنا أن حوالي 80% من سكان قطاع غزة يتلقى على الأقل شكل من أشكال المساعدات الأمر الذي ينذر بأزمة حقيقة قد تنعكس على كافة مجالات الحياة.
وشهدت كافة مصادر إيرادات الخزينة العامة تدهوراً ملحوظاً، حيث انخفضت الإيرادات العامة خلال العام 2019 حوالي 10% مقارنة بالعام السابق ووصلت إلى 12.2 مليار شيكل، وحققت ايرادات المقاصة انخفاضاً بنحو 2.8%، لتبلغ 7.9 مليار شيكل، وبالرغم من هذا التراجع في إيرادات المقاصة إلا أنها ما زالت تستطيع تغطية فاتورة الأجور والرواتب، حيث بلغت نسبة إيرادات المقاصة إلى فاتورة الأجور والرواتب نحو 131.6% خلال العام 2.19 مقارنة مع 136.1% خلال العام الماضي. وشهدت إيرادات الجباية المحلية انخفاضاً ملحوظاً خلال العام 2019 بنحو 10% مقارنة بالعام السابق، كذلك الإيرادات الضريبية انخفضن بنسبة 8.8%، أضف إلى ذلك الإيرادات غير الضريبية أيضاً قد حققت انخفاضاً نسبته 17.4% مقارنة بالعام السابق. واستمرت المنح والمساعدات الخارجية بالانخفاض للعام السادس على التوالي لتبلغ 1.7 مليار شيكل متراجعة بنحو 27.6% مقارنة بالعام السابق.
وعلى الصعيد الآخر، شهد الإنفاق العام انخفاضاً نسبته 2.9%، وهو ما يرجع إلى انخفاض نفقات غير الأجور نتيجة لاتباع الحكومة سياسة تقنين الإنفاق بسبب أزمة المقاصة وانخفاض الموارد المالية المتاحة، ويمثل الانفاق الجاري حوالي 94.8% من إجمالي الإنفاق العام (43.5% أجور ورواتب، 41.2% إنفاق على غير الأجور، 8.3% صافي الإقراض، 1.9% مدفوعات مخصصة) في مقابل 5.2% للإنفاق التطويري خلال العام 2019.
وأظهرت النتائج أنه في نهاية العام 2019 ارتفع الدين العام بنحو 18% مقارنة بالعام السابق وقد بلغ ما يعادل 2.8 مليار دولار أي نحو 9.7 مليار شيكل، وقد بلغت نسبته 16.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وتسببت أزمة إيرادات المقاصة بهذا الارتفاع مما دفع الحكومة للاقتراض من أجل الوفاء بالالتزامات المترتبة عليها، بينما بلغت المتأخرات على الحكومة الفلسطينية ما يعادل 1.7 مليار شيكل وبما مجموعه 14.5 مليار شيكل، وقد بلغت نسبته 22.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يؤكد على أن هناك أزمة اقتصادية وأزمة مالية حقيقية، ودخول الاقتصاد في أزمة خسائر سنوية متفاقمة لعجز الموازنة وأزمة مديونية محلية تتراكم فوائدها الأمر الذي أدى إلى تفاقم العجز في الموازنة العامة للسلطة.
وقد شهد العام 2019 تسارعاً في معدل نمو السيولة المحلية حيث ارتفعت بنسبة 10% مقارنة مع 3.8% في العام السابق، وقد أظهر تحليل البيانات المالية الخاصة بالقطاع المصرفي ارتفاع اجمالي الموجودات بنسبة 11.2% مقارنة مع 1.7% في العام 2018، واستحوذت المحفظة الائتمانية خلال العام 2019 على 50.4% من إجمالي موجودات الجهاز المصرفي مقارنة مع 52.3% في العام السابق الذي تزايدت فيه حصة الضفة الغربية إلى 88.7% من إجمالي المحفظة الائتمانية وتراجعت حصة قطاع غزة إلى 11.3% ، وعليه تراجع حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة لقطاع غزة بنسبة 4.6% عما كانت عليه في 2018 لتنخفض إلى 905.3 مليون دولار في نهاية العام 2019، وقد اتسم العام 2019 بقلة السيولة النقدية انطلاقاً من انخفاض الرواتب والتحويلات الخارجية، فضلاً عن عدم قدرة القطاع الخاص على تحقيق الاستقرار من الإيرادات.
وبالإضافة إلى ذلك ارتفع عدد الشيكات المرجعة التي تجاوزت قيمتها المليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ عدد الشيكات المعادة في قطاع غزة في العام 2019 حوالي 20585 شيك بنسبة 11.1% من عدد الشيكات التي قدمت للتقاص في مقاصة غزة، كما بلغت قيمة الشيكات المعادة في غزة حوالي 63.9 مليون دولار بنسبة 9.4% من اجمالي قيمة الشيكات المقدمة للتقاص في غرفة مقاصة غزة، وبالمقارنة مع العام 2018 نلاحظ وجود انخفاض في النسب حيث بلغت نسبة الشيكات المعادة في 2018 من حيث العدد 14.9% أما من حيث القيمة فبلغت النسبة 9.6% ، ذلك مع ملاحظة وجود انخفاض أصلا في حجم نشاط المقاصة في العام 2019 مقارنة بالعام السابق ولعل ذلك يعزى إلى أمرين الأول انخفاض حجم النشاط التجاري بسبب الأوضاع الاقتصادية، والثاني تراجع استخدام وقبول الشيكات في العمل التجاري بسبب مخاوف الارجاع والاعتماد على الدفع النقدي.
في المقابل بلغ عدد الشيكات المعادة في الضفة الغربية أيضاً عام 2019 حوالي 810308 شيك بنسبة 12.8% من عدد الشيكات التي قدمت للتقاص في مقاصة رام الله، كما بلغت قيمة الشيكات المعادة في الضفة 1201.7 مليون دولار بنسبة 10% من اجمالي قيمة الشيكات المقدمة للتقاص في غرفة مقاصة رام الله، وبالمقارنة مع العام 2018 نلاحظ وجود ارتفاع في النسب حيث بلغت نسبة الشيكات المعادة في 2018 من حيث العدد 11.8% أما من حيث القيمة فبلغت النسبة 8.8% مع ملاحظة وجود ارتفاع في حجم نشاط المقاصة في العام 2019 مقارنة بالعام السابق.
وبناءً على ما سبق فقد قامت سلطة النقد الفلسطينية بوضع اجراءات وسياسات مشددة من أجل خفض ظاهرة الشيكات المرجعة.
وفيما يتعلق بجائحة كورونا التي تختلف فيها فلسطين عن غيرها من الدول بسبب الاحتلال والظروف السياسية والعوائق الاقتصادية المختلفة وعدم تمكنها من الاقتراض دولياً لتمويل استجابتها الاقتصادية للأزمة بسبب عدم توفر الأدوات السياساتية السيادية التي مكنت العديد من الدول من القيام بالاقتراض، فقد خسر حوالي 70-80% من العمال الفلسطينيين في إسرائيل كامل عوائدهم أو جزء كبير منه خلال شهري آذار ونيسان، مما يزيد من معدلات الفقر والبطالة، وتقدر إجمالي الخسائر في عوائد العمال خلال هذين الشهرين ما بين 190 – 210 مليون دولار. ويتوقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تحقيق تراجعاً في النمو الاقتصادي في فلسطين بنسبة 14% خلال العام 2020 مقارنة مع العام 2019، ذلك بسبب الانخفاض في إجمالي الاستهلاك الخاص والعام بقرابة 1.3 مليار دولار، وكذلك انخفاض الاستثمار بحوالي 2.1 مليار دولار، وهو ما يعكس انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.5 مليار دولار.
وتكبد قطاع غزة تحديداً حسب تقديرات الغرفة التجارية خسائر مباشرة وغير مباشرة تجاوزت 27 مليون دولار خلال شهر بسبب الإغلاق. حيث حقق تراجعاً بنسبة 90% في الطاقة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية المختلفة نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وتركز مشترياتهم على المواد الضرورية، وتوقف عن الإنتاج أكثر من 200 مصنع ومنشأة تجارية وصناعية، الأمر الذي أدى إلى تسريح عدد كبير من العمال، وفقد أكثر من 54 ألف عامل لوظائفهم وتوقفهم عن العمل قسرياً، وهو ما انعكس بشكل سلبي على مصدر رزقهم الوحيد ومستواهم المعيشي، ونضيف أن عدد العائلات التي تعتمد على المساعدات الغذائية المحلية والدولية قد ارتفع وأصبحت نسبتها حوالي 74% من سكان قطاع غزة، هذا وبالإضافة إلى ما سبق أصبح متوسط الدخل اليومي للفرد لا يتجاوز 5$، والناتج الداخلي الصافي تراجع ما نسبته 40%، فضلاَ عن أن حوالي 73% من العائلات في قطاع غزة أصبحت تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
أبرز النتائج:
- يلعب الحصار المشدد على غزة وكذلك العدوان المتواصل، الذي يستهدف منشآت صناعية وزراعية وخدماتية دورا في تردي الأوضاع في القطاع، غير أن السلطة القائمة في غزة لا تملك بدورها رؤية للتنمية تخرج عن نطاق السياسة العامة، التي تسير عليها السلطة الفلسطينية بشكل عام.
- تراجع في معدلات الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة ليحقق انخفاضاً يجعل مستوى الناتج في أدنى مستوى له منذ ثمانية أعوام بواقع 2,767 مليون دولار.
- انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.5% ليصل أدنى مستوى له على الإطلاق بواقع 1,431.4 دولار، وهو ما يشكل حوالي ثلث متوسط دخل الفرد في الضفة الغربية.
- شهدت غالبية مكونات الطلب الكلي تراجعاً للعام الثالث على التوالي الأمر الذي أوقع الاقتصاد الغزي في شرك الركود، حيث استمرار الانخفاض في الانفاق الحكومي بنسبة 7.2% في حين أن الاستثمار قد حقق ارتفاعا نسبته 5.7%!.
- استمرار التباطؤ في نمو معدلات الاستثمار للعام 2019 نتيجة لخطورة البيئة الاستثمارية في القطاع، التي تعتبر غير جاذبة أو حتى محفزة للاستثمار، الأمر الذي انعكس على رأس المال الاستثماري بشكل سلبي وعمل على تراجع دخوله في أي استثمارات جديدة.
- لا يزال حجم التجارة الخارجية دون مستوياته قبل الحصار، علاوة على أن نمو الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات انعكست بشكل سلبي على الميزان التجاري مؤدية إلى تعزيز العجز وتفاقمه ليصل إلى أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعود إلى سيطرة اسرائيل على المعابر وكافة المعيقات التي تعرقل بها العملية التجارية من ارتفاع تكاليف النقل والشحن وغيرها.
- بلغت معدلات البطالة في قطاع غزة في العام 2019 حوالي 45.1% مقابل 14.6% في الضفة الغربية.
- يعمل حوالي 64% من العمال في قطاع غزة لدى القطاع الخاص مقابل 81% من العمال في الضفة الغربية يعملون في نفس القطاع، الأمر الذي يعكس اعتماد قطاع غزة على القطاع العام أكثر من الضفة مما يلقي الضوء على تضخم القطاع الحكومي في غزة ما بعد مرحلة الانقسام.
- ارتفعت نسبة الفقر في قطاع غزة حوالي 36.6% مقارنة مع عام 2011.
- يتلقى حوالي 80% من سكان قطاع غزة على الأقل شكل من أشكال المساعدات الأمر الذي ينذر بأزمة حقيقة قد تنعكس على كافة مجالات الحياة.
- بلغ الدين العام على السلطة الفلسطينية في نهاية العام 2019 ما يعادل 9.7 مليار شيكل، بينما بلغت المتأخرات على الحكومة الفلسطينية ما يعادل 1.7 مليار شيكل وبما مجموعه 14.5 مليار شيكل، وهو ما يؤكد على أن هناك أزمة اقتصادية وأزمة مالية حقيقية، ودخول الاقتصاد في أزمة خسائر سنوية متفاقمة.
- ارتفاع عدد الشيكات المرجعة التي تجاوزت قيمتها المليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة.
- بلغ عدد الشيكات المعادة في قطاع غزة في العام 2019 حوالي 20585 بنسبة 11.1% من عدد الشيكات التي قدمت للتقاص في مقاصة غزة، كما بلغت قيمة الشيكات المعادة في غزة حوالي 63.9 مليون دولار.
- تكبد قطاع غزة حسب تقديرات الغرفة التجارية خسائر مباشرة وغير مباشرة تجاوزت 27 مليون دولار خلال شهر بسبب الإغلاق.
أهم التوصيات:
- ضرورة اتباع نهج متوازن في معالجة الأوضاع في غزة، يجمع بين التدابير الفورية لمواجهة الأزمة، وخطوات لإيجاد بيئة مواتية للتنمية المستدامة، مثل ضمان استمرار الخدمات الأساسية كالطاقة، والمياه، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتي لها أهمية بالغة لمصادر كسب الرزق للسكان، وللاقتصاد كي يعمل ويؤدي وظائفه.
- الحاجة إلى زيادة القوة الشرائية للأسر لتمكينها من العودة إلى النشاط الاقتصادي الأساسي، وتعزيز مصادر كسب الرزق التقليدية عن طريق توسيع منطقة صيد الأسماك بعد حد الأميال الثلاثة الذي ننطوي على قيود شديدة، وصولا إلى منطقة عشرين ميلا التي اتفق عليها في تسعينيات القرن الماضي.
- يمكن للحكومة الإسرائيلية دعم بيئة مواتية للنمو الاقتصادي عن طريق رفع القيود على التجارة، والسماح بحركة السلع والناس والتي بدونها لن يتحسن الوضع الاقتصادي في غزة أبداً.
- ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تشرع في انتهاج السياسات وتنفيذ المشروعات اللازمة للتنمية الاقتصادية المستدامة، ومن ذلك دعم التجارة في الخدمات الرقمية التي يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في الفترة الانتقالية، وضرورة تحقيق انتعاش اقتصادي قادر على الاستمرار.
- أن تحكم المؤسسات الشرعية غزة على نحو يتسم بالشفافية والكفاءة، وأن تُنفِّذ إصلاحات لتهيئة بيئة إيجابية للأعمال.
- الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لفك وإزالة الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وإنهاء الانقسام وكافة مظاهره ومضامينه.
- الإسراع في الإصلاح وإعادة الإعمار لقطاع غزة لما لذلك من أهمية في تحفيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل مولدة للدخل.
- ضرورة العمل على تحسين البيئة الاستثمارية وخلق المناخ الاستثماري المشجع لجذب مختلف الاستثمارات.
- تقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية والتخلص تدريجياً من التبعية والارتهان للاقتصاد الإسرائيلي.
- تنمية القطاع الخاص وتفعيل دوره التنموي من خلال القوانين وتسهيل الإجراءات الإدارية وغيرها.
- ضرورة وجود حكومة موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة ذات صلاحيات كاملة من أجل إقامة شراكات ثنائية ومتعددة مع المانحين لإعادة الإعمار ورفع الحصار وإعادة تأهيل البنى التحتية الخاصة بقطاع غزة.
- بذل جهود إقليمية جادة لتحديث الإجراءات على المعابر الحدودية وتوحيد الجوانب القانونية والفنية للرسوم الجمركية من أجل خلق نظام نقل يتسم بالكفاءة لخدمة الأنشطة التجارية الإقليمية.
- ينبغي بذل الجهود الهادفة إلى إعادة إنشاء الشبكات التجارية والإنتاجية بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت