وصفت دراسة قانونية أصدرها المركز الدولي للدراسات القانونية، يوم الخميس، التحقيقات والمحاكمات التي تجريها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأنها "تحقيقات صورية" تهدف إلى غلّ يد المحكمة الجنائية الدولية عن ممارسة ولايتها تجاه الجرائم التي يرتكبها جنودها، وتمكينهم من الإفلات من العقاب.
وقال المركز أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي "خلقت من خلال تحقيقاتها ومحاكماتها الصورية درعاً "قانونياً لمنح جنودها وقادتها حصانة فاسدة تحول بينهم وبين العدالة، وفي سبيل ذلك أسست نظاماً "قضائياً" وهمياً لغلّ يد القضاء الدولي والمحكمة الجنائية عن ممارسة ولايتها والحيلولة دون خضوعهم لعدالتها".
وأوضحت الدراسة أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى منح جنودها وقادة جيشها حصانة فاسدة من خلال إجراء محاكمات وتحقيقات صورية، الغرض منها فقط حجب اختصاص القضاء الدولي؛ استناداً إلى أن القضاء المحلي قد بسط ولايته على الجريمة ليحرم القضاء الدولي من التحقيق فيها باعتبار أن اختصاص القضاء الدولي تكميلياً وليس أصلياً.
وقال المركز إنه انطلق لهذه الدراسة من واقعة إبراهيم أبو ثريا (29 عام) الشاب الفلسطيني من قطاع غزة الذي بُترت قدماه في قصف إسرائيلي استهدفه عام 2008 برفقة أصدقاؤه. وقتلته قوات الاحتلال أثناء مشاركته في فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار (جمعة الغضب) بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2017، وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إغلاق ملف التحقيق في جريمته بدعوى أنه "لم يتم إيجاد أي دليل على أن أبو ثريا قتل بنيران مباشرة من الجيش الإسرائيلي".
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم الالتزامات القانونية التي ألزمت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" بتوفير سبل الانتصاف للضحايا، إلا أن سلوكها على أرض الواقع يبرهن أنها تضرب بهذه الالتزامات عرض الحائط، بل وتسعي لتوفير الحماية لمجرمي الحرب من رعاياها، جنوداً وقادة، وفي سبيل ذلك تُجري محاكمات وتحقيقات صورية لحجب اختصاص القضاء الدولي.
واستعرضت الدراسة نماذج من تحقيقات ومحاكمات أجرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي مع جنود وضباط ارتكبوا جرائم قتل ونفذوا انتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان، انتهت بتبرئتهم أو إصدار أحكام مخففة بحقهم، مشيرًا إلى إجراء سلطات الاحتلال "تحقيقات وهمية" في جرائم جنودها خلال اعتداءاتها العسكرية على قطاع غزة أواخر عام 2008، وفي نوفمبر 2012، وصيف 2014، وكذلك خلال مسيرات العودة وكسر الحصار التي استمرت قرابة عامين بالقرب مع السلك الفاصل مع قطاع غزة، يضاف إلى ذلك الجرائم اليومية المرتكبة في الضفة الغربية سواء حوادث القتل على الحواجز العسكرية أو جرائم المستوطنين وغيرها.
وبيّنت الدراسة أن النيابة العسكرية التابعة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي أعلنت في أغسطس 2016م أنها تلقت شكاوى تتعلق ب ـ360 حادث، أحالت 220 منها فقط لجهاز الفحص التابع لقيادة الأركان الذي أوصى بإغلاق 80 منها، فيما أحيلت 7 حالات فقط إلى التحقيق، وبحسب المعلومات المعلن عنها فإن حالة واحدة فقط قد أحيلت إلى المحاكمة وقُدمت فيها لائحة اتهام ضد جنديين بتهمة النهب للأول والمساعدة للثاني.
وفي ذات السياق؛ أصدرت محكمة الاحتلال بتاريخ 28/10/2019م حكماً ضد جندي "إسرائيلي"، بالسجن الفعلي لمدة (30) يوماً مع الشغل العسكري الفعلي في قاعدة عسكرية و(60) يوماً أخرى مع وقف التنفيذ، وتخفيض رتبته، بعد ادانته بِـ "مخالفة تعليمات إطلاق النار والتوجيهات التي تلقاها" والتي أودت بحياة الطفل عثمان رامي حلس (14 عاماً) عام 2018. فيما قررت النيابة العسكرية إغلاق ملف التحقيق الخاص بجريمة قتل الشاب طلعت عبد الرحمن زياد رامية )25 عام) عند مدخل الرام الشمالي الشرقي بتاريخ 24/2/2012، بدعوى أنّ الجنود أطلقوا النيران وفق تعليمات إطلاق النار.
وطالبت الدراسة الجمعية العامة للأمم المتحدة تكليف مجلس حقوق الانسان بتشكيل لجنة تقصي حقائق تبحث جميع الجرائم والانتهاكات لاسيما المنظمة منها والتي نفذت بتوجيهات القيادة العسكرية والسياسية لسلطات الاحتلال من أجل حصر الجرائم الدولية التي اقترفوها وتوفير الأدلة والبراهين تمهيداً لإحالته تقريرها لمجلس الأمن.
كما طالبت المجتمع الدولي بالتدخل من أجل صيانة حقوق الضحايا الفلسطينيين ووقف سياسة افلات مجرمي ورعايا سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" من العقاب والمسائلة. ودعت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تفعيل ولايتها القضائية الدولية فيما يتعلق بالجرائم الدولية المرتكبة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي سياق متصل، أوصت الغرفة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية بسرعة البت في مسألة الاختصاص الإقليمي (الولاية الجغرافية للمحكمة الجنائية الدولية) في فلسطين، حتى يتسنّى للمدعي العام مباشرة التحقيق في جرائم سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وضمان حقهم في الانتصاف.