- حمادة جبر
بالرغم من صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 والقاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية عام 1975، إلا أن إسرائيل تنبهت لخطورة هذا القرار مع اندلاع "الانتفاضة الأولى" عام 1987، التي كشفت عنصرية إسرائيل على الملأ، خاصة بالتزامن مع ذروة مقاطعة النظام العنصري في جنوب أفريقيا. ولنزع صفة العنصرية عنها، وجدت إسرائيل ضالتها في "عملية السلام" بعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ،الذي قدم اسرائيل للعالم كدولة طبيعية وشرعية، بل وطالبة للسلام بمباركة عربية وفلسطينية.
بعد خمسة وأربعون يوماً فقط من عقد مؤتمر مدريد للسلام، وبطلب من الرئيس الأمريكي بوش الأب، ألغت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3379 القاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية بقرارها رقم 86/46.
بعد ذلك،.نجحت اسرائيل باستغلال ضعف منظمة التحرير وتلهف قيادتها للعب دور جديد بعدما أصبحت تقريباً غير ذي صلة بحكم الجغرافيا، وضعف وتساقط الحلفاء، وجفاف مواردها المالية، وفرضت عليها اتفاقاً هزيلاً في "أوسلو" الذي تم على أساسه انشاء جهاز السلطة الفلسطينية لادارة شؤون الفسطينيين بالنيابة عن إسرائيل وأنست العالم بذلك عنصريتها.
عام 2001، وبعد عشر سنوات من الغاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرارها بمساواة الصهيونية بالعنصرية، وبفضل اندلاع "الانتفاضة الثانية" عام 2000، التي أعادت كشف عنصرية إسرائيل، عادت محاولات وصم إسرائيل بالعنصرية مرة أخرى في مؤتمر "ديربان" (المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية) الذي نظمته الأمم المتحدة. تنبهت إسرائيل وحلفائها مجدداً لخطورة وصمها بالعنصرية، وقررت إسرائيل وحلفائها قطع الطريق مبكراً على وصمها بالعنصرية من خلال التهديد بمقاطعة المؤتمر، ومن ثم الحضور بمستوى متدن، قبل الانسحاب خلال المؤتمر بسبب إدراج موضوع الصهيونية ومساواتها بالعنصرية وإدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية باعتبارها عنصرية على برنامج المؤتمر. بالرغم من نجاح اسرائيل من خلال حلفائها بالتخقيف من لهجة إدانة المؤتمر لاسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين، إلا أن مجرد إعادة طرح موضوع عنصرية إسرائيل على الأجندة الدولية ومن خلال مؤتمر تنظمه الأمم المتحدة كان إنجازاً يمكن البناء عليه. ولكن وبعد يومين فقط من انتهاء المؤتمر وقعت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) التي غيرت وجه العالم، وحالت دون البناء على مخرجات المؤتمر، بل إن اسرائيل نجحت باستغلال حرب الولايات المتحدة الامريكية على الإرهاب بوصم النضال الفلسطيني كذلك بالإرهاب.
مما سبق، وبالاشارة إلى الانتفاضتين الأولى والثانية، نستنتج أنه من الصعب إقناع العالم بعنصرية اسرائيل دون حراك جدي يقوده الفلسطينيون على الأرض. وبالمقارنة أيضاً بين الانتفاضتين ورغم مقايضة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية انجازات الانتفاضة الأولى بمجرد إعادتها إلى "اللعبة" مجدداً. نستنتج أن الانتفاضة الأولى باسلوبها وبجماهريتها هي الخيار الأفضل.
لإستعادة زمام المبادرة و وقف كل هذا العبث بقضيتنا وخلق وضع شبيه بظروف الانتفاضة الأولى، لابد من القيام بالخطوات التالية:
(1) الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية لتحميل إسرائيل كلفة احتلالها على الأقل من خلال رفع التكلفة الأمنية حيث أعلنت إسرائيل في 2010 عن أقل عدد لجنودها وآلياتها في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الأولى. وكذلك الإعلان عن سحب الاعتراف باسرائيل، وانتهاء حل الدولتين وتبني استراتيجية قيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية التي يؤيدها 37% (رغم عدم وجود حزب سياسي فلسطيني واحد يتبنى خيار حل الدولة الواحدة، ورغم شعور الفلسطينيين بضعفهم وعدم قدرة قيادتهم على إجبار الاسرائيليين على قبول حل الدولة الواحدة) من الفلسطينيين مقابل 39% لحل الدولتين حسب استطلاع الرأي رقم 75 في شباط/فبراير 2020 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. كل هذا بالتوازي مع إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والاعتذار بشجاعة لعموم الجمهور الفلسطيني عن أخطاء الماضي، لاستعادة ثقة الجماهير بالمنظمة وقيادتها، وكذلك بالتوازي مع دعوة أكثر من 2 مليون فلسطيني يحملون الجنسية الاسرائيلية للانضمام لتحقيق الاستراتيجية الجديدة، الذين يتوقون لممثل حقيقي يعبر عن تطلعاتهم وتطلعات ووحدة كل الفلسطينيين، خاصة بعد إقرار قانون القومية الاسرائيلي العنصري، وفشل وتخبط قيادات الأحزاب العربية في اسرائيل.
(2) بالتوازي أيضاً مع ما سبق، ولتحقيق استراتيجية قيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية، على القيادة تبني المقاومة الشعبية السلمية المتمثلة أساساً بالمسيرات والاعتصامات الكبرى، والعصيان المدني، والمقاطعة. وإعطاء صلاحيات واسعة للبلديات والمجالس المحلية وتشكيل لجان شعبية في أحياء المدن والقرى لمساندة البلديات والمجالس المحلية في حفظ الأمن الداخلي وقيادة العمل الشعبي المقاوم.
وهنا وتعقيباً على دعوة الرئيس في إجتماع "الأمناء العامون" بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر 2020 لتشكيل قيادة وطنية للمقاومة الشعبية السلمية، لابد الإشارة إلى أن معظم الفلسطينيين (63%)يؤيدون هذا الشكل من المقاومة ولكن عند سؤالهم عن سبب ضعف مشاركة المواطنين في المقاومة الشعبية تقول النسبة الأكبر (39%)أنه يعود لعدم الثقة بالقيادة حسب استطلاع الرأي العام رقم 67 في آذار 2018 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. ولا يمكن استرجاع ثقة الجماهير بالقيادة إلّا بقرار بحجم حل السلطة حيث أن أغلبية (62%) الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتبرون السلطة عبء ويؤيدون حلها، إضافة إلى تهديدات الرئيس المتكررة بحلها التي تدل على استنتاج صحيح بضرورة حل السلطة لكنه يفتقر للإرادة والشجاعة. وبالتالي فإن ثقة الجماهير المسترجعة بالقيادة ستجعلهم مشاركين فاعلين في المقاومة الشعبية. ولدينا مثالان واضحان على ذلك: أولًا، المقاومة الشعبية الواسعة والناجحة في القدس -حيث لا وجود للسلطة- في صيف 2017 احتجاجًا على البوابات الالكترونية التي حاولت اسرائيل تركيبها على مداخل المسجد الأقصى في البلدة القديمة في ذلك الوقت. والمثال الثاني يتمثل بالمشاركة الجماهيرية الواسعة في مسيرات العودة الكبرى التي بدأت في آذار 2018 على حدود قطاع غزة، حيث لا وجود للسلطة أيضاً. لنتخيل هنا موقف وصورة إسرائيل تجاه مسيرات مشابهة وعصيان مدني في الضفة الغربية والقدس، وفي مناطق ال48 المتعطشة لقيادة تكون جامعة لكل الفلسطينيين تشملهم بعد أن تخلت عنهم قيادة منظمة التحرير رسمياً منذ "أوسلو" وتركتهم لمصيرهم كأقلية مميز ضدها خاصة بعد سن قانون القومية اليهودية لاسرائيل.
وعلى القيادة أيضاً، المبادرة بجمع أسلحة الأجهزة الأمنية وتسليمها لطرف ثالث مثل الأمم المتحدة وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف: أولاً، لتفادي محاولة إسرائيل جر الفلسطينيين لسيناريو الانتفاضة الثانية؛ وثانياً، خدمةً لاستراتيجية حل الدولة الواحدة القائمة على المقاومة الشعبية السلمية؛ وثالثاً، لضم المزيد من الاسرائيليين اليهود لمشاركة الفلسطينيين في نضالهم لإنهاء النظام العنصري وقيام دولة ديمقراطية وحقوق متساوية لكل مواطنيها.
(3) دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة تفعيل قرارها رقم 3379 الذي اعتبر الصهيونية (اسرئيل) مساوية للعنصرية حيث أن إسرائيل أصبحت اليوم أكثر عنصرية من وقت إقرار القرار المذكور عام 1975 خاصة بعد إقرارها لقانون القومية العنصري عام 2018. وذلك أيضاً بالتوازي مع دعم حركة مقاطعة اسرائيل وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات (BDS)، التي لم تستثمر القيادة انجازاتها، بل كانت تحاول تهميشها بتصريحات غير مسؤولة منها تصريح الرئيس: "نحن لا ندعم مقاطعة اسرائيل"، في كانون أول/ديسمبر 2013 خلال زيارة له لجنوب أفريقيا!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت