- حمادة جبر
يصادف اليوم الذكرى ال29 لإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 القاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية الذي تم إقراره عام 1975، جاء قرار الإلغاء بقرار رقم 86/46 بطلب من الرئيس الأمريكي بوش الأب وبعد خمسة وأربعون يوماً فقط من انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
لم تتنبه إسرائيل لخطورة قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية إلّا مع اندلاع "الانتفاضة الأولى" عام 1987، التي كشفت عنصرية إسرائيل على الملأ، خاصة بالتزامن مع ذروة مقاطعة النظام العنصري في جنوب أفريقيا. ولنزع صفة العنصرية عنها، وجدت إسرائيل ضالتها في "عملية السلام" بعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ،الذي قدم إسرائيل للعالم كدولة طبيعية وشرعية، بل وطالبة للسلام بمباركة عربية وفلسطينية.
بعد ذلك،.نجحت اسرائيل باستغلال ضعف منظمة التحرير وتلهف قيادتها للعب دور جديد، بعدما أصبحت تقريباً غير ذي صلة بحكم الجغرافيا، وضعف وتساقط الحلفاء، وجفاف مواردها المالية، وفرضت عليها عام 1993 اتفاقاً هزيلاً في "أوسلو" الذي تم على أساسه انشاء جهاز السلطة الفلسطينية لادارة شؤون الفلسطينيين بالنيابة عن إسرائيل وأنست العالم بذلك عنصريتها.
عام 2001، وبعد عشر سنوات من الغاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرارها بمساواة الصهيونية بالعنصرية، وبفضل اندلاع "الانتفاضة الثانية" عام 2000، التي أعادت كشف عنصرية إسرائيل، عادت محاولات وصم إسرائيل بالعنصرية مرة أخرى في مؤتمر "ديربان" (المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية) الذي نظمته الأمم المتحدة. تنبهت إسرائيل مجدداً لخطورة وصمها بالعنصرية، وقررت إسرائيل وحلفائها قطع الطريق مبكراً على وصمها بالعنصرية من خلال التهديد بمقاطعة المؤتمر، ومن ثم الحضور بمستوى متدن، قبل الانسحاب خلال المؤتمر بسبب إدراج موضوع الصهيونية ومساواتها بالعنصرية وإدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية باعتبارها عنصرية على جدول أعمال المؤتمر. بالرغم من نجاح اسرائيل من خلال حلفائها بالتخقيف من لهجة إدانة المؤتمر لإسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين، إلا أن مجرد إعادة طرح موضوع عنصرية إسرائيل على الأجندة الدولية ومن خلال مؤتمر تنظمه الأمم المتحدة كان إنجازاً يمكن البناء عليه. ولكن، وبعد يومين فقط من انتهاء المؤتمر وقعت هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي غيرت وجه العالم، وحالت دون البناء على مخرجات المؤتمر. بل إن اسرائيل نجحت باستغلال حرب الولايات المتحدة الامريكية على "الإرهاب"، بمساواتها بحربها على الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة الثانية مستفيدة من وقع صدمة العالم من هجمات 11 أيلول/سبتمير، ومن العمليات الفلسطينية المسلحة ضدها خاصة "العمليات التفجيرية" منها.
بناءَ على ما سبق، وفي ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ 13 عاماً، والقائم على تقاسم سلطة وهمية باعتراف طرفي الانقسام، وإفشال حقيقي للتحدي الأكبر الذي يواجهه الفلسطينيون لتصفية قضيتهم المتمثل بصفقة القرن. وبعد أن وصلت حالة التراجع في التضامن العالمي مع الفلسطينيين وقضيتهم إلى العرب، يُقابلها نجاحات دبلوماسية إسرائيلية غير مسبوقة. وفي ظل افتقار القيادة الفلسطينية لأدوات الضغط والتأثير، وفشل استراتيجية التدويل وعزل إسرائيل، والتآكل المتسارع في شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين في نظر فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذي انخفض من 69% في عام 2006 إلى 54% فقط في عام 2019، حسب استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. وبالاشارة إلى الانتفاضتين الأولى والثانية، نستنتج أنه من الصعب إقناع العالم بعنصرية اسرائيل دون حراك جدي يقوده الفلسطينيون على الأرض. وبالمقارنة أيضاً بين الانتفاضتين ورغم مقايضة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إنجازات الانتفاضة الأولى مقابل إعادتها إلى "اللعبة" مجدداً. نستنتج أن الانتفاضة الأولى باسلوبها و جماهيريتها هي الخيار الأفضل. ولإستعادة زمام المبادرة ووقف كل هذا العبث بقضيتنا وخلق وضع شبيه بظروف الانتفاضة الأولى، لابد من القيام بالخطوات التالية:
أولاً: حل السلطة الفلسطينية وإعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير وتبني استراتيجية قيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية: على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية وذلك لتحميل إسرائيل كلفة احتلالها من خلال رفع التكلفة الأمنية حيث أعلنت إسرائيل في 2010 عن أقل عدد لجنودها وآلياتها في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الأولى. والتي يتعبرها، أي السلطة، معظم الفلسطينيون ((63% عبئاً عليهم وعلى قضيتهم، والتي اعترف رئيسها أيضاً في عدة مناسبات بنتيجة وحقيقة ما وصلت اليه الأمور، ومن أبرز اعترافاته ما جاء في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي في شباط/فبراير 2018 عندما قال: "نحن بنشتغل عند الاحتلال، نحن نعمل عند الاحتلال".
وكذلك على القيادة، الإعلان عن سحب الاعتراف باسرائيل، وانتهاء حل الدولتين وتبني استراتيجية قيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية التي يؤيدها 37% من الفلسطينيين رغم عدم وجود حزب سياسي فلسطيني واحد يتبنى خيار حل الدولة الواحدة، ورغم شعور الفلسطينيين بضعفهم وعدم قدرة قيادتهم على إجبار الإسرائيليين على قبول حل الدولة الواحدة. مقابل 39% فقط يؤيدون حل الدولتين حسب استطلاع الرأي رقم 75 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. بالرغم من أن حل الدولتين هو البرنامج الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجتمع الدولي، ورغم الجهد الإعلامي والتعبوي الذي روجت له المنظمة واستثمر فيه المجتمع الدولي مليارات الدولارات لأكثر من ثلاثين عاماً.
بالتوازي مع ما ذكر، يجب إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وشعار شرعية ووحدانية التمثيل للفلسطينين، والاعتذار بشجاعة لعموم الشعب الفلسطيني عن أخطاء الماضي، لاستعادة ثقة الجماهير بالمنظمة وقيادتها.
ثانياً: وحدة الهدف والمصير مع فلسطينيي الداخل (48): دعوة أكثر من 2 مليون فلسطيني يحملون الجنسية الاسرائيلية للانضمام لتحقيق الاستراتيجية الجديدة، الذين سيكون لهم دور أساسي واستراتيجي في المرحلة الجديدة بعد أن تخلت عنهم قيادة منظمة التحرير رسمياً منذ "أوسلو" وتركتهم لمصيرهم كأقلية مميز ضدها. والذين يتوقون أيضاً، لممثل حقيقي يعبر عن تطلعاتهم وتطلعات ووحدة كل الفلسطينيين، خاصة بعد سن قانون القومية اليهودية العنصري وفشل وتخبط قيادات الأحزاب العربية في إسرائيل.
ثالثاً: تبني وتفعيل المقاومة الشعبية السلمية: بالتوازي أيضاً مع ما سبق، ولتحقيق استراتيجية قيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية، على القيادة تبني استراتيجية المقاومة الشعبية السلمية المتمثلة أساساً بالمسيرات والاعتصامات الكبرى، والعصيان المدني، والمقاطعة. وإعطاء صلاحيات واسعة للبلديات والمجالس المحلية وتشكيل لجان شعبية في أحياء المدن والقرى لمساندة البلديات والمجالس المحلية في حفظ الأمن الداخلي وقيادة العمل الشعبي المقاوم.
وهنا وتعقيباً على دعوة الرئيس في إجتماع "الأمناء العامون" بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر 2020 لتشكيل قيادة وطنية للمقاومة الشعبية السلمية، لابد الإشارة إلى أن معظم الفلسطينيين (63%)يؤيدون هذا الشكل من المقاومة ولكن عند سؤالهم عن سبب ضعف مشاركة المواطنين في المقاومة الشعبية تقول النسبة الأكبر (39%)أنه يعود لعدم الثقة بالقيادة حسب استطلاع الرأي العام رقم 67 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. ولا يمكن استرجاع ثقة الجماهير بالقيادة إلّا بقرار بحجم حل السلطة حيث أن أغلبية (62%) الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتبرون السلطة عبء ويؤيدون حلها حسب استطلاع رقم 77 في أيلول/سبتمبر 2020 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، إضافة إلى تهديدات الرئيس المتكررة بحلها التي تدل على استنتاج صحيح بضرورة حل السلطة لكنه يفتقر للإرادة والشجاعة. وبالتالي فإن ثقة الجماهير المسترجعة بالقيادة ستجعلهم مشاركين فاعلين في المقاومة الشعبية. ولدينا مثالان واضحان على ذلك: أولًا، المقاومة الشعبية الواسعة والناجحة في القدس -حيث لا وجود للسلطة- في صيف 2017 احتجاجًا على البوابات الإلكترونية التي حاولت اسرائيل تركيبها على مداخل المسجد الأقصى في البلدة القديمة في ذلك الوقت. والمثال الثاني يتمثل بالمشاركة الجماهيرية الواسعة في مسيرات العودة الكبرى التي بدأت في آذار 2018 على حدود قطاع غزة، حيث لا وجود للسلطة أيضاً. لنتخيل هنا موقف وصورة إسرائيل تجاه مسيرات مشابهة وعصيان مدني في الضفة الغربية والقدس، وفي مناطق ال48.
وعلى القيادة أيضاً، المبادرة بجمع أسلحة الأجهزة الأمنية وتسليمها لطرف ثالث مثل الأمم المتحدة وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف: أولاً، لتفادي محاولة إسرائيل جر الفلسطينيين لسيناريو الانتفاضة الثانية؛ وثانياً، خدمةً لاستراتيجية حل الدولة الواحدة القائمة على المقاومة الشعبية السلمية؛ وثالثاً، لضم المزيد من الاسرائيليين اليهود لمشاركة الفلسطينيين في نضالهم لإنهاء النظام العنصري وقيام دولة ديمقراطية وحقوق متساوية لكل مواطنيها.
رابعاً: إعادة تفعيل قرار مساواة الصهيونية (اسرائيل) بالعنصرية ودعم حركة ال(BDS): دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة تفعيل قرارها رقم 3379 الذي اعتبر الصهيونية (اسرائيل) مساوية للعنصرية حيث أن إسرائيل أصبحت اليوم أكثر عنصرية من وقت إقرار القرار المذكور عام 1975 خاصة بعد إقرارها قانون القومية العنصري عام 2018. وذلك أيضاً بالتوازي مع دعم حركة مقاطعة اسرائيل وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات (BDS)، التي لم تستثمر القيادة انجازاتها، بل كانت تحاول تهميشها بتصريحات غير مسؤولة منها تصريح الرئيس: "نحن لا ندعم مقاطعة اسرائيل"، في كانون أول/ديسمبر 2013 خلال زيارة له لجنوب أفريقيا!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت