- إبراهيم أبراش
تثير مشاركة المسلمين للمسيحيين أعيادهم أو تهنئتهم بعيد رأس السنة الميلادية (الكريسمس) الجدل كل عام مع قرب حلول المناسبة، ويتبارى كل من هب ودب من مدعي الغيرة على الإسلام للإفتاء فيها ما بين مُحرِم أو مكره لها ويتجاوز الأمر البعد الديني ليتداخل الدين بالسياسة على يد جماعات الإسلام السياسي حيث إن إثارة هذا الموضوع يشكك بمفهوم المواطنة والوحدة الوطنية ويعزز انقسام الشعب الواحد إلى طوائف ومذاهب.
للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين خصوصية في الحالة الفلسطينية حيث يخضع المسلمون والمسيحيون للاحتلال ويقاتلون ويعانون ويستشهدون جنباً لجنب وتتعرض مقدساتهم كمقدسات المسلمين للانتهاك والتدنيس وكان المسيحيون الفلسطينيين على رأس الحركة الوطنية في مقاومة الانتداب البريطاني ثم الاحتلال الصهيوني وكان أول ظهور للحركة الوطنية عام 1918 يحمل مسمى (الجمعية الإسلامية المسيحية)، وبالتالي فإن نقل الجدل الخارجي حول علاقة المسلمين بالمسيحيين وشرعية أو عدم شرعية مشاركتهم أعيادهم إلى الساحة الفلسطينية يعبر عن قصر نظر وجهل في الدين كما في السياسة
تعميم وزارة الأوقاف في قطاع غزة الصادر يوم الخامس عشر من ديسمبر الجاري حول احتفالات رأس السنة الميلادية (الكريسمس) يثير ليس فقط الاستهجان بل والغضب لدلالاته الخطيرة من حيث الشكل والمضمون، حيث يكشف النهج الانفصالي عند حركة حماس ومحاولات دولنة غزة كما يثير الفتنة والكراهية بين المسلمين والمسيحيين.
أولاً: من حيث الشكل
التعميم مروس باسم دولة فلسطين وتحته وزارة الأوقاف، ولا ندري أية دولة فلسطين يقصدون، هل هي الدولة الفلسطينية المتوافق عليها بقيادة منظمة التحرير والرئيس أبو مازن؟ وإن كان الأمر كذلك يفترض أن تكون السلطة ومنظمة التحرير موافقة على هذا التعميم وأن يمتد مفعوله للضفة الغربية أو كما تسمى الأقاليم الشمالية من الدولة وخصوصاً مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح ولها خصوصية في احتفالات الميلاد. ولأن هذا لم يحدث فإن المقصود بدولة فلسطين هي دولة غزة، وهنا تكمن الخطورة.
هذا التعميم ومع أنه داخلي إلا أنه يضاف لمئات القرارات والتعميمات الصادرة من جهات رسمية حكومية أو تشريعية في غزة في مجالات التعليم والاقتصاد والمواصلات والجباية والقضاء الخ وكلها مروسة باسم دولة فلسطين ولكنها تقتصر في التطبيق على قطاع غزة. وهذا يؤكد أن حركة حماس تتصرف وكأن قطاع غزة هو الدولة الفلسطينية أما الضفة وبقية الأرض الفلسطينية فهي خاضعة للاحتلال، أو جزء من دولة إسرائيل وهو نفس التفكير الإسرائيلي وما يتم التخطيط له في أية تسوية قادمة.
ومن جهة ثانية فإن هذا التعميم يؤشر لحالة سبق أن حذرنا منها وهي ان يؤدي وقف المقاومة والصراع المباشر مع الاحتلال إلى توجيه الاهتمام للقضايا الداخلية الخاصة بحياة البشر وعلاقتهم ببعضهم البعض وبربهم، بحيث سيتعزز التيار المحافظ والرجعي والمغلق في حماس على حساب تيار المقاومة والتيار الوطني العقلاني، وسنسمع في قادم الأيام مزيداً من حالات التضييق على الحريات العامة باسم الدين كما جرى في أوقات سابقة حيث كان يتم مطاردة الفتيات والشباب بسبب لباسهم وتم الاعتداء على بعض الصالونات ومحلات التجميل، وتغيير أسماء الشوارع والميادين والمدارس لتحمل أسماء لها رمزية ودلالات دينية، وتغيير في بعض المناهج الدراسية وزي التلاميذ الخ .
ثانياً: من حيث المضمون
التعميم الذي يدعو لمحاصرة ظاهرة احتفالات الكريسمس أو الحد من تفاعل المسلمين معها غريب ومثير للفتنة لأنه يوحي لأخوتنا المسيحيين شركائنا في الوطن والدم بأنه من غير المرغوب أن يشاركهم المسلمون أفراحهم!!! ولا ندري ما الذي يضايق حركة حماس وكل جماعات الإسلام السياسي في أن يشارك الفلسطينيون المسلمون في احتفالات الفلسطينيين المسيحيين، أولئك الذين يشاركوننا في الوطن وفي المقاومة ويقاتلون إلى جانب إخوتهم وشركائهم في الوطن دفاعاً عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية؟ وهل من ضرر أن نشارك مثلاً الأب مانويل مسلم والمطران عطا الله حنا وحنان عشراوي وأسر آلاف الشهداء والأسرى والمناضلين المسيحيين أعيادهم؟ !!!
وبعيداً عن هذا الجدل العام، فمع حالة البؤس والفقر والحصار الذي يخيم على قطاع غزة فما المانع من اقتناص أية مناسبة للفرح؟ وأفراح غزة في الكريسمس لا تتجاوز حفلة موسيقية في مقهى أو منتزه عام يتناولون فيها طعام العشاء والحلوى والشاي والقهوة وعصائر الفاكهة أو زيارة الجار أو الصديق المسيحي لتهنئته بعيد ميلاد السيد المسيح عيسى عليه السلام، وخصوصا أن عيد الميلاد مُصنف ضمن أعيادنا الوطنية.
نحن الفلسطينيين أولى من غيرنا بالاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح ويشرفنا أن السيد المسيح الذي له الفضل في نشر أكبر ديانة سماوية في العالم فلسطيني المولد والنشأة، كما أن المسيحيين أصحاب ديانة سماوية وليسوا كفاراً.
وبهذه المناسبة نقول لإخوتنا المسيحيين بكل طوائفهم كل عام وأنتم بخير وعيد ميلاد مجيد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت