لم تتوان الصين والدول العربية عن الوقوف مع بعضها البعض لمواجهة أزمة فيروس كورونا الجديد التي قد فرضت بتداعياتها ثقلها على العالم من أدناه إلى أقصاه خلال العام 2020، إلا أنها أظهرت متانة العلاقة التاريخية بين الجانبين وجعلتها أكثر صلابة.
ولما كانت الصين في أصعب أوقاتها، عبرت الدول العربية عن دعمها القوي لجهود الصين في مكافحة الفيروس وبادرت بإرسال المساعدات لمجابهة هذا الفيروس.
وبعد نجاحها في الحد من انتشار الجائحة، قدمت الصين دعما قويا للدول العربية بإرسال المساعدات والأجهزة الطبية والخبراء الصحيين، مما يثبت أنها الصديق الحقيقي والحميم للعرب من خلال الأفعال الملموسة، ويرسخ رؤية مجتمع المصير المشترك للبشرية.
- تعاون على مستوى رفيع
منذ تفشي الجائحة، عملت الصين والدول العربية معا، وتبادل الجانبان المساعدة والمعلومات في الوقت المناسب، واتخذا الإجراءات الحاسمة وتعاونا على نحو وثيق الأمر الذي ساهم في زيادة عمق علاقات الصداقة التقليدية والشراكة الاستراتيجية بينهما في العصر الجديد. وبذل الجانبان جهودا مشتركة لبناء "سور الصحة العظيم" لحماية أرواح شعوب الجانبين.
ومنذ ظهور الجائحة، أعربت الدول العربية عن تضامنها وتعاطفها مع الصين. أصدرت الدورة الـ53 لاجتماع مجلس وزراء الصحة للدول العربية التي عقدت في فبراير الماضي، بيانا أكد دعم جهود الصين، في مواجهة الجائحة التي تستهدف الجميع.
وخلال الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني-العربي الذي عقد عبر الفيديو في يوليو، حث الجانبان في إعلان مشترك على رفع الوعي بأهمية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وتوصلا إلى توافق بشأن بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي ومجتمع صحة مشتركة صيني-عربي في خضم المعركة ضد كوفيد-19.
وأعربت الدول العربية عن شكرها للصين لإمدادها بالمستلزمات الطبية، وتعاونها في تنسيق شراء مستلزمات الوقاية من الصين، وإرسالها فرقا طبية للدول العربية، ومشاركة خبراتها الخاصة بالوقاية من المرض والسيطرة عليه وتشخيصه وعلاجه من خلال المؤتمرات عبر الفيديو، وسعيها النشط في تعزيز التعاون في مكافحة المرض.
وقالت الباحثة بمركز التحرير للدراسات والبحوث السياسية والاستراتيجية المصري هيام القزاز، إن "الصين لم تتأخر عن إرسال شحنات من المستلزمات الطبية الوقائية وكواشف لفيروس كورونا لمصر".
ونوهت القزاز في السياق بزيارة وزيرة الصحة المصرية هالة زايد إلى بكين مطلع مارس الماضي، حاملة مستلزمات وقاية ورسالة تضامن للشعب الصيني في مواجهة الوباء.
من جانبه، قال الكاتب السعودي والخبير بالشؤون الصينية عبد العزيز الشعباني، إن "الصين والمملكة تتعاونان منذ بداية الجائحة، ولا يزال التعاون قائما".
وأضاف "بينما تجتاح موجة ثانية من الجائحة الكثير من الدول تعلن السعودية يوميا تناقص أعداد الإصابات مع ارتفاع بحالات التعافي من الجائحة، إضافة إلى عودة الحياة لطبيعتها بنسبة كبيرة، وهو ما حصل في الصين أيضا مبكرا، وهذه هي نتيجة التعاون رفيع المستوى بين البلدين، الأمر الذي سيعزز التعاون المستقبلي بكل المجالات".
فيما اعتبر المحلل السياسي العراقي ناظم علي، أن "التعاون رفيع المستوى والتواصل الرسمي بين الجانبين الصيني والعربي يعبد الطريق أمام مجتمع صحة مشترك بينهما."
- تعاون نموذجي في المجال الصحي
شكل التعاون الصيني العربي في المجال الصحي لمجابهة كوفيد-19، نموذجا يحتذى به للعلاقات الوطيدة بين الدول وشعوبها. فقد أرسلت الصين منذ بداية تفشي الجائحة، فرقا من الخبراء إلى ثماني دول عربية، وعقدت عديدا من اجتماعا افتراضيا بين خبراء الصحة الصينيين والعرب، فضلا عن إرسال المساعدات الطبية والأجهزة إلى الدول العربية لمساعدتها في التصدي للعدوى والحد من انتشارها.
وأول فريق صيني أرسل للخطوط الأمامية في الدول العربية كان إلى العراق، حيث بقي الفريق لمدة 50 يوما لمساعدة هذا البلد العربي لمحاربة كوفيد-19 والحد من انتشاره من خلال تعزيز قدراته، ليحظى بتقدير وإشادة عاليين من قبل السلطات والشعب العراقي.
وخلال سبعة أيام، أنشأ فريق الخبراء مختبرا لفحص (P C R) يمكنه إجراء أكثر من ألف فحص يوميا للكشف عن الإصابات بكوفيد-19 بمدينة الطب وسط بغداد.
وقال الدكتور محمد غانم مدير المختبرات التعليمية بمدينة الطب، أقدم المؤسسات الصحية العراقية "بالنسبة لنا في العراق كانت الحكومة الصينية أول من بادر لمساعدتنا لمواجهة كوفيد-19".
وتابع "كانت مبادرة ناجحة وأضافت لنا الكثير، والدليل على ذلك أننا لا نزال نعتمد على الأجهزة الصينية، وعلى خبرات الصينيين، ونتواصل معهم بخصوص التوصيات الجديدة".
واتفق الكاتب السعودي والخبير في الشؤون الصينية عبد العزيز الشعباني مع رأي الدكتور غانم في التأكيد على أهمية الدور والدعم الذي قدمته الصين للمساعدة في مجابهة الجائحة. قائلا إن "فريق الخبراء الذي قدم من الصين إلى السعودية كان له كبير الأثر في نقل تجربته وخبرته للمتخصصين السعوديين".
وفي 23 أبريل الماضي، عقد خبراء طبيون صينيون مؤتمرا عبر تقنية الفيديو مع نظرائهم السودانيين لمشاركة الخبرات الصينية في الوقاية والعلاج من كوفيد-19.
وفي 5 يونيو الجاري، قد نظم فريق الخبراء الطبي الصيني وبتنسيق من السفارة الصينية في السودان مؤتمرا عبر تقنية الفيديو حول الوقاية من كوفيد-19 مع سفارات الصين في جنوب السودان وموريتانيا والمغرب.
جدير بالذكر ان خبراء الفريق الطبي الصيني وصلوا إلى العاصمة السودانية الخرطوم في 28 مايو الماضي قادماً من الجزائر بعد أن أنهى مهمة عمل حول مكافحة كوفيد-19 دامت أسبوعين.
وكانت الصين قد قدمت سلفا المساعدة للسودان في حربه ضد كوفيد-19، حيث تبرعت السفارة الصينية في السودان في أواخر مارس الماضي بأكثر من 400 ألف قناع جراحي للحكومة السودانية.
وفي 9 نوفمبر الماضي، قال عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال حضوره الاجتماع الوزاري بين الصين ومجلس التعاون الخليجي عبر تقنية الفيديو كونفرنس، إن التعاون في مجال اللقاحات بات من أبرز مجالات التعاون بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في مكافحة كوفيد-19.
فيما أقرت الإمارات ومملكة البحرين رسميا استخدام اللقاح الصيني. وفي 10 ديسمبر العام 2020، وصلت الدفعة الأولى من اللقاح الصيني (سينوفارم) لمصر، قالت الباحثة المصرية هيام القزاز "لا شك، أن اللقاح الصيني سيساهم بشكل كبير في تعزيز آفاق التعاون المستقبلي بين مصر والصين".
- تواصل وتضامن شعبي قوي
لم يقتصر التضامن والتعاون الصيني العربي لمجابهة كوفيد-19 على الجانب الرسمي فحسب، بل تعداه إلى فعاليات شعبية أقيمت في الصين وعدد من البلدان العربية.
وفي بداية الأزمة، أضاءت مصر ثلاثة من أشهر معالمها الأثرية وهي "قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، ومجمع معابد الكرنك بمحافظة الأقصر، ومعبد فيلة في أسوان جنوبا"، بألوان علم الصين تضامنا مع الشعب الصيني في مواجهة الجائحة.
وفي إطار حملة أطلقتها الإمارات للتضامن مع الصين خلال مواجهتها للجائحة، أضاءت الدولة الخليجية عددا من معالمها البارزة وفي مقدمتها برج خليفة ومبنى شركة بترول أبوظبي "أدنوك"، بألوان العلم الصيني، والحروف الصينية للتعبير عن دعمها لمدينة ووهان الصينية التي كانت تكافح الجائحة.
من جانب الصين، أصدرت جامعة بكين نسخة عربية لوثائق مكافحة كوفيد-19، لمشاركة الخبرات الصينية للوقاية والسيطرة على الجائحة ومساعدة الدول العربية في الحرب ضده.
بذل فريق الترجمة جهودا هائلة فضلا عن دعوة أساتذة وطلاب من جامعة القاهرة وبروفيسور من جامعة قرطاج التونسية وأستاذ سوري بجامعة بكين، لتدقيق الترجمة والتأكد من عدم وجود أخطاء في المعلومات.
علاوة على ذلك، أقامت دار أوبرا لياونينغ الصينية ودار الأوبرا المصرية حفلا سيمفونيا خاص على الإنترنت بين الصين ومصر. عزف الموسيقيون الصينيون والمصريون المؤلفات الموسيقية الصينية والمصرية والعالمية عبر الإنترنت في الحفل الذي دام لأكثر من ساعة، وقد شاهد هذه العروض الموسيقية مستخدمي الإنترنت في أرجاء العالم.
وقال رئيس مؤسسة بيت الحكمة للثقافة المصرية الدكتور أحمد السعيد إن "مصر حرصت، ومنذ ظهور الجائحة، أن تبعث برسائل تضامن قوية مع الصين حكومة وشعبا،" الأمر الذي يؤكد على عمق العلاقات المصرية - الصينية وقوتها.