- بقلم/ رامي الغف*
عندما نتفحص الوضع الذي يمر به الوطن اليوم، سنلاحظ إننا نقف بإزاء حملة أطماع هوجاء مزدوجة إقليمية ودولية، كلها بالنتيجة تنتهي الى هدف واحد، هو أن تحصل هذه الدول على حصتها من خيرات فلسطين بشتى الوسائل والأساليب، بالصراع أو الحوار، بحروب الوكالة أو سواها، لذلك اتفقت هذه الدول الطامعة وتلاقت مصالحها على أن تبقي على الوطن الفلسطيني ضعيفا ممزقا محطما مفتتا مقسما تتقاذفه الامواج من كل جانب، ومؤسسات دولة مختر قة وخاملة، وشعب مجزأ بلا إرادة ولا قيادة، حتى يسهل على هذه الدول الإقليمية والدولية أن تأخذ ما تريد بلا حساب أو رادع أو عقاب.
وهكذا نلاحظ أفضليات كثيرة تتوافر عليها فلسطين اقتصاديا وسياسيا وجغرافيا وحتى ثقافيا، ما يجعل منها هدفا لأطماع مزدوجة، في ظل هذه المزايا الكثيرة والمغرية، لذا مطلوب البحث عن سبل تعامل ذكية ورصينة ومدروسة لاحتواء هذه الأطماع ومصادرها، وهذا يتطلب شروطا كثيرة من أهمها أن تتمتع قيادته السياسية والوطنية برؤية وطنية أصيلة ودقيقة، قادرة على تحقيق التوازن بين عموم الفصائل والأحزاب والقوى والجماهير، لكي تبقي فلسطين في منأى عن التمحور والتموضع مع قوة ما ضد قوة أخرى، بمعنى مطلوب من فلسطين والفلسطينيين أن يبقوا مستقلين في سياستهم قدر الإمكان، مع أهمية احتفاظهم بعلاقاتهم الإستراتيجية مع الدول التي تلتقي معهم في المصالح والأهداف.
اليوم الوطن الفلسطيني يمر بمنعطف طرق والشعب صامت ويحمل من الوعي الشيء الكثير ويتابع مجريات الامور بدقة، وما زالت افواه بعض الساسة والقادة تدعوا بالإصلاحات والتغيير وتوحيد الصفوف وانهاء التشرذمات والانقسامات وهي جعجعة دون طحين وعدم وجود ورقة توافقية واصلاحية متفق عليها جميعا ولا يمكن ان يتفقوا عليها ان وجدت، وما زالت الجماهير تغلوا من تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والمالية والحياتية والفساد المستشري في اكثر دوائر ومؤسسات الوطن وليست كلها ولا زال الامل كبير بالعاملين الشرفاء منهم.
ولا شك أن طرق التفكير بالنسبة للقادة واصحاب القرار في ادارة الازمات، لها دور كبير في تجاوزهم لها بأقل الخسائر، لهذا نظن أن ما يحتاجه القادة واصحاب القرار هو تصحيح تفكيرهم بما يحقق تعاملا سليما مع ادارة الازمات، وكما يلي:
- العمل بجد على وضع الخلافات الوطنية ونبذها جانبا، والتفرغ لمعالجة الازمة الطارئة.
- نبذ حالات الصراع بين القوى والسياسيين والتركيز على بناء منظومة فكرية عملية مناسبة لإدارة الوضع المستجد وخاصة بعد قرصنة الاموال الفلسطينية من قبل اسرائيل.
- اعتماد البدائل لتحصيل الموارد لخزينة السلطة بطرق علمية مدروسة مع الابتعاد عن الارتجال والعشوائية في هذا المجال. - أهمية مراعاة الوضع المعيشي للمواطنين من أي إجراء قادم.
- لا تعني إعادة هيبة السلطة، أن يرزح المواطن تحت وطأة الاجراءات المتسرعة، مثال ذلك التسعيرات التي تضعها وزارات كالاقتصاد والمواصلات والمياه والكهرباء، لتثقل كاهل المواطن المثقل أصلا، ولتخفف عن كاهلها في إجراء أناني بالغ الوضوح.
- أهمية العمل على وضع الخطط الاستراتيجية والاستباقية لمواجهة الازمات غير المحسوبة.
- اعتماد سياسية التدرّج في معالجة الازمة، وعدم اللجوء الى الحلول الفورية الخاطئة.
- التفكير الجاد والعمل الفعلي في تحويل المؤسسات الووزارات الفلسطينية من ريعية، الى تعدد مصادر التمويل والايرادات.
- رفض السياسة الاقتصادية الراهنة القائمة على اعتماد الهبات والتبرعات والمنح موردا وحيدا للسلطة.
- مكافحة الفساد الإداري والسياسي الظاهر والمبطن الذي يستنزف موارد الوطن الفلسطيني كالثقوب السوداء.
وينبغي وضع التصورات العميقة لطبيعة المرحلة وأوضاعها المعقدة، من أجل النهوض بمشروع فلسطيني ذكي عميق محنك، يسعى لإقامة حالة من التوازن مع الجميع، خصوصا المنطقة العربية والإقليمية، على أن يتم التركيز على بناء الداخل، من خلال تنشيط الاقتصاد، وتحريك الطاقات الكامنة للشعب، وخاصة الكفاءات، واستثمار العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الكبرى، بذكاء وخبرة، وعدم التورط مجددا في تحالفات إقليمية او سواها لأي سبب كان، حتى يمكن أن تكون النتائج مشجعة على صعيد بناء الدولة الفلسطينية ومؤسساتها المستقلة، فعندما يقوى النظام السياسي ويشتد عود الحكومة، يمكننا أن نقول بأن فلسطين قد وعيت طبيعة المرحلة، وأنها في طريقها الى العالم المتقدم حتما.
وإذا أردنا أن نغير ملامح فلسطين ونبني دولة المواطنة والرفاه ونوجد واقعا جديدا مفعما بالأمل والسعادة والاستقرار والإذدهار، فلابد أن نرسم خطوطا واقعية تعتمد على الحرية والتعددية والاستقلال والاكتفاء الذاتي والأخلاق الفاضلة والحفاظ على حقوق الجماهير وحرياتهم ومصالحهم والتفاني في خدمتهم، والتأكيد على التداول السلمي للسلطة، وفصل السلطات، ووجود نظام انتخابي نزيه يحقق الانصاف والعدالة للجميع.
آخر الكلام: لنقطع الطريق على من يسعى لإستغلال الظروف لتكريس الإنقسام، ففي النهاية لن يبقى إلا من يسعى لخدمة الجماهير ويسعى لتحقيق طموحاتهم ورغباتهم، فخدمة الجماهير هي سر من أسرار البقاء. الإعلامي والمفوض السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت