- بقلم الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر (سابقاً)
غزة - فلسطين
ما أكثر ما انتظر شعبنا! وما أطول ما انتظر!
انتظر شعبنا كثيراً، وانتظر طويلا، إلى أن كان اجتماع القاهرة الفصائلي في الثامن من فبراير 2021، حيث ثبت أن انتظاره الطويل كان كمن قال فيه المثل الشعبي: صام طويلاً ثم أفطر على بصلة (لكنها خمجة).
لست أدري عن نجاحات أنجزها المجتمعون الفصائليون في اجتماع القاهرة إذا كانوا:
- لم يصدروا ما يطمئن الشعب على وجوب تحييد القضاء الفلسطيني عن أي صراعات سياسية، تأكيداً على أن القضاء الفلسطيني لا ولاية -ألبتة- عليه إلا للقانون الأساسي ولقانون السلطة القضائية.
- لم يعالجوا إشكالية القرارات الرئاسية الثلاثة الصادرة بقانون في 11 يناير 2021، والتي قضت بتشكيل محاكم نظامية جديدة، وإنشاء قضاء إداري على درجتين، وإدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، فهدمت السلطة القضائية، حيث أنزلتها من عليائها لتصبح رهناً لرغبة الرئيس والسلطة التنفيذية منحاً ومنعاً، خلافاً للقانون.
- لم يطالبوا بضرورة وسرعة إصلاح مؤسسة القضاء وتوحيد أجهزته وإجراءاته ومرافقه بين الضفة وغزة، مع تشكيل مجلس قضاء أعلى جديد ينسجم مع القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية.
- لم يتطرقوا إلى الإشكالية القانونية التي خلفتها المحكمة الدستورية (غير الدستورية)، فضلاً عن الإشكالية القانونية التي اعترت القرار القاضي بتشكيلها، على أن تقوم مقامها – كما كان متبعاً- المحكمة العليا، إلى أن يتم إعادة تشكيل المحكمة الدستورية وفقاً للقانون.
- قد طلبوا – مع أبلغ الأسف وأشده – من (الرئيس!) أن يصدر مرسوماً يقضي بتشكيل محكمة قضايا الانتخابات توافقياً من قضاة من الضفة والقدس وغزة، بصفتها المحكمة الحصرية التي تنظر في قضايا الانتخابات، دون غيرها.
- لم يطالبوا ليس فقط برفع العقوبات السلطوية الظالمة على قطاع غزة، وإنما أيضاً بفورية التعويض عنها بأثر رجعي، دون أدنى مس بالحقوق المتصلة بها.
- قد اتفقوا على رفع توصية (للرئيس!) يتوسلون بموجبها "للنظر في تعديل النقاط التالية لقانون الانتخابات (تخفيض رسوم التسجيل والتأمين – طلبات الاستقالة – عدم المحكوميات – نسبة مشاركة النساء - تخفيض سن الترشح". وهنا، فإن تساؤلا استنكاريا يستفزني فيطرح نفسه على كياني برغمي: ألا يفهم المجتمعون الفصائليون الموقعون على بيان اجتماع القاهرة أنهم بطلبهم (بتوسلهم) هذا إنما يؤكدون على أن عباس ليس رئيساً فحسب، وإنما هو زعيم وحاكم عادل وديمقراطي ورمز وطني وثائر غير عادي و.. و... وكل ما يمكن أن يجول في الخاطر من صفات الزعامة النادرة والحاكمية الديمقراطية الرائدة التي يتطلع شعبنا إليها؟!
- لم يطالبوا بضرورة وسرعة خلق وسط انتخابي مناسب من شأنه أن يكفل كف يد السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية عن التدخل في شؤون العدالة والانتخابات والقضاء. أما توجيه أرباب الاجتماع الفصائلي بالقاهرة الدعوة (للرئيس!) ليس فقط إلى "إصدار قرار ملزم بإطلاق الحريات وخلق بيئة انتخابية ملائمة، وإنما أيضاً بتشكيل لجنة رقابة وطنية لمتابعة تنفيذ هذا القرار الملزم"، فهو أمر غريب وعجيب ومعيب، إذ كيف بحاكم لا يلتزم ولا يكون مثالاً للالتزام في نفسه أن يصدر قراراً يلزم رعيته؟!
- لم يؤكدوا على أن محكمة قضايا الانتخابات بكامل هيئتها وقضاتها لا يملك الرئيس أدنى ولاية عليها، ذلك أن ولايتها فيما اختصت به إنما هي ولاية منقطعة لها دون غيرها بموجب القانون، وليس للرئيس أدنى ولاية عليها.
- لم يُحَذروا من أن السلطة التنفيذية يمكنها – إن لم يكن القضاء مستقلاً – الالتفاف على أي مجلس تشريعي يتم انتخابه، الأمر الذي يعني أن استقلال القضاء ضرورة لا غنى عنها، ولا بد من تحقيقها.
- لم يطالبوا بضرورة وسرعة إعادة الاعتبار للسلطة التشريعية والقضائية حيث تغولت السلطة التنفيذية على الأولى عبر المحكمة الدستورية (غير الدستورية) فيما هدمت الثانية عبر القرارات الرئاسية الثلاثة بقانون الصادرة في 11 يناير 2021.
- اتفقوا على أن اللجنة التي تشكل بالتوافق بغية معالجة نتائج وإفرازات وآثار الانقسام على أسس وطنية شاملة وعادلة، تقدم تقريرها (للرئيس!) الذي يحيله لحكومة ما بعد الانتخابات للتنفيذ، ما يعني دون أدنى غموض أو التواء أو مواربة أكبر وأوضح دليل على استحمار هذا الشعب والاستهزاء به ونضالاته وتضحياته وبطولاته.
- لم يُحذروا من تكرار حل المؤسسة التشريعية المنتخبة عبر نص تفسيري يتناغم مع رغبة (الرئيس!) جادت به قريحة المحكمة الدستورية (غير الدستورية)، وذلك تأكيداً على أن ذلك الفعل المعيب لن يُسمح له أن يتكرر.
- لم يوجهوا في بيانهم نقداً أو لوماً – ولو ناعماً خفيفاً – (للرئيس!) على ما اتخذه من قرارات وإجراءات أطاحت بالقضاء وأهدرت هيبته، بدءاً من تشكيل مجلس انتقالي أعلى للقضاء ثم ما تلاه من إجراءات كارثية على المؤسسة القضائية.
- لم يشيروا إلى ما تم من اعتداء صارخ وفاضح على القانون الأساسي عام 2007 حيث أصدر (الرئيس!) مرسوماً يقضي بتعطيل عمل المؤسسة التشريعية مسنداً صلاحياتها واختصاصها إلى نفسه فصار هو كل شيء: رئيس السلطة التنفيذية ورئيس السلطة القضائية ورئيس السلطة التشريعية، ملغياً بذلك ما استقر عليه الفقه والقضاء من مبدأ الفصل بين السلطات، مركزاً إياها جميعها في قبضته، فهو الذي يصدر القوانين عبر قرارات بقانون، وهو الذي يعين ويعزل الوزراء وكبار الموظفين ويشكل الحكومات ويعزلها، دون أي مرجعية قانونية.
- لم يطالبوا (الرئيس!) ببذل مزيد من الجهد الفكري عند إصدار المراسيم والقرارات بقانون، لاسيما عند توفر ولو هامش ضئيل من حالة توافق وطني كهذه الحالة التي يمر بها شعبنا وهو مقبل على إجراء انتخابات من شأنها أن تهيئ وسطاً بيئياً مرحباً بخلق حالة توافقية وتشاركية حسنة.
- لم يعلقوا أبداً على إصرار (الرئيس!) على رفض تزامن الانتخابات لصالح تتاليها، ولم يعبروا عن آرائهم في ذلك سلباً أو إيجاباً، وهو أمر ليس في صالحهم باعتبارهم قادة شعب يناضل من أجل حريته واستقلاله.
- لم يطالبوا بإعادة صياغة قانون السلطة القضائية على نحو يكفل استقلاليتها، الأمر الذي من شأنه أن يمكنها من الاطلاع بدورها للقيام بضبط قوي نزيه ومحايد للعملية الانتخابية.
- لم يصدروا تحذيراً يقضي بأنه ما لم يُعَدْ للسلطة القضائية اعتبارها ضماناً لنزاهتها واستقلاليتها، فإن الانتخابات قد تنتج مجلساً تشريعياً مشوهاً أو محشوراً بين مطرقة السلطة التنفيذية وسندان السلطة القضائية، المطوية ضمن صفحتها والملحقة بها والتابعة لها، وهو أمر كارثي له ما بعده.
وبعد، فكيف لاجتماع يلتئم بأربعة عشرة فصيلاً لا يستطيع أربابه أن يكتشفوا – جميعهم أو بعضهم - أنه لا صواب، ألبتة، يمكن أن يخرج من بين ثنايا قرار هو في أصله وفي منطلقه وفي توجهه وفي مفرداته خاطئ، وللقانون مخالف.
أما آخر الكلام، فما قيمة انتخابات قامت همروجتها على مرسوم رئاسي مخالف للقانون الأساسي أولاً، ومخالف لقانون السلطة القضائية ثانياً، ومخالف لقانون الانتخاباتً ثالثاً، ومخالف للطبائع السليمة أولاً وأخيراً؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت