- بقلم : د. أماني القرم
صدر عن مركز أبحاث "بروكنجز" دراسة تحليلية للباحث عمر عبد الرحمن بعنوان "حل كونفدرالي لإسرائيل وفلسطين" الغاية منها كما يقول الكاتب هو" التفكير في نطاق يتخطى نموذج الدولتين الكلاسيكي أو حل الدولة الواحدة ويصل الى تطبيق إطار عمل كونفدرالي في المستقبل هدفه تشكيل نموذج حوكمة جذاب يحرّر الفلسطينيين من القمع المستمر ويعالج الشكاوي الاسرائيلية ويبقي على حق المصير ويحول دون المزيد من الصراع".
والدراسة ليست ابتكاراً جديداً في حقل المقاربات الفكرية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيليوإن تميّزت في إطارها العملي بتفصيل أكبر من سابقاتها لبنود محددة تشكل معضلة الصراع القائم كاللاجئين والأمن والحدود والقدس. فيما تعد فكرة الكونفدرالية الفلسطينية / الاسرائيلية مقترح سابق قديم لعدد من المفكرين الاسرائيليين والفلسطينيين وحتى العرب الذين اجتهدوا فكريًّا لخلق حلول مختلفة للخروج من الوضع القائم وإرساء السلام .
وباختصار شديد لا ينصف فحوى الدراسة ولكن لحدود المقال فإن الكونفدرالية كما يطرحها الباحث عبارة عن دولتين سياديتين بمؤسساتهما التشريعية والتنفيذية والقانونية، حيث يتم فيها تجاوز مسألة الحدود التقسيمية لتكون حدود مفتوحة مقابل الحقوق التي تعطى للأفراد من كلا الشعبين كحرية الحركة والتنقل بينهما والاقتصاد التشاركي. أما القدس فهي ملكية مشتركة للدولتين وليست تحت حكم دولي، فيما هيكل الامن عبارة عن نظام "متعدد الطبقات" يجمع فلسطين واسرائيل ومراقبة الدول المجاورة ودول أخرى وما يتطلب ذلك من إنشاء وتطوير مراكز تنسيق مشتركة وتبادل معلوماتي وقدرات مراقبة. بينما تحل قضية اللاجئين في الكونفدرالية عن طريق "الاقامة الدائمة" وخيار البقاء في البلدان التي يعيشون فيها أو العودة لفلسطين أو اسرائيل مع منحهم الجنسية الفلسطينية. كذلك الأمر بالنسبة للمستوطنين الذين سيمنحهم نظام "الاقامة الدائمة" جنسية اسرائيلية وخيار البقاء في فلسطين أو اسرائيل. وفي النهاية يعرض الباحث ضرورة وجود مصالحة تاريخية تتضمن اعترافاً من كل طرف وإقراراً بحقوق ومطالب الطرف الاخر التاريخية !
والحقيقة أن حل الكونفدرالية كما يطرحها عبد الرحمن وغيره يثير مجموعة من التساؤلات المبدئية أهمها:
أولا : هل المعضلة هي في نوعية الحل وشكله أم في تغييب "وجود مشكلة" أصلافي العقلية الاسرائيلية التي تحاول بشتى الطرق القفز عن المسألة الفلسطينية . حاليًّا الفلسطينيون هم من يعاني واسرائيل في قمة قوتها وازدهارها وفي حالة استرخاء وعدم شعور بالمعاناة الفلسطينية وبالتالي لا تبحث عن حل . ولهذا فإن مسألة طرح حلول مختلفة ليست ترفاً يجمع طرفي الصراع حيث تبدو الصورة وكأنها مفاضلة بين هذا الحل أو ذاك وتضيع المسألة في طروحات ونقاشات تحصد سنيناً فارغة إلا من الأوراق المكتوبة. إنما النقطة الاساسية تكمن في كيفية إجبار اسرائيل على الاعتراف بمعاناة الفلسطينيين والتوقف عن فرض الامر الواقع . كما يجب عليها أن تشعر بالمشكلة وبالمعاناة حتى تستطيع الاقرار بأن هناك نزاعاً يتحتم وجود حل له .
ثانياً: كل من ينادي بالكونفدرالية يقضي باستحالة وجودها في ظل الوضع الراهن . وكما ورد في دراسة عبد الرحمن ودراسات سابقة اخرى ان الامر يتطلب وجود دولتين واحدة فلسطينية والثانية اسرائيلية ! فهل بالامكان مقارنتهما في القوة والهيمنة، هذا إن تجاوزنا قضية المسمّيات الى مسألة الامكانات؟ وبعيدا عن وعليه أعتقد إن الكونفدرالية لا تعد حلاًّ وإنما خياراً سياسيًّا يمكن مناقشته في النهائيات لتنظيم العلاقة بين الدولة الاسرائيلية والدولة الفلسطينية عندما تكون.
ثالثاً: كيف يمكن للكونفدرالية تجاوز عقدة تخمة القوة التي تضاعفت في السنوات الأخيرة لدى اسرائيل؟ وبالمثل كيف يمكنها تجاوز اختلافات الثقافة السياسية والتاريخية والاقتصادية وغيره في المؤسسات المشتركة أم أن مجرد الصراع على الأرض كفيل ببناء لبنة مشتركة ؟؟ اسرائيل دائما ما تنأى بنفسها عن بلدان الشرق الأوسط في الثقافة السياسية والحضارية وتروّج على أنها واحة الديمقراطية في المنطقة فهل ستقبل هذا النوع من التشاركية والندّية مع الفلسطينيين؟؟ وما الذي سيدفعها لذلك ؟
عموما أغلب تجارب الكونفدرالية في العالم أثبتت فشلها على المدى الطويل ابتداء من الكونفدرالية الامريكية وانتهاء بمحاولات انشاء كونفدراليات في التسعينات بين بلدان الاتحاد السوفييتي السابق ..محاولة ابتكار طرق للتعايش هو شيء جميل ومحرك للقضية، لكن لا يتأتي هذا الأمر إلا بعد تحقيق حل واحد واقعي ومقنع ومقبول دوليًّا لا بديل له لضمان حقوق كل طرف هو حل الدولتين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت