- رامز مصطفى
- كاتب فلسطيني
أن يوافق الرئيس الأمريكي بايدن ، السماح بنشر تقرير المخابرات المركزية الأمريكية ( CIA ) ، حول جريمة قتل الإعلامي السعودي جمال الخاشقجي ، في سفارة بلاده في تركيا . وكشف المتورطين في تلك الجريمة ، وعلى رأسهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، فهو أمرٌ مستحسن ، ولكنه يتطلب منا التوقف عنده ملياً ، لتقليب وتفحص دوافعه ، خصوصاً أنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة تصرفت على الدوام وفق مصالحها ، لا وفق معايير تُلزمها الحفاظ على حقوق الإنسان أينما تواجد .
وحتى داخل الولايات المتحدة فحقوق الإنسان لم تعد تلك الحقوق مضمونة أو مصانة ، ونموذجها الصارخ والبشع مقتل الشاب الأمريكي جورج فلويد على يد أحد أفراد الشرطة الأمريكية ، الذي تعمد قتله خنقاً بطريقة وضع حذائه العسكري على رقبته ، ولم تشفع لفلويد صرخاته واستغاثته ومنشادته أنه يختنق .
قرار الرئيس الأمريكي ، لا شك أنه قد ترك عند الكثيرين ارتياحاً لجهة أنّ الحق والجريمة لا يموتان مع تقادم الزمن ، بل أنّ الايام ومهما امتدت ، وتغافل المتغافلون عنها ، سيأتي ذاك اليوم الذي سيُكشف النقاب عنها .
وتقع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في مقدمة المنتهكين والمرتكبين للجرائم بحق الإنسان والإنسانية ، من دون أن يرف لهما جفن ، وغير مكترثين لشرعة حقوق الإنسان . وحتى لا نسترسل أو نغرق أنفسنا في الارتكابات والانتهاكات التي طالت وتطال حقوق الإنسان حول العالم ، نتوقف عند ما أسلفنا ، وهو قرار الرئيس بايدن في الإفراج عن تقرير مقتل الصحفي الخاشقجي . ونسجل الآتي :-
1. القرار جاء بخلفية ثأرية من المملكة السعودية وشخص محمد بن سلمان ، الذي يعتبره الرئيس بايدن أنه متدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح خصمه دونالد ترامب .
2. القيادة السعودية جريمة الخاشقجي ليست الأولى ولن الأخيرة ، فهي مرتكبة ومنتهكة لحقوق الإنسان منذ نشأتها بحق معارضيها ، والدول والشعوب التي تخالفها الرأي ، أو تعارض سياساتها . ولن نذهب بعيداً ، اليمن وشعبه الشقيق ومنذ ما يزيد عن الخمس سنوات والسعودية تقود تحالفاً عسكرياً بربرياً ضد اليمن وأهله ، مرتكبة لأفظع الجرائم بحق رجاله وشيوخه ونسائه وأطفاله ، لم تترك منشأة أو بنى تحتية ، أو مشفى أو مدرسة أو جامعة أو روضة أطفال ، أو دور عبادة ... الخ ، إلاّ ودمرته على سمع وبصر المجتمع وأوله الولايات المتحدة . والمفارقة أنّ إدارة الرئيس بايدن اليوم تفرض عقوباتها على شخصيات قيادية في الجيش اليمني وأنصار الله ، الذين يدافعون عن بلدهم وناسهم ، في خطوة استرضاء لقيادة المملكة السعودية ، بهدف التخفيف من وقع نشر التقرير .
3. تحدث التقرير عن المسؤولية المباشرة لمحمد بن سلمان عن مقتل الخاشقجي وتقطيعه داخل السفارة السعودية في أنقرة ، فالعقوبات لم تطاله ، بينما طالت سعوديين وجدهم التقرير أنهم شركاء في الجريمة . وفي تقديري وتقدير الكثيرين أنّ الأمر ينطوي على إبقاء بازار الابتزاز حاضراً ، خصوصاً أنّ أمريكا تعاني من أزمات اقتصادية ومالية ، الرئيس بايدن وإدارته بحاجة لسد ولو جزء من تلك الأزمات ، التي ضاعفت منها جائحة كورونا . لذلك الرئيس بايدن سيسلك ذات الطريق التي سلكها سلفه الرئيس ترامب عندما ابتزّ قيادة المملكة ، وحصل على مئات المليارات مقابل حمايتها والدفاع عنها .
4. في أيلول 2016 أسقط الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب ، فيتو رئاسي كان يهدف إلى عرقلة قانون يجيز مقاضاة السعودية بشأن هجمات 11 سبتمبر 2001 . والذي كان قد استخدمه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما . الرئيس بايدن تناسى أو يتعمد النسيان أنه آنذاك كان نائباً لأوباما ، وعلى مدار ولايتين رئاسيتين .
السؤال ، ما الذي تغير منذ ما يزيد عن الأربعة سنوات من الآن ؟ ، خصوصاً أنّ الهجمات سقط بنتيجتها الآلاف من الأمريكيين قتلى وجرحى ومفقودين ، بينما مقتل الخاشقجي يمثل حالة فردية . بتقديري لم يتغير شيء ، بل هي طبيعة أمريكا بدولتها العميقة وحزبيها المتداولين للسلطة فيها ، في التعمد على ممارسة الازدواجية والكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بمصالحهم . والتي من أجل تأمينها وتحقيقها يدمرون ويحتلون ويحاصرون ويعاقبون دولاً تحت ذريعة محاربة الإرهاب وهو صنيعتهم .
أليس هذا ما فعلوه في كوبا وأفغانستان والعراق وسوريا وإيران وفنزويلا ، ومن قبلهم في الكثير من الدول . هذه هي أمريكا ونفاقها في المتاجرة بحقوق الإنسان .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت