طاطي طاطي أنت بوطن ديمقراطي

بقلم: حنا عيسى

حنا عيسى
  •  (أ.د. حنا عيسى)

(فأرجو أن تتذكر أن الديمقراطية ليست هدفاً ، هى وسيلة لتنظيم استعمال الحرية ..فالتاريخ يثبت أن جميع الدكتاتوريات ، وجميع أشكال السلطوية للحكومة هي زائلة . النظم الديمقراطية هي التي تثبت . مهما كانت أوجه القصور فيها فإن البشرية لم تضع أي شيء أفضل..إذن ، ليست الديمقراطية في أساسها عملية تسليم سلطات تقع بين طرفين معينين ، بين ملكِ وشعب مثلاً ، بل هي تكوين شعور وانفعالات ، ومقاييس ذاتية واجتماعية تشكل مجموعها الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية في ضمير الشعب قبل أن ينص عليها أي دستور)

يمكن تعريف الديمقراطية اصطلاحا على أنها شكل من أشكال الحكم السياسي  قائم بالإجمال على التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية ,أما لغة : فالديمقراطية كلمة مركبة من كلمتين الأولى مشتقه من الكلمة  اليونانية Demos وتعني عامة الناس و الثانية Kratia وتعني حكم  وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تعني حكم الشعب أو حكم الشعب لنفسه.

فترسيخ الديمقراطية السياسية في المجتمع مطلبا ضروري وهام لاستقرار البلد وتطوير نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي من جهة أولى وهي نتاج كفاح الجماعات والطبقات العاملة التي استطاعت أن تؤسس إعلان حقوق الإنسان العالمي لسنة 1948,الذي كفل الحريات و الحقوق العامة في التشريع والمساهمة في إدارة الحكم في ظل العدالة القانونية والمساواة السياسية من جهة ثانية والديمقراطية السياسية تنتج برلمان منتخب بواسطة الشعب الذي يمثل الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ,ومدى احترامها للحريات العامة و تحقيق المساواة السياسية  و الاجتماعية في المجتمع من جهة ثالثة والنظام الديمقراطي السياسي يهدف إلى مساهمة اكبر عدد من الأفراد في الحكم بطريقة ديمقراطية مباشرة أو غير مباشرة من جهة رابعة وقد تحولت الديمقراطية من مبدأ الفلسفة إلى التطبيق بعد أن نصت المادة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان  على " مبدأ  سيادة  الأمة " وبذلك خرج المبدأ الديمقراطي السياسي من النطاق النظري إلى النطاق العملي من جهة أخيرة .

فخصائص  النظام الديمقراطي تتخلص بما يلي :

- ترسيخ مبدأ المشروعية , أي أن السلطات والمواطنين يحترمون القانون الأساسي ويرجعون إلى الفضاء لحل الخلافات.

- تصان الحريات العامة للمجتمع , منها ( حرية التعبير و العقيدة وحرية الاجتماع والصحافة ).

- ينتخب الشعب  ممثليه عن طريق انتخابات عامة.

- ضمان عدم الجمع بين السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ).

- تصان حقوق المعارضة .

أن الديمقراطية ليست شعارا نتباهى به بل ثقافة أولا وقبل كل شيء , تمكن الشعب في فهم أسسها ومبادئها على حقيقتها , ثم ممارستها , لان الفهم الذي لا تليه ممارسة لا يخدم الديمقراطية ولا يعمل على نجاحها.الوعي يتطلب تربية وخبرة , وربما نجاح النظام الديمقراطي عند الدول  المتقدمة  وفشله عند   الدول المتخلفة يدلان على الخبرة و التجربة الطويلة التي اكتسبها الأولى في الميدان.

وغياب التجربة ,أو قصر عمرها عند الثانية . التربية تتمثل في غرس الفضيلة في صدور الأطفال , المتمثلة في حب الوطن و احترام القانون.إذا كانت الديمقراطية تمنح الإفراد حق التعبير عن  الرأي و ممارسة السياسية فانه يجب أن تعلمهم حب الوطن واحترام  قوانينه , الردع الوحيد الذي يحميها من  الانزلاق نحو صراعات  تفوت المصلحة الخاصة قبل العامة , وحب النفس قبل الوطن .

وعلى ضوء ما ذكر أعلاه , فان الديمقراطية الحديثة ليست عقيدة تنافس غيرها من العقائد  أو الأديان.كما إنها ليست مجرد آلية  لأية  عقيدة  وإنما هي منهج ونظام حكم يتأثر مضمونه بالضرورة , باختيارات المجتمعات التي تطبق الديمقراطية فيها .  ولهذا أصبح من الممكن للديمقراطية إن تقبل في مجتمعات تختلف فيها العقائد والأديان والمذاهب. لذا , فان الأحزاب و التنظيمات و الحركات بحكم التعريف  العلمي هي منظمات تسعى للوصل إلى السلطة , بل ومن المحتمل وصول أي منها للحكم .  ولهذا فإذا لم تكن تمارس الديمقراطية و تتداول السلطة داخلها وفيما بينها و لا تعكس عضويتها تنوعا مقبولا وطنيا ,فان نظام الحكم لن يكون ديمقراطيا , ويصعب استمرار تداول السلطة سلميا   فيه عندما يكون  التداول  من النقيض إلى النقيض  المتربص به .من هنا فان ممارسة  الديمقراطية داخل الأحزاب وفي منظمات المجتمع المدني وفيما بينها ,وتركيبة العضوية  فيها ,تمثل مقومات رئيسية من مقومات نظام الحكم الديمقراطي .فهذه هي الديمقراطية   في المجتمع , وهذه هي الأساس للديمقراطية في الدولة أو الضمانة لسلامة الممارسة .

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت