- بقلم/ علاء الدين عزت أبو زيد
رفع دافيد بن جوريون قبل عام 1948م، شعاره الاستيطاني "نجوع لأجل الأرض"؛ فجاء الرد الفلسطيني "نموت لأجل الأرض" والثورات الفلسطينية شاهدة على ذلك منذ قدوم أول مستوطن لأرض فلسطين، فأكد أجزم أنه لا توجد قرية أو بلدة أو مخيم أو مدينة فلسطينية لم ترتوي من دماء الشهداء دفاعاً عن الأرض الفلسطينية.
اليوم تطل علينا الذكرى الـ(45) ليوم الأرض, التى بدأت فى (30أذار/مارس من عام 1976م)، بعد أن قامت الحكومة الإسرائيلية بمصادرة (21000) دونم من أراضي الجليل, الأمر الذى قوبل بالرفض، فتم الدعوة إلى التظاهر ضد القرار في الميادين العامة داخل المحتل عام 1948م.
تكمن أهمية هذا اليوم في أنه أول مواجهة مباشرة لفلسطينيي الداخل مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منذ عام (1948م)، عبر موقفه هذا عن رفض كافة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف النيل من صمودهم وثباتهم في وجه العنصرية الإسرائيلية، وأسفرت أول مواجهة عن استشهاد ستة شهداء, أولهم: خيري ياسين من عرابة, وخديجة شواهنة, ورجا أبو ريا, وخضر خلايلة من سخنين, ومحسن طه من كفر كنا, ورأفت الزهيري من مخيم نور شمس.
تعيش اليوم الأرض والثقافة الفلسطينية بين وباءين الأول: استمرار الاحتلال الجاسم على أراضينا وقرانا التي باتت معالمها تختفي بفعل مشاريع التهويد والضم الاسرائيلية، سواء في مدينة القدس وأحيائها التي تتعرض لهجمة شرسة من الجمعيات الاستيطانية، إلى جانب مخطط الضم الذي يستهدف الضفة الغربية.
أما الوباء الثاني: فيتمثل في وباء التطبيع العربي، الذي لديه الاستعداد للقبول بالرواية الإسرائيلية ورفض الرواية الفلسطينية، وذلك ما لمسنه من بعض دعاة التطبيع العربي خاصة في الدول الخليجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والزيارات السريعة لبعضه لإسرائيل، وارسال برقيات التهنئة بمناسبة الأعياد اليهودية بشكل فج.
ينطلق مفهوم الأرض في اللهجة الفلسطينية بالمعنى العام والخاص، بأن الأرض كإسم جنس وكملكية، سواء كانت خاصة أو مشاع - للأسرة أو القبيلة أو القرية-، وهنا تجدر الإشارة لأن العديد من الفلسطينيين، كانوا يتهرّبون من تسجيل الأرض باسمهم في الطابو العثماني(1858)؛ ليتفادوا دفع الضرائب الباهظة التي لا قِبَل لهم بها. ولذلك بقيت مساحات شاسعة في فلسطين مشاعاً, وقد اكتفى أصحابها بحق الاستعمال، التي قدرت مساحتها بما يقارب (56%) من مساحة فلسطين.
ورغم ضعف السيكولوجيا الفردية بتملك الأرض آنذاك، فإن الذاكرة الشعبية الفلسطينية تحمل قداسة خاصة للأرض، وكأن الجاحظ قصدهم عندما قال "حب الوطن طبع في الناس"؛ فالأرض الفلسطينية مقدسة لسببين:
أن الله باركها دون غيرها فجعلها مهبط الرسل جميعاً ومسرى آخرهم (محمد صلى الله عليه وسلم) ومعراجه، فهي بوابة الأرض إلى السماء.
ترابها مجبولة بدم الشهداء المدافعين عنها (تاريخياً) ضد الغزاة منذ العبرانيين قبل الميلاد، ومازال الشعب الفلسطيني يقدم شهدائه فداءً للأرض، ويعتقد الريفيون أن لون تربة فلسطيني الأحمر جبل بدماء الشهداء.
منذ بداية الهجرات اليهودية تطور لدى الفلسطينيين مفهوم الارض، فأصبحت ثلاثية الابعاد: جغرافية، واقتصادية، واجتماعية، ونما التمسكُ بأرضهم وتقديسها، وشيئاً فشيئاً صاروا ينظرون لها كجزء من شرفهم، وأصبح التخلي عنها معيباً، وتداولوا بعض المقولات، التى سرعان ما أصبحت مقولات عامة, مثل: "الأرض كالعرض"، تدنيسهما عار، والتخلي عنهما مذلة، و"الأرض بتتعوضش".
وتأكيداً على ذلك فإنه: لا يوجد شعب غير الشعب الفلسطيني، نطق لفظ الأرض ومرادفاتها ومشتقاتها وصورها الرمزية ومعانيها كالشعب الفلسطيني، إلى الحد الذي جعل التراب والحيز الجغرافي كيان وجودي نابض للكيان الفلسطيني، ووعد ينتظر التحقيق، في الشعر ، والرواية والقصة الفلسطينية، وكذلك واليوميات, والمذكرات, والحوارات التي تدور بين الفلسطينيين في الوطن والشتات محورها الأرض والاشتياق والحنين للأرض.
كما برزت ملامحة الثقافة الفلسطينية تجاه الأرض في العديد من المجالات، وأهمها:
الصحافة الفلسطينية التي ذخرت بالمقالات السياسية, والوطنية, والثقافية, التي تحث وتدعو للتمسك بالأرض منذ صدور أول صحيفة في فلسطين، كيف لا وهي أحد أهم أساليب النضال السِّلْمِيّةِ التي استعان بها الشَّعْب الْفِلَسْطينِيّ للدفاع عن حقوقِه، إذْ كانت الصحافةُ أداة المثقفين التي عبَّرت عن نبضِ الشارع الْفِلَسْطينِيّ، فكانت خيرَ وسيلةٍ أَسْهَمَت في زيادة وعي أهالي فِلَسْطين للمؤامراتِ التي تحاك ضدهم، فواكبت النضالَ الْفِلَسْطينِيّ بمختلف مراحلِه وأساليبِه، ومن أهم تلك الصحف الْفِلَسْطينِيّة والْعَرَبِيّةِ؛ الكرمل، وفِلَسْطين، والجامعة الْعَرَبِيّة، والدفاع.
ووجد أهالي فِلَسْطين في جريدةِ الكرمل(1908م)، منبرًا حُرًّا عبَّروا فيه عن آرائِهم وموقفهم من الاسْتِيطان وتمددِه، فكشفت النوايا الصّهْيونِيّة تجاه فِلَسْطين، وعملت على إيقاظ الوعي الْفِلَسْطينِيّ الشعبيِّ والرسميِّ، وكشفت أخطارَ الْهِجْرَة وبيع الْأَرَاضي في حين خصَّصَت جريدةُ فِلَسْطين(1910) مَسَاحَةً واسعةً من صفحاتها لتنبيه الرأيِ العام الْفِلَسْطينِيّ والعربي إِلى خطورة ما يجري على الأرض.
أما المؤتمرات الدينية والعلمية فعقدت في القدس والمدن الفلسطينية، وكان محورها الأرض والحيلولة دون تمكن المستوطن من الاستفراد بها مهما كلف الثمن.
فعلياً تجسدت الأرض في الانتاج الثقافي الفلسطيني، ووثق يوم الأرض النضال الفلسطيني، ليصبح هذا التوثيق جزء من النضال الفلسطيني الوطني وحفظ للذاكرة الجماعية ، عبر الأفلام التسجيلية كفيلم يوم الأرض، ومسلسل التغريبة الفلسطينية.
واحتوت السينما الفلسطينية فقد وضعت أفلام فلسطينية مثل درب التبانات، وحكاية مدينة على الشاطئ، وفي الشهر التاسع، وجميعها جاءت لتعبر عن الهوية الفلسطينية للوصول لأكبر عدد ممكن من الشعوب العربية.
أما الشعر الفلسطيني فتمت استعارة الأرض لتوضح مدى ارتباط الفلسطيني بأرضه، وهو ما جسده عبد الكريم الكرمي في قصائده قبل النكبة وبعدها، وبرزت الأرض في قصيدة درويش ليوم الأرض والتى خلد فيها اسم خديجة, " أنا الأرض, والأرض أنت خديجة!"
الخاتمة:
هوية الشعب الفلسطيني الثقافية, تشكل مصدر قوته وصموده في مواجهة النظام الإسرائيلي الاستيطاني الإحلالى, وأيضاّ تشكل أهم مصادر التصدي للفكر الصهيوني الأصولي المتطرف وقراراته القائمة على النهب والسلب للأرض الفلسطينية.
بدأت ملامحة الثقافة الفلسطينية تجاه الأرض تتشكل, منذ بدأت ملامح الاستيطان واستملاك الأراضي والتهجير، وقد أخذت طابع المقاومة المحلية والانفعالية, ثم أخذت منحى سياسياً ومستداماً, ومع تطور الاستيطان, أخذت المقاومة الفلسطينية أشكالاً متعددة لحماية الأرض من السلب، فظهر تيارين الأول: تيار أراد الحافظ على الأرض بالاشتباك والمقاومة، والثاني: التيار السياسي الذي أراد حماية أرض فلسطين بمساعدة القوى الدولية، وهذا ليس من اليوم وإنما قبل عام (1948م).
مثل يوم الأرض انعطافه تاريخية في مسيرة البقاء والانتماء والهوية، وكذلك أكد على تمسك الفلسطينيين بوطنهم، فلا وطن لهم سواه، حتى وان اقيمت على أراضيهم دولة الاحتلال, فالنضال الفلسطيني من الداخل تأكيد للعالم ان هذه الدولة هي دولة مغتصبة للأرض والحق الفلسطيني.
ختاماً, فإن معركة الأرض لم تنته بعد, وهي معركة مستمرة حتى اليوم وغداً، طالما بقي الاحتلال جاسم على أراضينا.
التوصيات:
ونحن نطوي العام (45) ليوم الأرض يجب على الكل الفلسطيني أن يكون على قدر المسؤولية لمواجهة المخططات والمشاريع الإسرائيلية والأمريكية، التي باتت مدعومة للأسف الشديد من بعض الدول العربية، التي أيدت بصريح العبارة كل ما طرح في صفقة القرن الأمريكية، وتنازلت عن المبادرة العربية للسلام، التي طرحت عام (2002م)، مقابل التطبيع مع اسرائيل.
يجب التحرك على جميع المستويات عربياً ودولياً لمواجهة ما يجري للأرض الفلسطينية من سلب وتغيير المعالم وضم صامت ينفذ في الضفة الغربية وفرض السيادة الإٍسرائيلية عام (2020م)، الذي مر مرور الكرام في ظل الأزمة التي يعيشها العالم بفعل جائحة كورونا.
المطلوب فلسطينياً، دعم صمود المواطن، ودعم المزارع الفلسطيني عبر خطط ومشاريع استصلاحيه للأراضي الزراعي الحدودية المهددة بالمصادرة والمحاذية للمستوطنات، وتشجيعهم على الزراعة، ولجم المستوطنين وعربدتهم .
بقلم/ علاء الدين عزت أبو زيد
باحث في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
(30 آذار/ مارس/ 2021م)
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت