- كتب: رامي الغف*
كفلسطينيين نعيش أزمة مستحكمة ومنزلق وصلنا معه إلى حافة اليأس والقنوط ولا يمكننا أن نخرج منه إلا بتغيير نمط تفكيرنا، فبدلا من القول إني لا أذهب للانتخاب لأن الفصائل والقوى والأحزاب سيعودون أنفسهم، إعمل العكس وأذهب لتنتخب الأصلح والأفضل والاكفأ والأقدر على خدمتك ورفعه الوطن، فالتفكير في مصلحة الوطن دون المصلحة الشخصية هو ما سيمكننا من بناء وطننا.
عملية البناء الوطني تحتاج الى عقول تفكر وفق إستراتجية واهداف مرسومة سلفاً وتضع السقوف الزمنية لتنفيذ الخطط التي تؤدي بالنتيجة الى الهدف المنشود.
ينقل لي أحد الاكاديميين في احدى الجامعات الفلسطينية أن وفدا يابانيا بارزا قد زار جامعته قبل عده سنوات، وكانت هذه الزيارة برئاسة مدير العلاقات الدولية بوزارة الخارحية اليابانية، وقد سأل الاكاديمي بروفسورا ضمن الوفد قائلا له، كيف استطعتم أن تنهضوا باليابان بعد كل هذا الدمار والحرب، فأجابه البروفسور الياباني لقد غيرنا تفكيرنا، فبدلا من اننا كنا نضع الامبراطور في الاولوية، جعلنا اليابان بلدنا هي الأولوية فعملنا من أجل تطويرها وتنميتها.
نعم نحتاج هكذا تغيير لنمط التفكير، نفكر بالوطن وببنائه، وإن كانت الحكومات المتعاقبة سيئة، فسيأتي اليوم الذي نصنع فيه الأفضل، بعد ان نتفق بالإجماع على الصيغة الحقيقية التي نستطيع من خلالها أن نبني وطن معافى سياسيا وماليا واجتماعي واقتصاديا، وأن قوام ذلك هو روح الإيثار التي يجب أن يتحلى بها كل منا.
ولا يمكن استنتاج ذلك بالتخاذل او بمواقف التواكل بل لا بد من الإخلاص المبني على الصدق واحترام الذات من من خلال الأخذ بما نقوله ، بعيدا عن لغة التسويف والمماطلة والصراعات الحزبية والسياسية، ففي ذلك يجوز لنا أن ننجز الخطط الإنتاجية والمهنية والاعمارية والتنموية والاستثمارية تحت سقف زمني معلوم، وبتكلفة أقل وبمدة قياسية.
ومن المؤكد فإن الأوطان التي تخضع لمسيرة البناء ووفق جدول زمني، فإنها غالبا ماتتسم بدقة وموضوعية البناء، والذي أصبح من ضرورات العصر الملحة حيث أن الواقع الاقتصادي المتردي لا يمكن أن يساعد على عملية النهوض الشاملة، كذلك هناك عدم استقرار الوضع الداخلي والأمني في الوطن هو الآخر لا يشجع على بناء واقع اقتصادي مزدهر علاوة على ذلك فإن جبن رأس المال بمثل تلك الظروف القلقة من حيث انعدام الاستثمار.
لذلك فبناء الوطن هو دائما وابدأ بحاجة إلى تضافر الجهود والإمكانات وعلى شتى ميادين الحياة المتعددة الجوانب وكي يكون بمستوى الطموح فعلينا بالسبل الكفيلة التي تأدي بنا في نهاية المطاف من الوصول للأهداف المرسومة، فبوجود قيادات ورموز وطنية ممارسة ومخلصة لله وللوطن جديرة بجميعها في أن تفي بالتزاماتها المعهودة للوطن وللشعب الذي عانى ما زال يعاني من الظلم والإضطهاد.
وحتى لا نكون على مفترق من الطرق فنحن نقول أن بناء الوطن لا يبنى بايادٍ لا تعرف سوى ما يدخل إلى جيوبهم، فنحن نقول أن الإخلاص للوطن هو الذي يأخذ بنا جميعا لمثل هذه الحالة العملية والاعتبارية، والتي هي فعلا طريقنا الصحيح لبناء الوطن الذي له خصوصية في الاحترام وضرورة أن نجعله في أولويات حياتنا، ولكن بعد أن نكون قد تحررنا من الأنا ومن اؤلئك الذين يسعون لبيع الوطن، تارة باسم الديمقراطية وأخرى باسم الحرية دون وازع ضمير يذكرتجاه شعب أصبح الآن متاهبا لغضبة إذ هي غضبة الحليم ولا ضير أن نكرر كلمة تفاؤل بعهد برلماني وحكومي جديد قد يقود السفينة لواقع يزخر بالبر والأمان لوطن مزهر ومشرق جديد.
نعم ان الوطن الفلسطيني ذلك الكيان المقدس الذي نعيش فيه ونعتاش منه، وهو ليس مجرد خارطة وشعار ونشيد وطني، بل هو إحساس وشعور وتضحيات وانتماء عريق لمعاني وقصص حياتية واجتماعية متنوعة، نعم اليوم نحن في وطن يُعتبر من اكبر أوطان العالم من ناحية التاريخ والحضارة، ومن حيث العقول النيرة والعلماء والمقدسات، لكن مازال وطننا يعيش في متاهات الشعارات السطحية والهتافات الحزبية والتجاذبات العنصرية، يأمل بالتحرر والانطلاق نحو التقدم والازدهار، لكن ثمة مشكلة مازالت متجذرة ومتعمقة في وجدان بعض رجال السلطة وهي لا مشروع واضح لماهية ذلك الوطن ؟ كيف نريده، وكيف سيكون ؟ وما يتطلب عملة للوصول الى وطن حقيقي.
إن انعدام الرؤيا والخطة الاستيراتيجية وغياب الأولويات والاهتمام بالنفوذ وحماية المفسدين هي السمى التي تحكم وطننا اليوم، نعم كيف لنا ان نبني وطن ونحن غير مؤمنين بالتعددية وقبول الأخر؟ كيف نبني الوطن لا قضاء فيه مستقل؟ كيف نبني الوطن وهناك العديد من الاحزاب والفصائل ليس لديهم برامج واضحه؟ إن الديمقراطية هي آليات وليس فكر او عقيدة ما تحتم علينا شيء هنا او هناك بل هي تصون لنا الحرية المادية وتضمن التداول السلمي للسلطة.
ما نشعر به خطر اليوم هو غياب المؤسسات ووجود الأسماء والعناوين الفارغة الغير مجدية، ما يجعلنا نقول هو هل بناء الوطن في خلق الأزمات والاقتتال والعزف على وتر التعصب الحزبي، نعم هناك من استحوذ على السلطة وراقت له حلاوتها وأموالها ويعيش النرجسية ولم يفكر بالشعب والوطن بل فكر كيف يتشبث بالمواقع والمناصب، واليوم الكيان الوطني في خطر أكثر من اي وقت مضى لان هناك من يريد تفتيت وطننا ويخرق كل القواعد والأسس التي يرفعها، مشكلتنا في ساسة اليوم يقولون ما لا يفعلون، إن الوطن لم يبنى ولن يكون وطننا دون بناء الإنسان الفرد المواطن وعندما يبنى الفرد يبنى مجتمعه، لكن ما نراه اليوم لا بناء للمواطن كإنسان ولا للوطن كمؤسسات وبنى تحتية واقصاد وتنمية، فكل العقول والطاقات والأموال نملكها في وطننا، ولكن هناك من لا يروق له بناء ذلك الوطن العريق والكبير، قد تستمر معاناتنا وسنبقى دون وطن حقيقي وهذا سيكون قاسيا علينا يوم بعد يوم لكن ثمة أمل ان يتغير الحال ويستفيق المواطن الفلسطيني من النوم الذي هو فيه، ويعرف زيف المتسترين بالوطنية ويختبئون وراء الشعارات والعناوين الفارغة، وسيحاسب كل من أهدر المال العام وتوغل بدماء الأبرياء وقوت الفقراء.
نعم الوطن ليس ملك لهذا ولا لذاك، إن الوطن ملك للجميع ومن يفكر ببناء وطن لحزبه او فصيله فهو خسران وسيُخسر الوطن الكثير، فلتتحول الشعارات الى برامج على الأرض تعود بالفائدة على المواطن الفلسطيني وتساهم في بناء الوطن الفلسطيني.
*الإعلامي والمفوض السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت