- بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بعد مرور سنين عجاف على واقع أمتنا العربية وقضيتها المركزية (فلسطين).. وتحديداً في أعقاب غزو العراق الشقيق الذي شكل عمقاً إستراتيجياً للأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية لأكثر من ثلاثة عقود منصرمة , وتالياً تدمير ليبيا وتفكيك سوريا واليمن , وسيادة الفوضى الخلاقة على المشهد العربي برمته , وكذلك تراجع إنتفاضة الأقصى الثانية ووقف كافة فعالياتها لصالح إعطاء فرصة أخرى لما يسمى عملية التسوية السلمية الشرق أوسطية, التي إستغلها الإحتلال الصهيوني أبشع إستغلال كمظلة وغطاء لتمرير مشاريعه الإستيطانية والتهويدية الكبرى, التي إبتلعت معظم القدس الشرقية وثلثي الضفة الغربية , وأحال ما تبقى من أراضي ومدن وقرى الضفة الى سجون كبيرة محاطة بسياج إستيطاني وبوابات مقفلة يجري على أعتابها ومسالكها أعمال القتل اليومي المبرمج للشباب الفلسطيني , وكأن الإحتلال لم يكتفي بزنازينه المظلمة المنتشرة في بقاع الأرض المحتلة والتي زج قرابة المليون فلسطيني وفلسطينية خلف قضبانها الحديدية المظلمة في ما يشبه الى حد كبير أوشفتزات النازية وباستيلات الفاشية وجرى في أقبيتها أبشع ألوان التعذيب والقهر والفتك والمعاناة بحق أسرى الحرب وسجناء الحرية .
وأمام مشاهد الضعف وحالة الشلل والوهن والتراجع التي أصابت الحالة الفلسطينية في السنين العجاف المشار إليها سالفاً.. راح العدو الصهيوني يكثف سياساته العنصرية ويرفع من وتيرة جرائمه بحق أبناء شعبنا في كافة أماكن تواجده.. في الجليل والنقب والضفة وغزة من أعمال قتل وإبادة وجرائم حرب وتطهير عرقي وحصار وهدم للبيوت وقرى النقب بكاملها وتصعيد في الإستيطان والتهويد حتى بلغ أضعاف أضعاف ما كانت عليه الحالة قبل الشروع بمفاوضات التسوية السلمية ,إضافة للإعلان عن ضم الأغوار الفلسطينية التي تشكل ثلث الضفة الغربية وسلة غذاء الشعب الفلسطيني , ناهيك عن أعمال التهويد البشعة في القدس والتي كادت تخفي معالمها العربية والإسلامية , والتي وصلت ذروتها مع بلوغ شهر رمضان 2021 م . حيث التضييق والزحف التهويدي على بوابات المسجد الإقصى ومحاولة تنفيذ أكبر عملية تطهير عرقي بحق حي الشيخ جراح بعد إتفاق أوسلو , والتي سقطت كلها أمام صمود أهلنا في القدس الذين سجلوا ملحمةً أسطورية في إنتفاضة شعبية عارمة غير اّبهة لسيل الدماء الغزير المسال عزيزاً على أسوار وبوابات المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة , مسجلين أروع إنتصار شعبي لمواطنين عزل إلا من إرادة الصمود والتحدي أمام عتاة المستوطنين وجيش الإحتلال المدجج بأحدث أسلحة القتل والفتك الأمريكية الصنع والدعم , مما حدا بجنود الإحتلال المهزومين والحالة هذه نحو تصعيد أعمال القمع والبطش والقتل والتعذيب بحق الشيوخ والأطفال والنساء والضعفاء والمرابطين في باحات الأقصى في محاولة فاشلة لتركيع السكان , وبمشهد أدمى الإنسانية التي وقفت عاجزة أمام العدوان الصهيوني, وبصورة أيقظت المارد الفلسطيني من سباته والذي لبى نداء القدس وصراخ مواطنيها العزل الأبرياء, وراحت سواعد المقاومين الأبطال في غزة هاشم تدك جنود الإحتلال ومستوطنيه المتوحشين في القدس بعد إنذارهم ساعات للتوقف عن جريمتهم..
وبما صنعته أياديهم المتوضأة من صواريخ نزلت كالمطر فوق رؤوسهم ليفروا الى الملاجئ ويوقفوا عدوانهم على المرابطين في القدس رغماً عن أنوفهم التي مرغت بالتراب والطين , بل وإنهمرت قطع من نار ملتهبة غطت سماء كل المستوطنات والمدن الصهيونية, ووضعت المجتمع الصهيوني كله في حالة منع من التجوال لم يشهدوه منذ إغتصاب فلسطين عام 48م , توقفت معها كل مظاهر الحياة الإقتصادية والتجارية والسياحية والإجتماعية والثقافية , إضافة لحالة الهلع والخوف التي إنتابت كل مواطنيهم الذين فقدوا الثقة أساساً بهيبة جيشهم وحكومتهم التي ترنحت تحت تأثير ضربات المقاومة ,وعجزت عن صدها والتعامل معها , وعوضاً عن ذلك راحت تصب حمم نيرانها وكل الأسلحة المحرمة دولياً فوق منازل المدنيين الأبرياء وترتكب مجازر بشعة بحق السكان وتقتل المئات من العائلات والاّلاف من الجرحى جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء في محاولة بائسة للتأثير على معنويات المقاومة التي إنطلقت في أبهى صورة عرفها الشعب الفلسطيني منذ نكبته , حيث تجلت فيها وحدة نضال شعبنا وتزامن هبته المباركة في كافة أماكن تواجده في الداخل المحتل عام48م وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الشتات الفلسطيني ومخيمات لجوئه في مشهد جميل بديع أبهر العدو والعالم , وجعله يستجدي وقف المعركة التي هزت كيانه الهش والاّيل للسقوط , ويناشد العالم التدخل لوقف الهبة الشعبية لفلسطيني الداخل في اللد والرملة وكفر كنا والناصرة وطبريا وعكا ويافا وام الفحم والسبع , وكذلك الهبة في مدن الضفة الغربية التي أنهكت جيشه وأربكت حركة مستوطنيه بشكل لم يعد يطاق ولم يعتادوا عليه من قبل.
إضافة لكل ما تقدم فقد سجلت معركة سيف القدس إنتصاراً فلسطينياً جلياً وباهراً موجعاً ورادعاً للإحتلال وكافة مشاريعه الإستيطانية والتهويدية في القدس والضفة الغربية وصحراء النقب المحتلة , وسوف تشهد قادم الأيام مزيداً من التراجع في السياسات الإجرامية للإحتلال أمام حالة النهوض النضالي الفلسطيني الإبداعي القادر على ردع العدوان ولجم كافة سياساته الإجرامية والفاشية والعنصرية بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني الصامد في أرضه ووطنه , كما وشكلت معركة سيف القدس بصورة لا لبس فيه حالة إنبعاث متجدد للطاقات العربية الكامنة تجلت مظاهرها البهية بخروج الملايين من جماهير أمتنا العربية في كافة العواصم العربية الى الشوارع تعبيراً عن وقوفها التام مع مقاومة الشعب الفلسطيني , بل وإندفع عشرات الاّ لاف منهم نحو الحدود مع فلسطين من الأردن ولبنان لنيل شرف الشهادة والإستشهاد في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس, مما يبشر بحالة نهوض عربية غير مسبوقة نحو التحرير والوحدة ونحو كنس كافة أشكال الإستعمار والإحتلال والإستيطان والإستغلال من كافة ربوع وطننا العربي الكبير وفي المقدمة منه الأراضي العربية الفلسطينية من البحر الى النهر .
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بيت فوريك – فلسطين المحتلة أيار – 2021م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت