بقلم: د. أماني القرم
ثلاثة أهداف حرصت إدارة بايدن على تحقيقها جراء موقفها المعلن من حرب غزة 2021 :
أولاً: تجريد حركة حماس من أية مكتسبات سياسية قادمة بعد تسليط الاضواء العالمية على القضية الفلسطينية، وذلك عبر تقنين عملية إعادة إعمار غزة فمسار المليارات التي أعلن أنها ستنهال على المدينة المنكوبة ستُحكم بقبضة من حديد ومجموعة من الشروط التي تمنع تصدّر حماس واجهة المشهد السياسي وتحرمها من الانتفاع بها شعبيًّا. ومع ذلك فإن تطورات الأحداث أبرزت حماس كقوة حركية فاعلة لا يمكن تجاهلها عند الانخراط في أية حلول مستقبلية للصراع ، وعليه فمن الوارد جدا البدء في فتح قنوات اتصال أمريكية/ حمساوية عبر وسطاء على غرار ما حدث مع طالبان/ أفغانستان ، ففي النهاية الواقعية هي التي تحكم السياسة ..
ثانياً: تحقيق الهدوء على الساحة الفلسطينية بصيغة (3+ 1 ) مصر والاردن وقطر ومعهم اسرائيل، وهو ما كشفته الاتصالات المستمرة والمتواصلة بين مسئولي ادارة بايدن والسلطات في كلٍّ من الدول السابق ذكرها وتحديداً مصر التي كان لها نصيب الاسد في الاتصالات الجارية . مما يوحي أن الولايات المتحدة لا ترغب في احتكار الملف الفلسطيني، بل الاعتماد على الشركاء الاقليميين في اخفاء أية توترات من شأنها تأجيج الصراع . وكلٌّ له دور منوط به، وتقريب وجهات النظر بين الشركاء الثلاثة وخلق توازن بين الأدوار هو أمر ملحّ وواجب. مصر بحكم قدراتها الجيوسياسية وارتباطها الحتمي والمباشر بالصراع ، والاردن بحكم حساسية مكانته ودوره التاريخي بالنسبة للقضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية، وقطر بحكم نفوذها المتزايد في قطاع غزة وقدرتها على موازنة معادلة شديدة الدقة بين الأطراف المتناقضة: من جهة دعمها لحماس ومن جهة أخرى تمّيز علاقاتها باسرائيل والولايات المتحدة.
ثالثاً : عدم الانخراط بقوة في آتون الصراع، فإدارة بايدن تعجّ بالسياسيين والخبراء في الملف الفلسطيني / الاسرائيلي. والخبرات السابقة لبايدن وفريقه خاصة في ظل الأزمات ليست ببعيدة، حروب 2008،و2012،و2014 ماتزال حاضرة للأذهان . والدروس المستفادة /من وجهة نظر الامريكان/ تقول أن الانخراط القوي وتكثيف الجهود وتركيز الموارد في تحقيق حل دائم ما هو إلا تضييع للوقت، لأن الفجوة بين طرفي الصراع تزداد والحديث عن حل سياسي دائم مازال بعيداً ، والقناعة السائدة هي أنه لا توجد نهاية للصراع وإنما إدارة لمعاركه وحروبه وأزماته، وعنوان الحل الرئيس موجود ومحدد : حل الدولتين، والبيانات الديبلوماسية التي تتحدث عن حقوق الطرفين حاضرة . لكن كيفية التنفيذ والديناميكيات المطلوبة غير حاضرة لأنها تتعلق بمدى قدرة الضغط على الطرف الاسرائيلي. الموقف الأمريكي من الحرب على غزة يحاول أن يتمركز في منتصف الحبل الذي ليس طرفاه الفلسطينيين والاسرائيليين وإنّما التقدميين الليبراليين في الحزب الديمقراطي من جهة ومناصري اسرائيل اليمينيين من جهة اخرى .
السؤال هل كان هناك خطة ؟ الجواب ببساطة لا ، ما كان هو فتح كتاب الارشادات القديم للتعامل مع حرائق الملف الفلسطيني بمعنى دبلوماسية متدرجة منضبطة:
الاعلان والتأكيد على حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها كخلفية ثابتة لا تتزحزح، الضغط اللغوي واللعب بالكلمات البراقة التي لا توقف الإعتداءات الاسرائيلية ، منع اتخاذ أي قرار دولي يدين اسرائيل في مجلس الأمن ، ثم تزايد حدة اللغة الضاغطة على اسرائيل مع استمرار انضباطها. وقد استغرق الامر 11 يوما و أربعة مكالمات هاتفية من بايدن لنتنياهو حتى توقع بايدن انخفاض وتيرة العنف ..
في النهاية ما يستحق الملاحظة في الموقف الأمريكي ليس صادراً عن البيت الأبيض بل الأصوات التي تعالت في الكونجرس تدين الحرب دون الخوف من بعبع جماعات الضغط اليهودية، حيث لم يكن أحد يتوقع يوما أن توصف اسرائيل بأنها دولة أبارتهايد في أروقة المجلس العتيق. صحيح أن هذه الأصوات لا تعتبر مدوّية ولكنها بداية مشجعة ومؤثرة لتغيير الصورة النمطية لموقف الكونجرس من القضية الفلسطينية بفضل الليبراليين والتقدميين في الحزب الديمقراطي. وذلك بخلاف عن الموقف في حرب 2014 الذي تبنّى فيه الكونجرس جميع تبريرات نتنياهو للمجازر في غزة بالإجماع، بل ومنح اسرائيل موافقة غير مشروط للاستمرار في الحرب عبر سلسلة من القرارات التي تدعم حقها في الدفاع عن نفسها من زيادة في تمويل القبة الحديدية وإقرار قانون الشراكة الاستراتيجية بين اسرائيل والولايات المتحدة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت