- أ.د. حنا عيسى – أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات
تتميز المجتمعات الإنسانية بالتنوع السياسي والاجتماعي والفكري والديني ، مع أننا جميعاً ننتمي للأسرة الإنسانية ، إلا أننا مختلفون وأن لكل منّا شخصية مستقلة ومميزة ، ومن حقنا أن نعبر عن هذا الاختلاف وأن نعتز به لأنه أساس ثراء الإنسانية. وأن إدراكنا للاختلاف فيما بيننا يحتم علينا تعزيز فكرنا وثقافتنا وقبول الآخرين من خلال دعم تسهيل مشاركتهم الكاملة في نواحي الحياة المختلفة ، وضرورة احترام هذا الاختلاف يبرر حق كل فرد في الانضمام إلى الجماعة التي تشاركه أفكاره واهتماماته وميوله ، وقد تكون هذه الجماعة نادياً رياضياً ، ثقافياً أو مؤسسة أهلية أو جماهيرية أو حزبية...إلخ، ومن حقنا وحق الآخرين الاختلاف في وجهات النظر تجاه القضايا المجتمعية الشائكة ، ولم يعد مقبولاً فرض رأي الأغلبية السياسية أو الدينية أو العرقية على الأقلية في المجتمع ، والمجتمع المدني يؤمن بالتعددية المبنية على التسامح بين فئات المجتمع المختلفة ، والثقافة المدنية الملتصقة بالتسامح آراء و وجهات النظر المختلفة تشكل شرطاً مهماً من شروط الممارسة المدنية. يستطيع الناس تفهم وجهات نظر الآخرين عن طريق الحوار والاختلاف الذي لا يولد حواراً يتحول الى خلاف عنيف ، ولممارسة الحوار أصول منها الإصغاء للآخرين واحترام آرائهم والتكلم بهدوء ووضوح وتقديم الأدلة على ما تقول ، والابتعاد عن الجدل الذي لا داعي له. ومن أشكال التعددية تخصيص مقاعد للأقليات الدينية ، الترخيص لوسائل إعلام متعددة ومتنوعة.
فالتسامح يعني قبول فكره تعدد الثقافات ، وأساليب الحياة داخل المجتمع وخارجه ، أما التعددية تعني الحياة الفكرية والثقافية والسياسية ، فعندما يتاح المجال لعقل الإنسان ليفكر ويتبادل الأفكار دون قيود ، يستطيع أن يبدع وأن يقدم الجديد.
فالتسامح لغةً : يقال سامحه في الأمر أي ساهله ولاينه ووافقه على مطلبه. والتسامح فعل مشترك يدل على التساهل والملاينة والموافقة . وهو في معناه الحديث يدل على قبول اختلاف الآخرين – سواء في الدين أم العرق أم السياسة. والتسامح يعني الاستعداد لاتخاذ الموقف المتسامح. العفو عند المقدرة من شيم الكرام ، يشير إلى المقدرة على العفو.
فالتسامح الديني يجيب على أهم سؤالين تواجههما الإنسانية ألا وهما:
قيم التسامح وأثرها على التعايش؟
موقف الأديان من التسامح؟
حيث قيمة التسامح الديني تتمثل في كونه يقتضي الاحترام المتبادل ، والمساواة في الحقوق وإرهاصاً لإقامة مجتمع مدني.
فالتسامح في الإسلام يعترف بوجود الغير المخالف فرداً أو جماعة ، ويعترف بشرعية ما لهذا الغير من وجهة نظر ذاتية في الاعتقاد والتصور والممارسة تخالف ما يرتئيه شكلاً ومضموناً. ويكفي ان نعلم أن القرآن الكريم قد سمى الشُرك دينياً على الرغم من وضوح بطلانه ، لا لشيء إلا أنه في وجدان معتنقيه دين. فقد دعا الإسلام إلى ان يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودة وبر وإحسان ، القرآن يحذر أتباعه وينهاهم عن سب المشركين وشتم عقائدهم.
أما التسامح في المسيحية فقد ورد في الإنجيل على لسان يسوع المسيح : وَعِنْدَمَا رَأى يَسُوعُ الجُمُوعَ ، صَعِدَ إلَى تَلَّةٍ وَجَلَسَ. فَجَاءَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ ، وَابْتَدَأ يَتَكَلَّمُ ... «سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: العَينُ بِالعَيْنِ، وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ. أمَّا أنَا فَأقُولُ : لَا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ.بل من ضرب خدك الأيمن فحول اليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه أزرارك ، ومن سخرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين. من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان ".
والديانة اليهودية تدعو إلى التسامح كما ورد في التوراة : " كل ما نكره أن يفعله غيرك بك فإياك ان تفعله أنت بغيرك ".
إذن التسامح الديني مطلب إنساني دعت إليه كافة الأديان دون استثناء .
أما موضوع التسامح السياسي فيكمن في الحكمة القائلة " ما لا يمكن منعه يجب السماح به" إلاّ أن السؤال المفترض ذكره في هذا الموضوع : هل ينبغي التسامح مع غير المتسامحين ؟ هناك سؤالان يجب ذكرهما والإجابة عليهما:
الأول : هل ينبغي للجماعات غير المتسامحة أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها؟
الثاني : هل للجماعات أو الحكومات المتسامحة الحق في ألا تتسامح مع غير المتسامحين؟
الإجابة على السؤال الأول : عامل الناس بما تحب ان يعاملوك به.
الإجابة على السؤال الثاني : ليس للجماعات غير المتسامحة الحق في أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها ، بالمقابل على الدولة أن تعامل غير المتسامحين بطريقه متسامحة.
فالتسامح السياسي يكون :-
تجنب العنف.
قبول التظاهر وسيلة للتعبير عن بعض الجماعات التي ليست لها طريقة أخرى لجعل آرائها ورغباتها معلومة بتأكيد خاص.
وثمة حاجة إلى التسامح فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي ولكن هذا لا ينبغي التسامح مع العنف.
لكل مرء الحق في الدفاع عن نفسه عندما تهدد حريته.
فالمسلمون دخلوا الأندلس في القرن التاسع كفاتحين – يحملون حضارة مختلفة دينياً ولغةً ، وحضارة العصر العباسي في القرن العاشر(العلم ، الفلسفة ، الأدب والشعر) نتائج حضارة التسامح والتعايش بين شعوب واديان ومعتقدات وعليه فإن التسامح الديني قاعدة الحكمة السياسية ، والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه.
أما بالنسبة لنا كشعب فلسطيني ، فإننا نؤمن بالتعايش الديني والسياسي ونمارسه نظرياً وتطبيقاً ، ويشهد لنا عليه تاريخنا القديم والحديث انطلاقا من خصوصياتنا على اعتبار ان أرض فلسطين مهبط الديانات التوحيدية الثلاث( الإسلام ، والمسيحية ، واليهودية) وشعبنا الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية ، وأرضه جزء من الوطن العربي الكبير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت