- اعداد د. يوسف يونس
الملخص
خرجت اسرائيل الى المعركة وهدفها “الردع” وليس “الحسم”، وكان تركيزها على تنفيذ عمليات عسكرية “موضعية”، لتحقيق “انجاز كبير” في “وقت قصير” و “بثمن منخفض”، من خلال توجيه ضربة للمقاومة الفلسطينية لإضعاف قدراتها العسكرية، وصولا الى استعادة الردع والهدوء على الحدود الجنوبية.
ركز الجيش الاسرائيلي خلال المعركة جهوده على محاولة احباط مخططات المقاومة لتسجيل إنجازاً نوعية قد يعتبرها “صورة النصر”، فقد نجح في تعطيل سلاح “الانفاق الهجومية”، واحباط محاولات تسلل عناصر الكوماندوز البحري للمقاومة الفلسطينية، وإحبط محاولات التسلل باستخدام الطائرات المسيرة. وقلصت القبة الحديدية تأثير صواريخ المقاومة. كشف تقييم الجيش الاسرائيلي عن فشل استخباري في تقديم تقديرات دقيقة حول التوجهات التصعيدية لحركة حماس، وعدم تحديد أهمية التهديد المفاجئ من محمد الضيف، علاوة على الفشل في تقدير القدرات الصاروخية للمقاومة.
ويتعارض الامتناع عن استخدام القوات البرية مع العقيدة القتالية التي رسمها رئيس الاركان الجنرال كوخافي والتي ترتكز على ضرورة واهمية تطوير دخول القوات البرية الى ميدان المعركة، وهذا قد يؤثر على الكفاءة القتالية للجيش الاسرائيلي وسيرفع احتمالات المخاطرة في حالة اندلاع مواجهة على الجبهة الشمالية.
ووفق التقديرات الاستخبارية فإن المعركة لن تضمن الهدوء المطلق، فالقيادة الاسرائيلية لم تقم مسبقا بإعداد آليات “نهاية سياسية” لتثبيت الانجازات العسكرية، وتغاضت عن اعتبار ان عدم ترتيب العلاقات مع غزة سيجعلها تستمر مناطق توتر ستقود الى المواجهة القادمة ، وهو ما يطرح معضلة استراتيجية امام اسرائيل تتمثل في الحفاظ على امنها في ظل تهديدات قطاع غزة.
نجحت المقاومة في فرض تحوّلٍ إستراتيجيٍّ في قواعد الاشتباك من خلال المبادرة الى اطلاق رشقة صاروخية نحو القدس، ما عمق من جروح الركائز التي يقوم عليها مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، الأمر الذي يفسر لجوء الجيش الإسرائيلي لتطبيق “عقيدة الضاحية” في غزة لإحداث دمار ضخم يصعب إحتماله في محاولة لإستعادة الردع المفقود.
وركزت المقاومة جهودها لاستهداف مواقع البنية التحتية الاستراتيجية الاسرائيلية ، ونجحت في استهداف خط أنابيب الغاز بالقرب من عسقلان، وقامت بتوجيه رشقة صاروخية استهدفت أكبر مطارَين في إسرائيل، في رسالة ارادت من خلالها حماس اظهار تطور منظومة صناعاتها العسكرية، وارسال رسالة للعالم بصعوبة وخطوة الصراع.
تبحث اسرائيل حاليا في بدائل الاستراتيجية المستقبلية بالنسبة لغزة، والتي تتراوح ما بين استمرار الوضع القائم وفق معادلة “الهدوء مقابل الهدوء”، او استمرار العمل على منع المقاومة من بناء قوتها العسكرية، او القيام بعملية عسكرية برية واسعة للسيطرة على مناطق من قطاع غزة لفترة طويلة وصولا الى اسقاط حكم حماس في غزة، او اعادة السلطة الفلسطينية الى غزة، أو السماح باستمرار حكم حماس في غزة وتسهيل اقامة المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية، وتكرار نموذج حزب الله اللبناني الذي يحافظ على الهدوء.
الصراع بين حماس وفتح، مهيّأ للتصعيد، ومن المرجح أن يخرج المشهد السياسي الفلسطيني الأوسع أكثر انقساماً، فقد اعتبرت بعض التقديرات أن حركة حماس تسعى لنقل مركز القرار الفلسطيني من رام الله إلى غزة، مستغلة “اختلال توازنات القوى الفلسطينية الداخلية”، تمهيدا للانتقال لمشروع الانفصال وإقامة كانتون سياسي في قطاع غزة كبديل عن مشروع إقامة الدولة الفلسطينية بحجة ترهل واقع منظمة التحرير.
يتعارض هذا الصراع الفلسطيني الداخلي مع ضرورة الاستعداد لمواجهة الحراك السياسي الدولي، والذي يتطلب بناء شراكة وطنية، تكون “الأداة التمثيلية الفلسطينية الموحدة”، تتوافق على عناصر سياسية تمثل “الحل الممكن” فلسطينيا، قبل الذهاب نحو “الحل المفروض” ، ولمنع أي “فوضى سياسية” قد تؤدي الى الانزلاق نحو الانفصال. الإدارة الأمريكية ستحاول أن تحاصر البعد السياسي الذي أنتجته الحرب الأخيرة،.
من خلال القيام بحملة سياسية للترويج لـ”شروط” المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار قطاع غزة، وحددت بضرورة خلق آلية لذلك تقوم على إيصال تلك المساعدات بعيدا عن حركة حماس،. تسعى القاهرة إلى بلورة توافق فلسطيني من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، تشرف على إعادة الإعمار، بالتزامن مع إطلاق مفاوضاتٍ غير مباشرة بين “حماس” وإسرائيل، للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، بالتوازي مع عملية اعادة الإعمار.
وتتخوف السلطة الفلسطينية من ان الاجراءات المصرية الاخيرة قد تكون مقدمة لتعزيز دورها في قطاع غزة وصولا الى انفصاله عن الكيان الفلسطيني ، وهو الامر الذي تنفيه السلطات المصرية، وتعتبر ان دورها يقتصر فقط على المساعدة، خاصة وان هذا التوجه يتعارض مع الامن القومي المصري والدور التاريخي لمصر الساعي دائما للوحدة الجغرافية والسياسية الفلسطينية.
تسعى اسرائيل الى بناء آليات مختلفة للتهدأة ، تستند الى ثلاثة مباديء: اعمار غزة وفتح المعابر بشكل كامل لن يتم الا بعد ان تعيد حماس الاسرى والمفقودين، وأموال المساعدات لاعمار قطاع غزة، ستمر عبر السلطة الفلسطينية تحت رقابة دولية للتأكد من وصولها الى حماس. وتغيير معادلة الرد على استمرار الصواريخ والبالونات الحارقة من قطاع غزة. وهناك تخوفات من أن هذه الشروط قد تعرقل المفاوضات، وستعزز احتمالات الانتقال الى جولة تصعيد جديدة. ووفق التقديرات فان مستقبل التهدئة يتمحور ضمن احد الاحتمالات التالية :
الاحتمال الاول : العودة الى معادلة ما قبل الحرب “الهدوء مقابل الهدوء”: يلقى هذا الاحتمال معارضة من الجيش الاسرائيلي ، الذي يعتبر ان هذا الخيار يعني تطوير قدرات المقاومة وهو تكرار للنموذج السابق.
الاحتمال الثاني : التعقيدات في المفاوضات قد تؤدي الى اندلاع جولة أخرى من القتال ، ولا يستبعد قيام الاحتلال بتنفيذ عملية اغتيال لأحد لقيادات المقاومة ومواصلة مهاجمة وسائل انتاج الوسائل القتالية للمقاومة، وفق تكتكيك “ادارة المعركة بين المعارك”، على غرار النشاطات التي تديرها اسرائيل في سوريا ضد التموضع الايراني، حتى لو كان الثمن “مناوشات محدودة”.
الاحتمال الثالث : تستفيد حماس من الفرصة المتاحة، وتحوّلها إلى لاعب الأساسي في المشهد الفلسطيني ، وتتقدّم ببرنامج سياسي واضح تحدّد فيه مفهومها للتسوية ، قد يصطدم هذا الاحتمال بتعقيدات المشهد الفلسطيني، واستحقاقات اخرى ستكون مطلوبة من حركة حماس، دوليا خاصة على صعيد شروط المجتمع الدولي، وستواجه حماس ايضا اتهامات بالمسؤولية عن مشروع الكيان الانفصالي في قطاع غزة.
ويطرح هذا الاحتمال العديد من التساؤلات حول مستقبل المصالحة الفلسطينية ، الذي من المفترض انها ستكون على رأس ضحايا هذا الاحتمال ، ويمكن أن يتعمق الانقسام ويتفاقم نتيجة الخلافات بين السلطة وحماس، ووفق هذا السيناريو سيفتح الباب لاستئناف السلطة مسيرة سياسية تهدف إلى إجراء مفاوضات لإدارة الصراع ، وفي المقابل سيتعزز ضمن هذا السيناريو خيار “دويلة غزة”.
*باحث مختص بالشؤون السياسية – نائب رئيس مركز الناطور للدراسات.
28/6/2021
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت