*نهى نعيم الطوباسي
جديرة بالتأمل مقولة جبران خليل جبران " وجه أمي وجه أمتي" عبارة تحمل دلالات مهمة على عظمة المرأة، ودورها الجوهري في بناء الأمة، وتؤكد أن المرأة ليست مجرد وعاء لاحتواء طفل، بل هي أمّة وحضارة بأكملها. وما يثير الاستغراب والاستهجان، هو ضعف ردات الفعل والتفاعل على تزايد حالات العنف والتعذيب والقتل للنساء، والذي يعتبر بصمة عار وتخلف في حياة الأمم، حيث أصبحت هذه الظاهرة، كجائحة عالمية مستمرة كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة، خلال احتفال الأمم المتحدة بحملة مناهضة العنف القائم على النوع الإجتماعي، تحت شعار "لوّن العالم برتقاليا: تمويل، استجابة، منع، جمع!" العام الماضي حيث أعلنت الأمم المتحدة حينها أن 243 مليون سيدة وفتاة قد تعرضن للعنف عام 2020. وهو ما يثير القلق على مستقبل الأمم والشعوب الإنساني والإجتماعي، أما المرأة في فلسطين فحالها حال من يقع بين المطرقة والسندان، فمن جهة ما تواجهه من الإحتلال الإسرائيلي وسياساته الجائرة، ومن جهة أخرى التمييز والعنف الأسري والمجتمعي، الذي يصل إلى حد القتل في بعض الحالات.
وفي السنة الأولى لجائحة كورونا بلغ السيل الزبى، وتفاقمت حالات القتل والتعنيف بكل فلسطين بما فيها مناطق الداخل المحتل، وفقا لمركز المرأة للإرشاد القانوني والإجتماعي، بلغ عدد النساء اللواتي قتلن العام الماضي 21 امرأة وفتاة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى الرغم من أن أصابع اللوم والاتهام وجهت نحو جائحة كورونا والحجر المنزلي، إلا أن الجائحة لم تكن السبب الرئيسي، بل كشفت عن تلك التشوهات الإجتماعية والثقافية في العالم، وفي المجتمعات العربية، التي تم مداراتها وتجاهلها كثيرا بدليل أنه في عام 2016 أشارت الإحصائيات الرسمية في فلسطين، إلى مقتل ثلاث وعشرين امرأة وفتاة، على يد أحد أقارب الدرجة الأولى الذي يفترض به أن يكون، مصدر الأمان والحماية، والجدار المنيع الذي تستند إليه المرأة أو الفتاة. وعلى الرغم من بذل الجهود لمحاربة العنف ضد النساء، لكن مازال إعدام النساء يتم بدم بارد داخل أسرهن، بعد سنوات من الموت البطيء نتيجة الإيذاء والتعنيف، والنسبة آخذة بالتزايد، وهذا يدل على أن المعالجة لم تصب جذور المشكلة، القائمة على المعتقدات السلبية، والفكر الأبوي السائد، وأساليب التربية القائمة على التمييز بين الجنسين، خصوصا في بعض المناطق المهمشة والقرى.
ألم يئن الأوان لإقرار قانون حماية الأسرة من العنف، وإقرار مسودة قانون العقوبات الفلسطيني، وتوفير بيئة آمنة للنساء وللنساء المعنفات؟
على الرغم من انضمام فلسطين في السنوات الأخيرة لعدة اتفاقيات خاصة بالمرأة، آخرها اتفاقية "سيداو". إلا أنه مازال معمولا بقوانين عفا عليها الزمن، حيث ما يزال قانون الأحوال الشخصية الأردني نافذاً في الضفة الغربية، وقانون أحكام العائلة المعمول به في قطاع غزَّة والذي يتضمن أحكاماً مميزة ضد المرأة، وإجراء تعديلات على بعض هذه القوانين لا يعني أن المشكلة قد انتهت، كالمرسوم الرئاسي عام 1918، الذي صدر لتعديل المادة 99 من قانون العقوبات لسنة 1960 لمنع تخفيض العقوبة على الجرائم الخطيرة ضد النساء والأطفال، فالتعديل على القانون لا يعتبر كافيا، إذا لم يتم العمل بالتوزاي بخطة استراتيجية على المستوى المؤسساتي والقانوني والمجتمعي، يكون هدفها الأساسي تغيير برمجة المجتمع السلبية السائدة تجاه المرأة، من أساليب التربية والتعليم والمناهج، وغرس المفاهيم والقيم الأخلاقية والدينية، القائمة على المساواة والعدل، ومساءلة ومحاسبة كل من يتطاول على المرأة، ويحيي زمن الجاهلية من جديد، ويشوه صورة المجتمع الفلسطيني، المجتمع الأصيل الذي يكرم المرأة ويحترمها ويثمن نضالها ويقدر وتضحياتها. وإلا ما ضمان تطبيق القوانين وإن عدلت أو غيرت، إذا لم يتم تغيير النظرة السلبية السائدة في أغلبية الأسر، هل سيتم وضع شرطي أمام كل منزل لحماية المرأة من العنف أو القتل؟
لا ننسى أن المرأة الفلسطينية ومعاناتها في زخم الأحداث، تستحق أن يسلط الضوء عليها ليس فقط كضحية، وإنما كأيقونة الإنجاز والنضال، من يديها ينبعث نور الحياة والمجد، فهي تستحق أن يكون لأجلها، موجة مفتوحة من وسائل الإعلام، تنديدا بقتل النساء، ورفع الوعي بحقوق المرأة، والتغني بإنجازاتها ومخاطبة الناس من خلال منابر المساجد ودور العبادة، ودعوتهم إلى احترام المرأة وإكرامها، والأخذ بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا". مع فرض رقابة على تطبيق الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة وحقوق الإنسان، ومحاسبة من ينتهكها ودمجها بمناحي الحياة الإجتماعية والسياسية.
بالـتأكيد إن معركة التحرر من المعتقدات السلبية، وتلك المفاهيم السلبية السائدة التي تقوض الشكل الحضاري والديمقراطي والرقي المجتمعي، لفلسطين يجب أن تكون جزءا لا يتجزء من معركة الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال، وإنهاء كل مظاهر التخلف التي يمكن أن تكون عقبة للازدهار والتطور حتى بعد الإستقلال.
فالقصة لن تنتهي عند إغلاق ملف الجريمة وطي صفحتها، قد ينسى مجتمعنا تلك القصة مع الزمن، لكن ماذا عن حسرة الفقد؟ ماذا عن الأطفال الذين يتموا؟ والطموحات، الذكريات والأحلام التي اغتيلت والفراغ الذي لا يمكن أن يملأه أحد، ماذا عن السلم الأهلي والأمن المجتمعي، هل يمكن تصور مدى كارثية الوضع في المجتمع الفلسطيني في عام 2030، مع ازدياد عدد الأسر المفككة وتراكم مشاعر العدائية والانتقام بين الأسر الفلسطينية نتيحة القتل والعنف ضد النساء، إنه قتل للمجتمع بأكمله، وتفكيك لنسيجه الإجتماعي، وانهيار لمنظومة القيم الأصيلة وصورة المجتمع الراقية والمشرفة، لقد آن الأوان للاستنفار الحقيقي حول ذلك التهديد الحقيقي للمرأة وكرامتها، وكل سبب حولها من ابنة الحياة إلى مشروع قتيلة.
*ماجستير في حل الصراعات والتنمية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت