حذر مسؤولون وناشطون في مؤسسات المجتمع المدني وممثلو مؤسسات القطاع الخاص من التداعيات الخطيرة لاستمرار الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة ومنع دخول مختلف أنواع المواد وفي مقدمتها مواد البناء والمواد الخام ومنع التصدير، مطالبين بضرورة حشد الجهود من أجل وقف التدهور الحاصل والضغط لرفع الحصار وتمكين مؤسسات القطاع الخاص ودعمها.
كما أوصى المشاركون في ورشة عمل، لعرض ورقة أعدها الدكتور سمير أبو مدللة بعنوان "اقتصاد القطاع الخاص في قطاع غزة.. الواقع والتحديات"، نظمتها شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، بالشراكة مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في قاعة "سيدار" في مدينة غزة بـ"العمل على إقرار خطة استراتيجية لإنعاش القطاع الخاص والنهوض به ".
وأوصوا بتشجيع إنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة في قطاع غزة، ودعم قطاع الخدمات والكهرباء والمياه، والتحول الرقمي، والنفط والغاز من أجل تنمية حقيقية.
وافتتح مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا الورشة مبينا أن الوقت الذي تمر فيه فلسطين صعب جدا، خاصة في ظل تشديد الاحتلال حصاره على قطاع غزة.
وقال الشوا إن القطاع الخاص المحرك الرئيس للتنمية مستهدف من الاحتلال وسياساته واعتداءاته المباشرة، ما ظهر جلياً خلال العدوان الأخير على القطاع من خلال استهداف المصانع والمحال التجارية وعدم إدخال المواد الخام والاستيراد والتصدير.
وأشار الشوا إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، إذ يعتمد 85 في المئة من سكان القطاع على مساعدات قليلة، فيما يُعاني المزارعون من شروط جديدة للتصدير، منتقداً عدم وجود سياسة حقيقية لدعم القطاع الخاص.
وشدد الشوا على ضرورة رفض أي شروط لإعمار قطاع غزة وإلغاء ما يسمى بآلية إعمار قطاع غزة التي تضع قيودا على دخول مواد البناء إلى قطاع غزة والعمل تجاه رفع الحصار الإسرائيلي بشكل كامل
بدوره، قال ممثل مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية د. أسامة عنتر إن المساعدات الدولية لا تغطي سوى 10 في المئة من الخسائر السنوية للقطاعات الاقتصادية.
وشدد عنتر على ضرورة تغيير الواقع، والعمل على تحقيق رؤية اقتصادية واجتماعية تؤهل لرؤية سياسية.
واعتبر أبو مدللة في ورقته أن القطاع الخاص في قطاع غزة "يواجه خطر الانهيار التام مع تفشي جائحة كورونا، واستمرار الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على أكثر من مليوني فلسطيني للعام الرابع عشر على التوالي"، فضلا عن إجراءات مواجهة وباء كورونا.
وحول المؤشرات المؤثرة على القطاع الخاص في القطاع، أشار أبو مدللة إلى أن هناك عددا من المتطلبات الواجب توافرها من أجل ازدهار القطاع الخاص، أهمها معدل نمو الناتج، لافتا إلى أن من شأن زيادة معدل نمو الناتج أن يعطي المستثمرين مؤشراً للتفاؤل عن مستقبل الطلب الكلي والأداء الاقتصادي، ما يحفزهم على تنفيذ مشاريع جديدة.
ولفت إلى أن هناك "عدم استقرار في نمو الناتج الإجمالي في قطاع غزة، وأن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ (12.3%-) خلال العام 2020، ما يدل على ضعف النمو الاقتصادي في القطاع وسلبيته، الأمر الذي انعكس سلباً على نشاط القطاع الخاص".
وأوضح أن من شأن وفرة القروض المصرفية أن تدعم زيادة الاستثمار الخاص، مشيرا إلى أن "معدل نمو التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص انخفض بشكل ملحوظ خلال العام 2020، مقارنة مع العام 2016، وهذا انعكس على قدرة القطاع الخاص في الاستثمار وزيادة الإنتاج بشكل سلبي".
وأضاف أن "الاستثمار يتأثر بما يطرأ على سعر صرف العملة الوطنية من تقلبات على سعر الصرف الحقيقي، الذي ينتج عادة من برامج الإصلاح الاقتصادي المعروضة على الدول النامية، ويأتي مصحوباً بارتفاع معدل التضخم نتيجة زيادة الصادرات وقلة الواردات وارتفاع أسعارها، ما يؤدي لانخفاض عام في الإنفاق، وارتفاع أسعار الفائدة التي تؤثر سلباً على الاستثمار".
وشدد على أن "الضرائب تؤثر مباشرة سلباً على الاستثمار الخاص من خلال تأثيرها على الدخول المتاحة للقطاع العائلي، وتؤدي إلى نقص الادخار والحد من الاستثمار"، فيما يؤثر الإنفاق الحكومي سلبا على الاستثمار في القطاع الخاص عندما تنخفض إيرادات الدولة أو يتراجع الإنفاق لمعالجة التضخم أو العجز المتنامي في الموازنة العامة، ويؤثر إيجابا عندما يرتفع الإنفاق الحكومي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
وأضاف أن "ارتفاع نسبة الأجور والرواتب من الإنفاق الحكومي يعكس ضعف الإنفاق الحكومي الموجه للقطاع الخاص، والموجه للبنية التحتية و النفقات التطويرية، وبالتالي التأثير السلبي على قدرة القطاع الخاص".
وفيما يتعلق بالاستقرار السياسي، رأى أنه "لا يخفى على أحد الوضع غير المستقر اقتصادياً في القطاع، الذي تعرض خلال الفترة الماضية إلى نقص في السيولة بالعملات الثلاث المستخدمة في الاقتصاد الفلسطيني، ما انعكس سلباً على الاستثمار في القطاع الخاص".
واعتبر أن "الديون الخارجية تُعتبر مشكلة مزدوجة التأثير على اقتصادات الدول النامية، مشيرا إلى "ارتفاع الدين الخارجي القائم خلال عام 2020 مقارنة مع العام 2018، حيث بلغ في 2018 ما يقارب من 1031 مليون دولار ليرتفع إلى 1324 مليون دولار خلال 2020، كما أن أغلب الديون لم تستثمر بالشكل السليم من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتنشيط المشاريع الإنتاجية، بل تم توجيهها لسد العجز في الموازنة العامة".
وحول الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا على القطاع الخاص في قطاع غزة، قال أبو مدللة إن "النتائج النهائية أشارت إلى أن 37 في المئة من المؤسسات في القطاع تعرضت للإغلاق عدة أيام نتيجة الإجراءات الحكومية الموجبة"، مضيفا أن نسبة المؤسسات الصغيرة التي أُغلقت بلغت 36 في المئة، والمتوسطة 37 في المئة، والكبرى 47 في المئة.
وأوضح أن مؤسسات الخدمات تعرضت للإغلاق بنسبة 48 في المئة، وهي الأعلى بين المؤسسات الأخرى، بينما كانت المؤسسات المالية والتأمين أقل تعرضاً للإغلاق بنسبة لم تتجاوز 22 في المئة.
وأشار إلى أن "متوسط المبيعات/الإنتاج انخفض مقارنة بالوضع الطبيعي بنسبة 50 في المئة، وأن معظم المؤسسات قالت إن حجم المبيعات/الإنتاج انخفض خلال الأشهر الثلاثة من الإغلاق بنسبة 93 في المئة، مع انخفاض في متوسط المبيعات/الإنتاج بنسبة 55 في المئة مقارنة بالوضع الطبيعي، حيث سجلت المؤسسات التي تعمل في مجال المالية والتأمين أعلى انخفاض في متوسط المبيعات/الإنتاج بنسبة 100 في المئة، ومن ثم الإنشاءات والصناعة بنسبة 94 في المئة".
ولفت إلى أن "51 في المئة من المؤسسات أفادت بوجود صعوبة في توريد المدخلات والمواد الخام أو السلع التامة الصنع والمواد المشتراة، وكانت الأنشطة الأكثر تأثرا من هذه الصعوبات نشاط الإنشاءات بنسبة 73 في المئة، والتجارة 71 في المئة، والصناعة 69 في المئة".
وفيما يتعلق بخسائر القطاع الخاص جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، قال أبو مدللة إن القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والطبية والبنية التحتية "تكبدت خسائر فادحة نتيجة استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي المتعمد للمنشآت العاملة وصلت كحصيلة أولية إلى 300 مليون دولار".
وأضاف أن خسائر القطاع الصناعي والتجاري وصلت إلى 30 مليون دولار بعد قصف الاحتلال عدد من المصانع، وقصف أكثر من 1174 وحدة سكنية وهدمها كليا، فضلاً عن تعرض ما لا يقل عن 7073 وحدة سكنية لأضرار بين متوسطة وجزئية.
وعلى الصعيد الزراعي قصفت الطائرات الحربية مئات الدونمات الزراعية في مدينة خان يونس جنوباً وبيت لاهيا شمالاً، إضافة إلى تضرر عدد كبير من المحاصيل الزراعية، وتدمير عدد من مزارع الدواجن والماشية في المناطق الحدودية، واستهداف 20 منشأة صحية، و31 مصنعاً من مختلف القطاعات الصناعية.
وفي نهاية العرض، جرى نقاش حول مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وقدم عدد من رجال الأعمال والمهتمين عدد من التوصيات.
وعقّب رئيس اتحاد المقاولين أسامة كحيل لأبرز على التحديات والتي اعتبر أن أخطرها هي آلية إعادة الإعمار السابقة GRM والتي لا تزال تمثل الخطر الأكبر على عملية إعمار قطاع غزة، كما تطرق إلى ازدواجية الضرائب وعدم دفع المستحقات من الارجاعات الضريبية لشركات المقاولات بالإضافة إلى تهميش القطاع الخاص من آليات المساعدة والتعويض عن الخسائر.
أما رئيس مجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" فيصل الشوا فاعتبر أن من ضمن التحديات تحديات نقص التمويل المستمر، وانتقد الشوا حالة غياب العوائد المرجوة من الاستيراد من الخارج حيث أن الأموال توجه للخارج في ظل عدم استقبال الأموال في السوق المحلية وبالتالي عدم قدرة البنوك على توفير السيولة النقدية أو توجيه تمويل لتوفير قروض ميسرة للقطاع الخاص.
أشار نبيل أبو معيلق نائب رئيس جمعية رجال الأعمال إلى تراجع قيمة الودائع في بنوك قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية خلال الخمسة عشر سنة الماضية حيث تراجع الاقتصاد الغزي بــ 4 مليار دولار. وأعزى ذلك إلى عدم وجود سياسات لدعم القطاع الخاص في قطاع غزة إضافة إلى تراجع الدعم الدولي الأمريكي والأوروبي لإقراض هذا القطاع في غزة.
وشدد المشاركون في الورشة على أهمية "البحث في إنشاء منطقة تجارية حرة لتنشيط التجارة مع العالم الخارجي، وضرورة وجود شفافية في سياسات الاستثمار بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، مع وجود الربط المعلوماتي اللازم لإقامة المشاريع، وترسيخ التعاون بين شركات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات العامة".
وأوصوا بـ "دعم البنية التحتية للتحول للاقتصاد الرقمي من خلال العمل على إنشاء صندوق وطني ودولي لدعم التنمية التكنولوجية في فلسطين، يستند إلى المساهمات الوطنية المحلية، إلى جانب الجهات الدولية الداعمة لفلسطين، واتخاذ إجراءات لتشجيع الاستثمار في القطاع التكنولوجي الفلسطيني"، فضلا عن "العمل على استيعاب الخبرات الفلسطينية في المجال التكنولوجي وتطويرها، والحدّ من استغلالها من قبل الشركات الإسرائيلية".
ودعوا إلى "دعم قطاع الأعمال بالخدمات والكهرباء والمياه والصرف الصحي (..)، ورفع القيود كافة، المفروضة على الوصول والتنقل إلى الضفة الغربية وبقية العالم (..)، وبناء ميناء بحري، وآخر جوي، ومشاريع المياه والكهرباء".
وأكدوا على أهمية "تمكين الحكومة الفلسطينية من تطوير موارد النفط والغاز الطبيعي قبالة شاطئ غزة، ما من شأنه أن يؤمن الموارد المطلوبة لإعادة تأهيل وإعادة إعمار اقتصاد غزة وإنعاشه، وتعزيز الوضع المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني بشكل عام".
وأوصوا بـ "تشجيع إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة لما لها من دور بارز في تحقيق التنمية الاقتصادية والتخفيف من حدة البطالة، والضغط على مؤسسات الإقراض، التي تقدم القروض الميسرة، لتسهيل إجراءاتها لصالح فئات المجتمع المختلفة والاستفادة من هذه القروض في مشاريع إنتاجية".