أوصت دراسة جديدة إلى إعداد دراسات غير تقليدية تركز على المتلقي من منطلق الغموض وذلك عند الشعراء الفلسطينيين ؛ لحداثة الموضوع وندرة الدراسات التي تركز على المتلقي ، والغموض الذي يرتقي بالمتلقي المعاصر إلى درجة المشاركة الفاعلة في النص، فلم يعد ذلك المستمع السلبي، بل أصبح يقوم بنشاط ذهني مزدوج يتلقى اقتراحات المبدع ثم يعيد إنتاجها ؛ ليكتشف نصه الخاص وفق نظرية التلقي.
جاءت تلك الدراسة خلال مناقشة رسالة ماجستير في اللغة العربية (أدب ونقد) ، يوم الخميس ، للباحث صلاح حسن الوالي بعنوان "الغموض والتلقي في شعر أحمد دحبور" في برنامج الدراسات العليا والبحث العلمي لجامعة الأقصى بغزة، والتي بموجبها منحت له درجة الماجستير من قبل لجنة المناقشة والحكم والتي تضم كل من أستاذ الأدب والنقد في جامعة الأقصى الدكتور أسامة أبوسلطان مشرفاً ورئيساً، ورئيسة قسم اللغة العربية في جامعة الأقصى الدكتورة عبلة ثابت مناقشة داخلية، وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الأقصى سابقا الأستاذ الدكتور عبد الجليل حسن صرصور مناقشاً خارجياً.
واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، مستعينا بأدوات البحث منها الإحصاء والاستبانة كما تقتضيه طبيعة الدراسة، ومعتمدا على تحليل المصادر الرئيسة وهي الأعمال الكاملة للشاعر أحمد دحبور الصادرة مؤخرا عن إتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين عام ٢٠١٧م ، وتحليل النصوص لمعرفة ما في عقل الشاعر دحبور من هواجس تتمثل في (سلطة الجمهور) سواء السامع أو القارئ أو الناقد.
فقد قدم الباحث في دراسته الآراء المتباينة حول الغموض وأسبابه قديما وحديثا وعند العرب وعند الغرب.
وأوضح الباحث أن الغموض كان سمة بارز في شعر دحبور، وقد جاءت على أنماط متعددة ويعود ذلك إلى سعة ثقافة الشاعر أحمد دحبور وقد يصل بالغموض في بعض الأحيان إلى حد الإبهام، وقد تجلى الإبهام في بدايات أحمد دحبور الشعرية ؛ لمحاكاته الرمزيين والسرياليين ،وبخاصة في صوره الصادرة عن الحلم واللاوعي، معتقدا أن تلبية احتياجات الحداثة تتطلب مثل تلك الأساليب.
وقد بين الباحث أسباب وعوامل الغموض في شعر دحبور ،منها عوامل نفسية ،وفلسفية، وثقافية ،ولغوية، عكست موقفًا فكريا لديه ، أظهر قناعته بالغموض.
فيما ذكر الباحث تأثّر الشاعر أحمد دحبور بأفكار الشاعر السوري أدونيس، فقد اعتبره أخطر شاعر بعد المتنبي، وفي بداية كتاباته تأثر بالشاعر خليل حاوي.
وقد توصل الباحث إلى أن الشاعر دحبور تقنع بالشخصيات التاريخية، منها ما يذكر اسمها ومنها ما يتركها غامضة، وعلى المتلقي اكتشافها، وفي كلا الحالين يوظف الشاعر القناع لا ليسرد لنا أحداثا وقصصا تاريخية؛ إنما لإيصال فكرة معينة لا يريد التصريح بها مباشرة لغاية جمالية وهي تحقيق التشويق وإعمال الفكر.
ولم يغفل الباحث أن دحبور كتب فترة الثورة الفلسطينية شعرا واضحا ،لأن الشعر في تلك الفترة صار أداة لتطوير الوعي عند المتلقي ويحثه على مقارعة الاحتلال والتمرد والثورة ضده ؛ لذلك قبل صفة أن يكون شاعرا من شعراء الثورة وصار من أشهرهم.
وفيما يتعلق بالمتلقي فقد بين الباحث أن الشاعر دحبور له القدرة على مخاطبة نوعين من الجمهور (العادي و الناقد) بمستويات لغوية مختلفة مرة واضحة ومرة غامضة.
كما أن أشعار أحمد دحبور تخالف أفق توقعات المتلقيين، فعنصر المفاجأة حاضر بكثافة ويؤدي إلى زيادة الخبرة الجمالية عند المتلقيين و تشعرهم بالمتعة الناتجة عن هذه الإبداعات النصية.
وفي بعض الأحيان اتسمت بعض قصائد أحمد دحبور بالطول الأمر الذي يخلق النفور أو الهروب خاصة عند المتلقين العاديين الذين ليس لديهم القدرة على الصبر في قراءة مثل هذه القصائد.
كما أظهر أن منطقية السؤال والجواب في شعر أحمد دحبور على تحقيق التواصل بينه وبين المتلقي فتارة يطرح السؤال دون جواب؛ ليفتح للمتلقي مجال المشاركة في بناء معنى النص بالإجابة عليه، وتارة أخرى يجعل نصوصه غامضة بالشكل الذي يستفز المتلقي ، فيخلق مساحة من التساؤلات في ذهنه حول موضوع النص ، وتارة ثالثة تتضمن أسئلته الإجابة وعلى المتلقي التقاطها و فهمها .
وأجمل ما في نص دحبور أنه خلق في شعره مجموعة من الفراغات و الفجوات النصية التي تدعو المتلقي إلى إكمالها بكلمات محددة أو غير محددة ، ليشارك المتلقي معه في بناء النص ومعانيه.
وفي الختام أثنى المشرفون على أهمية الدراسة وأهمية التحليل القصائد الأمر الذي وصل في بعض الأحيان إلى التأويل من قبل الباحث.