-
اشرف صالح
في حياتنا الطبيعية يجب أن تكون سياسياً أو كاتباً أو إعلامياً أو فناناً أو رياضياً أو مسؤولاً في الدولة , أو رجل دين وداعية , لكي تحصل على الشهرة وتتصدر صورتك الشخصية وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والصحف الرسمية , وإذا لم تتمكن من ذلك فمن الممكن أن تكون مشهوراً بقضاء الله وقدرة لنرى صورتك الشخصية تتصدر صفحات الحوادث سواء كنت الجاني أو المجني عليه , أو صفحات الغرائب والعجائب , وربما تكون من ضحايا "الإنقسام والإحتلال" لنرى صورتك للمرة الأولى والأخيرة , وبعد ذلك نرى صوراً لضحايا آخرين.. هذه هي الشهرة في حياتنا الطبيعية , فهي تنقسم الى قسمين , القسم الأول بحكم العمل والمهنة والموهبة "الشهرة الثابته" والقسم الثاني وهي شهرة بحكم القضاء والقدر , وهذه الشهرة تأتي مرة واحدة في العمر , وبعد ذلك يبدأ الناس في نسيانها .
أما على الفيسبوك فالأمر مختلف تماماً , فرغم أن الفيسبوك مجرد موقع للتواصل الإجتماعي , إلا أن الناس وخاصة محبين الشهرة وجدوا فيه ما لم يجدوه في منصات الشهرة الحقيقية "وسائل الإعلام الرسمية" , ومن هنا بدأت المشكلة , فكلما زادت الرغبة في الشهرة كلما زادت جنون الشهرة , فمثلاً لو قام شخص بكتابة موضوع معين بهدف لفت أنظار الأصدقاء له , والحصول على إعجابات أو تعليقات , ولم يحصل على الإعجابات والتعليقات المطلوبة , حينها يضطر لكتابة موضوع ملفت للنظر أكثر وأكثر كي يحصل على مراده , وهكذا يدخل في دوامة البحث عن الشهرة , فكلما إبتعدوا الناس عنه كلما جن جنونه ليصل الى مرحلة نشر حياته الخاصة على صفحات الفيسبوك بهدف الحصول على الشهرة , وفي المقابل هناك أناس نجحوا في الحصول على إعجابات وتعليقات كثيرة وإعتقدوا أنها شهرة , ولكن في الحقيقة وجدوا أن هذه التعليقات تنقسم الى ثلاث أقسام , القسم الأول شتائم , والقسم الثاني سخرية , والفسم الثالث مجاملات , وبالطبع نتج عن هذه التعليقات دخول صاحب المنشور"البوست" في مشاكل مع نفسه أولاً ومع الأصدقاء المتابعين ثانياً , وأصبح يسأل نفسه "هل أصبحت مشهوراً أم أصبحت مثار سخرية أو مثيراً للجدل والفتنة بسبب منشوري هذا" ويدخل صاحب المنشور في دوامة بين جنون الشهرة وشتائم وسخرية ونفاق ومجاملات المتابعين .
وللأسف الشديد جنون الشهرة تعدى مرحلة نشر الخصوصيات وكتابة أي كلمات قد تخطر على البال , والتصوير مع المسؤولين وما شابه , بل إن جنون الشهرة أخذ طابع التعدي على حقوق الناس , بدأ من تصوير المرضى وهم في غرف العمليات دون إستأذانهم , وتصوير الأموات في الثلاجات دون إستأذان دويهم , وتصوير الحوادث البشعة لبعض الأشخاص دون مراعاة خصوصياتهم , فأحياناً نرى صورة شخص عاري الجسد ودمائه تسيل وهو في غيبوبة , وكل هذا بسبب أن صديقه قام بتصويرة دون ان يدري ونشر الصورة على الفسيبوك بهدف الحصول على تعليقات كثيرة .
أما الظاهرة الأكثر إنتشاراً في عالم جنون الشهرة , فهي نشر الأخبار الكاذبة , وليس أي أخبار , فهي أخبار تتعلق بمشاهير حقيقيين كي تنتشر بسرعة وتحصل على تعليقات كثيرة , فأنا شخصياً قرأت خبر موت الداعية السلفي "محمد حسان" ألف مرة , وقرأت خبر وفاة الفنان "عادل إمام" ألف مرة , ومن هنا تبدأ المشكلة التي تعاني منها وسائل الإعلام الرسمية , فهي تضطر أن توضح للرأي العام حقيقة هذا الخبر , كون الشخصية المستهدفة من الخبر شخصية عامة ومشهورة , وهذا يتطلب جهد وبحث وإتصال وتدقيق من وسائل الإعلام الرسمية , وكل هذا التعب بسبب شخص كاذب يعاني من جنون الشهرة , ويكتب أخباراً كاذبة بهدف الحصول على تعليقات وإعجابات الأصدقاء .
الخلاصة.. إن ما نقرأه على الفيسبوك من كذب ونفاق ودخول في الخصوصيات , وإنتهاك حقوق الآخرين والتصوير مع المسؤولين والشتائم والسخرية , لا يصنع الشهرة بل يصنع جنون الشهرة... فإذا أردت أن تكون مشهوراً يجب أن تكون إنساناً منتجاً ومجتهداً وصاحب رؤية وفكرة وبصمة .
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت