- طبيب : حروق الأسيرة جعابيص من الدرجة الثالثة وهي بحاجة للعلاج بالليزر والعمليات الجراحية أو العلاج الطبي حسب المعاينة .. "ما زال هناك وقت للمساعدة في علاجها بأي وقت"
استيقظت الأسيرة المحررة حلوة حمامرة في إحدى ليالي صيف حزيران الماضي عندما كانت بالمعتقل، على صوت أنين بالغرفة، حيث كانت إسراء جعابيص تئن ألماً.
أسرعت حمامرة وباقي الأسيرات في سجن "هشارون" نحو إسراء التي كانت تشعر وكأن النار تشتعل داخل جسدها، لتأتي على الفور بوعاء ماء وتسكبه على جسدها لعدة مرات لتخفف آلامها ولو قليلًا.
فارق النوم عين إسراء جعابيص تلك الليلة وغيرها من الليالي من شدة ألم الحروق التي أتت على أكثر من 60% من جسدها، ووجهها، وتبقى تنتظر العلاج "الأكامول" والذي غالبًا يأتي صباح اليوم التالي.
"كثيرًا ما كنا نصحو على إسراء، لنجدها واقفة تحت الماء البارد من شدة الحر التي تشعر به" تقول الأسيرة المحررة حمامرة من قرية حوسان غرب بيت لحم، والتي أفرج عنها في الخامس من آب الماضي بعد قضائها قرابة ستة أعوام.
وتضيف المحررة حمامرة، الطقس في سجن "هشارون" حار جدًا وبشكل لا يحتمل خلال فصل الصيف، والرطوبة فيه مرتفعة جدًا بفعل قربه من البحر، إضافة للتهوية السيئة في الغرفة، الأمر الذي سبب لإسراء تهيجات في الحروق، وأوجاعًا مختلفة.
التقت حمامرة بإسراء في ذات القسم سنوات عدة، وعاشت معها أوجاعها، ولطالما كانت تتفاجأ من القوة والعزيمة التي تمتلكها، رغم أوجاعها الجسدية والنفسية، بسبب ما خلّفته الحروق من أضرار تسببت بتغيير ملامحها كليا، وأدت لالتصاق كتفها الأيمن من تحت الإبط بجسدها، حيث أصبحت عاجزة كليا عن تحريك يدها، كما التصقت أذناها برأسها بفعل النيران.
"كثيرًا ما كانت تتألم وما زالت حتى الآن من ظهرها، ويديها، وتشعر بحرقة في العين، والاحساس الدائم بالدوار، وكلما ذهبت للعيادة وطالبت بإجراء عملية تجميل لها، يردون عليها باستهزاء بأنها لن تعود كالسابق حتى لو أجريت لها عملية"، تضيف حمامرة.
وتتابع: "تواجه إسراء صعوبة في تحريك يديها، وعندما تريد القيام بأي عمل يتطلب جهدا ولو بسيطا كانت تجرح يدها، وكانت تواجه صعوبة في النوم، وتشعر بقلق شديد".
وتقول: "رافقتها أُثناء تنقلات البوسطة للعلاج، وخلال الرحلة كانت تشعر بآلام قوية لا تقوى على تحملها، وذات مرة أخبرتني أنها نادمة لخروجها، حينها كان السجان ينظر اليها بفرح شديد مستمتعًا بعذابها، لدرجة أنها صرخت في وجهه مطالبة إياه بأن يدير وجهه عنها، أو أن ينظر لها باحترام".
العام الماضي، وخلال جائحة كورونا، وبينما كانت مكبلة اليدين والقدمين أثناء تنقلها بين العيادات، صرخ بها أحد الجنود موبخًا إياها لعدم ارتدائها قفازات، لترفع يديها في وجهه وتقول: لا توجد يدان.
وتوضح حمامرة، "كان من الصعب عليها أن تأكل أو تشرب بشكل طبيعي بعد أن ذوبت الحروق شفتها السفلى، وكان الأكل يتساقط منها، بالتالي كانت تحتاج لكأس مزودة أنبوب صغير تستطيع الشرب منها بأريحيّة، وإلى بدلات خاصة، حصلت عليهما بعد أشهر طويلة من الطلب والإلحاح".
والأسيرة إسراء جعابيص (36 عاما)، من مواليد جبل المكبر في مدينة القدس المحتلة، أتت الحروق على أكثر من 60% من جسدها ووجهها عقب اندلاع حريق في المركبة التي كانت تقودها في تشرين الأول عام 2015، بعد أن انفجر بالون الهواء في المقود، بالقرب من حاجز الزعيّم شرق القدس المحتلة، لتصبح بين ليلة وضحاها من وجهة نظر الاحتلال "مجرمة"، وتحاكم بتهمة محاولة تنفيذ عملية دعس.
ورغم كل معاناتها، إلا أن جعابيص كانت قوية ولديها إرادة لا تلين أبدًا، وهو ما أثار استغراب الأسيرات دائما، فقد كانت الحضن الدافئ لهن، خاصة الأسيرات الجرحى، والصغيرات في العمر، وهي من أضحكت الكثير منهن.
ابتكرت إسراء أساليب عدة تسهل عليها العمل، كتعلم مسك الإبرة بطريقة لا تؤذي نفسها، وأن تستعمل الحمام لوحدها، أو تمسك القلم لتكتب، على الرغم من أنها قد تستغرق 3 أيام لتكتب رسالة لأحد مثلا، حسبما تقول حمامرة.
وهو ما أكدته أيضًا الأسيرة المحررة سلام أبو شرار من بلدة دورا جنوب الخليل، والتي التقت بها قبل الإفراج عنها في العام 2017.
وتقول: كانت دائمًا تقوم بتحضير الهدايا لعائلتها على قدر استطاعتها، كالتطريز، وعمل دمى لإبنها معتصم بمساعدة الأسيرات، وكانت تقوم بدور المهرج في داخل السجن، وتكتب السيناريو المقترح وتقوم بتأديته، رغم أنها كانت تعاني من سوء التركيز والحفظ بسبب كل ما جرى معها".
وتضيف المحررة أبو شرار، "عند ذهابي للمحكمة، وعودتي في وقت متأخر، كانت إسراء تنتظرني باب الغرفة وعندما تراني تسألني ماذا جرى معي؟ لغاية الآن صوتها يتردد في أذني، ومع مرور الأيام تكتشف أنك تتعامل مع انسانة فيها مزيج من المشاعر المتداخلة".
بدوره، قال الطبيب الخاص بالعناية بالجلد والليزر الطبي صلاح صافي، إن حروق الأسيرة جعابيص من الدرجة الثالثة، وهي بحاجة للعلاج بالليزر والعمليات الجراحية، أو العلاج الطبي حسب المعاينة، مؤكدًا أنه ما زال هناك وقت للمساعدة في علاجها بأي وقت.
منى جعابيص، قالت إن شقيقتها إسراء بحاجة لعدة عمليات حيوية، وتجميلية، في الأنف، وفي شفتها السفلى، وفي كف اليدين بسبب ظهور العظم لديها، وفي الأذن أيضًا، ووضعها الصحي كما هو، حيث تعاني من مشاكل صحية كالنظر، والتنفس، والسمع، وأوجاع في أقدامها، والأذن، وجفاف في الجلد، رغم تعنت الاحتلال ورفضه علاجها بدون أسباب تذكر، حتى أنه لم يقدم لها كريمات مرطبة للجلد بسبب الجفاف الذي قد يسبب تقرحات".
مؤخرًا، أطلق نشطاء وأسرى محررون حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "#أنقذوا إسراء جعابيص"، للمطالبة بالإفراج عنها، خاصة أنها بحاجة لتدخل طبي، وتحتاج لأكثر من ثماني عمليات جراحية لتستطيع العودة إلى ممارسة حياتها بشكل شبه طبيعي.
وعن ذلك تقول منى: آمل أن تكون الحملة كبيرة، وتستمر بنفس المستوى حتى الإفراج عن شقيقتي، كما جرى مع الأسير المحرر الغضنفر أبو عطوان.
وأكدت أنها أطلقت حملة في العام 2017 من أجل علاج شقيقتها، وتم بالفعل إجراء عمليتين لعينها والتصاق جلدها بإبطها الأيمن، وتلاها حملة للاستمرار بالعلاج، لكن لم تعط أي نتيجة، وغيرها من الحملات.
من جانبه، قال مدير مركز الدفاع عن الحريات "حريات" حلمي الأعرج، إن اعتقال إسراء جعابيص وهي بحاجة لإجراء العديد من العمليات الدقيقة سواء التجميلية أو العلاجية، ومماطلة الاحتلال في إجرائها ورفض إطلاق سراحها هو مخالف للقانون الدولي وللقانون الدولي الانساني وقضايا حقوق الانسان، إذا يفترض أن يتم إطلاق سراحها لتلقي العلاج المناسب، لأن هناك خطر على حياتها.
وجدد مطالبته بضرورة الإفراج عن الأسيرة جعابيص، وتحسين ظروفها النفسية والجسدية بإجراء العمليات المطلوبة لها، داعيًا لمزيد من هذه الحملات والتحرك على المستوى الدولي لتعرية سلطات الاحتلال والضغط عليها من قبل المجتمع الدولي والرأي العام العالمي لإطلاق سراحها.