- إبراهيم ابراش
مقدمة
مؤشرات عديدة كانت توحي بتراجع حزب العدالة والتنمية إسلامي التوجه في الانتخابات المغربية التي جرت في الثامن من الشهر الجاري، حتى من داخل الحزب كانت التخوفات واردة بعدم تبوء الحزب مكان الصدارة في الانتخابات كما جرى في الدورتين الانتخابيتين 2011 و 2016، إلا أن لا أحد كان يتوقع أن تكون الهزيمة مريعة بالشكل الذي تم.
ما جرى مع حزب العدالة والتنمية جرى مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يساري التوجه قبل ذلك عندما حصل على أعلى الأصوات في انتخابات 1997 وبعد سنوات من المشاركة في الحكومة تراجعت شعبيته بشكل كبير وعانى من أزمات ومشاكل داخلية كبيرة. في الحالتين وبالرغم من وجود بعض الاختلاف في الظروف السياسية التي جاء فيها كل منهما واختلاف التجربة النضالية والخلفية الفكرية يمكن القول إن النظام كان معنياً بجلبهم للمشاركة في السلطة من خلال صناديق الانتخابات، وفي الحالتين فإن منتسبي الحزبين ينتمون للطبقة الوسطى والفقيرة، كما أن الذين حلوا محلهما أحزاب ليبرالية ومحافظة تقودها شخصيات من الطبقات الغنية وميسورة الحالة .
وحتى نلم بما جرى في الانتخابات الأخيرة يجب وضع العملية الانتخابية في سياقها التاريخي وخصوصيتها النابعة من خصوصية التجربة الديمقراطية المغربية ومركزية المؤسسة الملكية باعتبارها راعية وموجهة المسار الديمقراطي، بل يمكن اختزال نتائج الانتخابات بالقول: أنهزم (الإسلاميون) وانتصر أمير المؤمنين .
أولاً: خصوصية النموذج المغربي للديمقراطية
في الوقت الذي تغيب فيه الديمقراطية كلياً عن بعض الدول العربية التي ما زالت ترى في الديمقراطية ومستلزماتها من انتخابات وتعددية سياسية وحزبية ودستور الخ تعارضاً مع الدين الإسلامي ومع الخصوصية الثقافية والمجتمعية أو تهديدا لهيمنة الطبقة أو الطائفة المهيمنة، ويتعثر المسار الديمقراطي أو يسير ببطء في الدول الأخرى التي مارست العملية الديمقراطية وبعضها كان رائداً في هذا المجال كلبنان، وفي الوقت الذي تواجه فيه كل الدول العربية تقريباً تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية خطيرة وبعضها يعاني من حروب أهلية، في هذا الوقت يواصل المغرب مسيرته الديمقراطية بانتخابات تشريعية هي الخامسة في عهد الملك الحالي محمد السادس وسبقها تسع جولات انتخابية في عهد الملك الحسن الثاني كانت أولاها في 1963، مما يعني أن خيار التعددية السياسية والديمقراطية أصبحت ثابتاً من ثوابت الحياة السياسية في المغرب، حتى المحاولتان الانقلابيتان اللتان جرتا في بداية السبعينيات وما سبقهما وصاحبهما من قمع والتحديات الناتجة عن مشكلة الصحراء والخلاف مع الجزائر لم تدفع النظام السياسي والمؤسسة الملكية للتراجع عن هذا المسار.
من السابق لأوانه القول بأن المغرب أصبح منتمياً لنادي الديمقراطيات العريقة كما هو في بلدان الغرب واليابان وغيرها، ففي الديمقراطية المغربية شيءٌ من عيوب الديمقراطيات العربية التي يُعيقها الموروث الثقافي والديني والوضع الاقتصادي والفساد الإداري وسيطرة مرجعية عليا تسمو على المؤسسات المنتخَبة وتراقب وتوجه الأمور، حتى يجوز القول بأن الحكومة التي تفرزها الانتخابات والعملية الديمقراطية في البلدان العربية لا تحكم بالفعل بل تُسيِر وتَدبر الأمور الحياتية للمجتمع، أما رسم السياسات الكبرى ووضع الاستراتيجيات فتبقى في يد المرجعية العليا- الرئيس /الملك وبطانته أو المؤسسة العسكرية أو المؤسسة الدينية- وفي المغرب المؤسسة الملكية.
وفي سياق الحديث عن الخصوصية فإن اختيار المسار الديمقراطي كان إرادة ملكية منذ بداية الاستقلال حيث رفض الملك آنذاك طلب حزب الاستقلال تطبيق نظام الحزب الواحد على البلاد، ويبدو ان الملك كان يفضل أن يكون الشعب ضمان حماية الملكية والبلاد حتى لا يكون مرتهنا للحزب القوي آنذاك وهو حزب الاستقلال الذي شارك الملك محمد الخامس في حرب التحرير.
المؤسسة الملكية في المغرب غير مقتصرة على الأسرة الملكية أو العائلة العلوية، فهذه الأخيرة قليلة العدد بل هي أصغر أسرة مالكة في العالم، فباستثناء الملك محمد السادس لا يتولى أحد من العائلة المالكة مناصب سياسية أو سيادية، وهذا عكس الملكيات في الدول الأخرى وخصوصاً العربية حيث عدد أفراد العائلة المالكة يُقدر بالآلاف ويشغلون أهم المراكز القيادية والسيادية السياسية والاقتصادية والعسكرية. وتكمن قوة المؤسسة الملكية في المغرب بعمقها الشعبي واحتضان الشعب لها حيث تدين لها كل الطبقات والفئات والأحزاب السياسية بالولاء لأنهم لا يشعرون بثقلها المباشر عليهم، وما كان للملكية في المغرب أن تستمر طوال أكثر من 1200 سنة لولا هذا الارتباط بين الشعب والعرش بالإضافة إلى الصفة الدينية التي يتمتع بها الملك كأمير المؤمنين.
بالرغم مما حققه المغرب من تقدم في مسار الديمقراطية إلا أن انتقادات يوجهها الناشطون في حقوق الإنسان وبعض قوى المعارضة عن وجود انتهاكات لحقوق الإنسان وعدم مساواة في توزيع الثروة ووجود امتيازات متوارثة لبعض الشرائح المجتمعية وقوة تأثير وتدخل الدولة العميقة أو المخزن كما يسميها المغاربة في الحياة السياسية، أيضاً الاحتجاجات في منطقة الريف شمال المغرب، إلا أن هذه الانتقادات في عهد محمد السادس أقل مما كانت في عهد والده الحسن الثاني، كما حدث تغيير في علاقة الملك بالمؤسسات المنتخبة منذ عام 2011 عندما تم تعديل الدستور وتم تقليص بعض صلاحيات الملك ليصبح الحكم أكثر ملكية دستورية، وجاء هذا التعديل اتقاء لوصول لهيب فوضى الربيع العربي للمغرب .
بالرغم من كل الانتقادات للتجربة الديمقراطية المغربية إلا أن هذا المسار ساعد على توفير استقرار سياسي لعقود وأسس لنظام سياسي يجمع أو يوفق بين الأصالة والمعاصرة، بين حق الشعب في التعبير عن رأيه وإرادته ووجود مؤسسة ملكية تسمو على كل المؤسسات والملك أمير مؤمنين والممثل الأسمى للأمة كما تنص المادة 19 من الدستور ، كما وحدت الشعب بكل أعراقه حول القضايا الكبرى وحول التمسك بالمسار الديمقراطي حيث شارك في الانتخابات الأخيرة غالبية الأحزاب السياسية الفاعلة- 31- ومن مشارب وأيديولوجيات متعددة، دينية ويسارية وشيوعية وقبلية، تنافست على 395 مقعداً في البرلمان بالإضافة إلى مقاعد المجالس الجهوية والمحلية، وفاقت نسبة المشاركة 50% ممن يحق لهم حق التصويت وعددهم 18 مليون تقريباً، وكانت مشاركة الشباب واضحة وكأن هناك إرادة شبابية بالتغيير وإزاحة الطبقة السياسية المشكِلة للحكومة.
ثانيا: سقف الديمقراطية وحدود صلاحية الحكومة التي ينتخبها الشعب
قبل التعقيب حول نتائج الجولة الأخيرة من الانتخابات التي جرت في الثامن من سبتمبر الجاري يمكن القول بأن هذه الانتخابات تشكل من حيث الأهمية وما سيترتب عليها من تداعيات على المسار الديمقراطي المحطة الثالثة أو المنعطف الثالث في المسار الديمقراطي حيث لا تقل أهمية عما جرى في عامي 1998 و 2011 .
قبل عام 1998 كانت الحياة السياسية تتسم بالرتابة وتُحيط الشكوك بالعملية الديمقراطية وكانت الانتخابات تجري بين أحزاب أغلبها من صناعة النظام وموالية له (أحزاب المخزن) أو الأحزاب الإدارية كما كانت تسميها قوى المعارضة، وكانت المعارضة وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يساري التوجه تُقَاطِع الانتخابات وتشكك في نتائجها، وكانت العلاقة بين النظام والمعارضة متوترة لدرجة أن حَمل بعض أطراف المعارضة السلاح في مواجهة النظام، وكان الرد مزيداً من الاعتقالات والقمع بل واتهمت المعارضة النظام المغربي باغتيال قيادات من المعارضة، المهدي بن بركة في باريس 1965 وعمر بن جلون في الدار البيضاء 1975 ، كما صدرت أحكام بالإعدام على قيادات أخرى ومنهم قيادات في الاتحاد الاشتراكي.
التحول في العلاقة بين الطرفين جرى عندما هندس ورعى وزير الداخلية الأسبق والرجل القوي في النظام إدريس البصري شكلاً من المصالحة بين القصر وقوى المعارضة اليسارية واصدار الملك عفواً عن المعارضين السياسيين وعاد كثير منهم إلى المغرب، وقرر حزب الاتحاد الاشتراكي خوض غمار الانتخابات عام 1997، وشكل حكومة التناوب (من 1998 إلى 2002) التي ترأسها زعيم الحزب عبد الرحمان اليوسفي –كان يعيش في المنفى في فرنسا وحُكم عليه بالإعدام إلا أن الملك الحسن الثاني أصدر عفواً عنه في عام 1980 وعاد إلى المغرب- واستمرار الحزب مشاركاً في الحكومتين المواليتين، حكومة التكنوقراطي إدريس جطو (2002- 2007) وحكومة الاستقلالي عباس الفاسي (2007- 2012).
هذه المشاركة كانت منعطفاً ليس فقط في المسار السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي وفي علاقة المعارضة بالنظام بل في المسار الديمقراطي بشكل عام، حيث أدى فشل الحكومات التي ترأستها المعارضة اليسارية أو شاركت فيها في إحداث انجازات ترضى عنها الجماهير الشعبية التي كانت المعارضة تتحدث باسمها، أدى لتراجع شعبية حزب الاتحاد الاشتراكي وتفكك في جبهة اليسار في مقابل تحسين صورة النظام السياسي والمؤسسة الملكية، ولأن الأحزاب الإدارية أو المخزنية كانت في حالة رثة وتنخرها الصراعات والخلافات الداخلية فقد سعى النظام أو شجع على قيام أحزاب سياسية جديدة بقيادة شبابية ومن المقربين من الملك محمد السادس وكان حزب الأصالة والمعاصرة أبرز هذه الأحزاب.
هذا التراجع لليسار والقوى التقدمية واحتدام خلافات داخل الكتلة الديمقراطية، التي تشكلت عام 1993 (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي) فتح المجال أيضاً لصعود الجماعات الإسلامية المعتدلة خصوصاً حزب العدالة والتنمية وممارسة نشاطها بعلنية وبقبول من النظام، واستمر هذا الصعود بتواطؤ من النظام وتعزز عند اندلاع ما يسمى بالربيع العربي وركوب جماعات الإسلام السياسي لموجته وامتداد هذه الموجة لشواطئ الحياة السياسية في المغرب حيث كانت الحاجة لواجهة إسلامية لامتصاص غضب الجماهير.
كانت المحطة الثانية في المسار الديمقراطي مرتبطة بتخوفات من النظام المغربي من وصول رياح فوضى الربيع العربي للمغرب وخصوصاً بعد قيام تظاهرات واسعة في المدن الكبرى (حراك 20 فبراير) تطالب بالتغيير بل ورفع بعض المتظاهرين شعار إسقاط النظام، فاستبق النظام ما هو أسوأ فتم تعديل الدستور من خلال استفتاء جرى في الأول من يوليوز 2011 ثم انتخابات في نوفمبر فاز فيها حزب العدالة والتنمية إسلامي التوجه، وشكل الحزب حكومة برئاسة عبد الإله بنكيران بمشاركة خمسة أحزاب : العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، واستمر حزب العدالة على رأس الحكومة لولايتين تشريعيتين مع تغير في التحالفات وداخل قيادة حزب العدالة.
أصاب التيار الإسلامي ما أصاب حزب الاتحاد الاشتراكي وقوى اليسار من تراجع في الشعبية واتهامات بالعجز عن تنفيذ الشعارات التي كان يرفعها الإسلاميون وهم في المعارضة سواء فيما يتعلق بتدبير الشأن العام وخصوصاً في المجال الاقتصادي أو في السياسة الخارجية حيث تم التطبيع مع إسرائيل في عهد حكمهم وبموافقتهم وهم الذين كانوا يقودون مظاهرات ترفع شعارات "الموت لإسرائيل"، وتم ما يمكن تسميته (مخزنة) الحزب كما جرى مع حزب الاتحاد الاشتراكي وكل حزب يشارك في الحكومة.
ما جرى في منعطف 1998 ومنعطف 2011 من تراجع للأحزاب اليسارية والتقدمية والإسلامية بعد أن تم مخزنتها سيؤدي لأن تتحول الانتخابات الأخيرة إلى منعطف جديد ظهرت أهم ملامحه في تزايد إقبال الشباب على المشاركة وكثرة عدد الأحزاب المشاركة وبروز واضح لمشاركة المرأة في التصويت والترشيح، والأهم من ذلك إحساس متزايد عند الشعب بمركزية وأهمية المؤسسة الملكية كضامن وحارس للاستقرار والأمن في البلاد وللمسار الديمقراطي، كل ذلك أدى لصعود الأحزاب الليبرالية والمحافظة حيث حصد حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة عزيز اخنوش وهو حزب ليبرالي مقرب من القصر وتنتمي قيادته للطبقة الثرية 102 مقعداً، ويليه حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة عبد اللطيف وهبي 87، حزب الاستقلال برئاسة نزار بركة 81، أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برئاسة إدريس لشكر فحصل على 34، حزب الحركة الشعبية 28، حزب التقدم والاشتراكية 22، الاتحاد الدستوري 18، أما حزب العدالة والتنمية فكانت خسارته فادحة وفاضحة حيث حصد 13 مقعداً فقط حتى زعيم الحزب ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني لم يفز في دائرته الانتخابية، الأمر الذي أدى لأن تقدم الأمانة العامة للحزب استقالتها.
قد يكون ما جرى أمرا عاديا في الحياة الديمقراطية وقد جرت أمور مشابهة في تجارب ديمقراطية أخرى، حيث لا حزب يُخلد في السلطة وإلا تفقد الديمقراطية معناها باعتبار قيمتها تكمن في التداول على السلطة، إلا أنه بالنسبة للمغرب فإن المشاركة في الانتخابات والحكومة لا يعني ممارسة الحكم الفعلي، كما أن المعارضة التي تشارك في المسار الانتخابي والديمقراطي لا تعارض النظام بشكل عام بل تعارض الحكومة وأحزابها، أما النظام الذي عنوانه المؤسسة الملكية والملك بصفتيه الدنيوية والدينية كأمير المؤمنين فهو القاسم المشترك الذي يجمع كل المغاربة وليس محل محاسبة أو انتقاد أو منافسة حتى يجوز القول بأن الديمقراطية في المغرب ديمقراطية أمير المؤمنين، وهو بالنسبة لغالبية المغاربة ضامن الاستقرار والأمن، وكل حزب يشارك في العملية الديمقراطية ينصهر في النظام أو تتم عملية (مخزنته) بوعي منه أو بدون وعي .
أسباب وعوامل متعددة كانت وراء هزيمة حزب العدالة والتنمية وتقدم الآخرين ، ولكن من الممكن ذِكر بعض هذه الأسباب والعوامل :
1- حداثة حزب العدالة والتنمية في ممارسة السلطة وعدم توفره على أطر وقيادات وازنة يمكنها شغل المناصب المفصلية في دوائر الحكم، ومن هنا اعتمدوا كثيراً على شركائهم في الائتلاف الحكومي.
2- تحميلهم مسؤولية الفشل في تدبير الملفات الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة تداعيات جائحة الكورونا والتطبيع مع إسرائيل بالرغم من أن رسم ووضع الخطوط العريضة لهذه الملفات كانت تُصنع من طرف الدولة العميقة والمؤسسة الملكية خصوصاً.
3- غياب التنسيق الكامل والثقة بين مكونات الائتلاف الحكومي حيث كان الائتلاف بإيحاء من الملك دون أن تتوفر قواسم سياسية أو أيديولوجية مشتركة بين مكوناته.
4- غياب قيادة كارزمية عند حزب العدالة والتنمية وخصوصاً بعد خروج عبد الإله بنكيران من قيادة الحزب.
5- تشكلت شعبية الإسلاميين عندما كانوا في المعارضة ولعبهم على ورقة الدين والطهرية السياسية ودعم الشعب الفلسطيني ومعاداة إسرائيلـ وانتعشوا مع هبوب رياح ما يسمى الربيع العربي، وعندما أصبحوا في السلطة وتمتعوا بالامتيازات التي تتمتع بها الطبقة السياسية فقدوا ورقة نظافة اليد الذي ميزتهم وهم في المعارضة، كما فقدوا ورقة توظيف الدين حيث لم يُسمح لهم بلعب هذه الورقة في ظل وجود أمير المؤمنين الذي يشكل المرجعية الدينية، أيضا كان للتطبيع مع إسرائيل دور في تراجع شعبيتهم.
6- لم تكن موافقة النظام على إشراك الإسلاميين في الانتخابات والمسار الديمقراطي نابعة من قناعة ذاتية لأن مشاركة حزب إسلامي في الانتخابات وفوزه بالسلطة يشكك بوحدة المرجعية الدينية وهي إمارة المؤمنين، وكان السماح لهم نتيجة وساطة بل وضغوط امريكية مارستها السفيرة الامريكية في الرباط منذ 2006 ليشارك الإسلاميون في الانتخابات المقررة عام 2007 وجاء ذلك في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير لإشراك الإسلام السياسي في السلطة، ثم أضطر النظام للتعامل معهم لاحقا اتقاء من فوضى الربيع العربي عام 2011 وحصوصا بعد ان أصبح لهم تمثيل في البرلمان.
7_ كل القوى السياسية المغربية لم تكن مستريحة لانتصارات (الإسلاميون) في الانتخابات وكانت لديهم شكوك في النوايا الحقيقية لحزب العدالة الذي كان متهما بأنه احد أفرع جماعة الإخوان المسلمين، حتى حلفاء الحزب في التحالف الحكومي كانوا يتعاملون بحذر شديد مع الحزب.
الخاتمة
يمكن القول بأن ما جرى في المغرب ليس بعيداً عما يجري عربياً وهو تراجع الأحزاب الأيديولوجية وجماعات الإسلام السياسي تحديداً التي حاولت التوفيق بين المتناقضات واللعب بورقة الدين والقداسة وركوب موجة الحراك الشعبي الغاضب، فتهديدات فوضى الربيع العربي تراجعت والجمهور والرأي العام أصبح أكثر واقعية واهتماماً بمن يملك القدرة على توفير المتطلبات الحياتية وتأمين الاستقرار وأصبح عند الشعب وعي ولم يعد ينخدع بالشعارات ولا بالخطاب الديني.
قد تكون الاتهامات التي وجهها حزب العدالة والتنمية بحدوث خروقات في الانتخابات صحيحة، ولكن لا يمكن إرجاع هذا الفشل المدوي لبعض حالات التزوير أو تأثير المال السياسي، وخطاب التزوير وتأثير المال السياسي سبق وأن سمعناه في كل الانتخابات السابقة، والمطلوب أن تعيد الأحزاب العقائدية إسلامية كانت أو يسارية النظر في برامجها وبنيتها المؤسسية وهويتها بدلاً من التموقع في مربع المظلومية. كما نأمل من الحزب الفائز في الانتخابات ومن النظام بشكل عام التعامل بعقلانية مع جميع القوى السياسية ومع المشاكل التي يواجهها المغرب وخصوصاً تحدي الخلاف مع الجزائر، لأن أي انزلاق نحو الحرب لا سمح الله سيبدد كل انجازات المسار الديمقراطي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت