- وسام زغبر
- صحفي نقابي فلسطيني/ قطاع غزة
شكلت معركة «سيف القدس» الفصل النوعي الحاسم لمعركة «القدس» خلال المواجهات التي انطلقت شرارتها الأولى في القدس المحتلة في باب العامود في 13 نيسان (إبريل) 2021 وانتقلت إلى الشيخ جراح وسلوان والعيساوية وصولاً إلى المسجد الأقصى الذي بقي لأيام عرضة لاقتحامات عصابات المستوطنين، لتمتد بأشكال نضالية مختلفة لعموم الضفة الغربية قبل أن تصل إلى قطاع غزة، حيث المواجهة العسكرية النوعية لأحد عشر يوماً من 10-21 آيار (مايو) 2021، في مواجهة سياسة التهويد والتهجير والتطهير العرقي والأسرلة والحصار والاقتحامات اليومية للمدن والبلدات الفلسطينية.
الشقيقان التوأمان محمد ومنى الكرد (23 عاماً) المهددين بالتهجير من منازلهما في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، استطاعا دحض الرواية الصهيونية في التحريض على المقاومة الفلسطينية في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الظهور الإعلامي على القنوات والفضائيات المحلية والعالمية، من خلال ما يطلق عليه، «المقاومة الشعبية الناعمة» أو «الدبلوماسية الشعبية» كأسلوب نضالي كفاحي لإيصال رسالة الشعب الفلسطيني الواقع تحت نير الاحتلال إلى المنابر العالمية.
حيث تمكن الشقيقان من إطلاق حملة إعلامية تسلط الضوء على سياسة الاحتلال في التهجير القسري والتطهير العرقي وهدم المنازل للعائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة وإحلال المستوطنين مكانهم، ليصبحا مراسلين في فضح ما يجري في الشيخ جراح أمام العالم وحشد الدعم والتأييد الدولي لفلسطين والقدس.
ذلك الإنجاز العالمي الذي حققه كلاً من محمد ومنى، دفع مجلة «تايم» لإدراج اسميهما ضمن الشخصيات «الأيقونية» في الشرق الأوسط على قائمة من 100 شخصية الأكثر تأثيراً ونفوذاً في العالم لعام 2021.
محمد ومنى ينتصران بخطابهما الإعلامي الاستقطابي العقلاني الإنساني كونهما يدركان أن الإعلام هو سلاح رئيسي في المعركة ومن واجبه كشف النوايا العدوانية للاحتلال وفضح انتهاكاته وجرائمه التي تندرج تحت جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن مهامه تفنيد الرواية الصهيونية المزيفة المبنية على الأكاذيب والخرافات التوراتية. محمد ومنى انتصرا كما انتصر أسرى سجن جلبوع الستة – الذين أعيد اعتقالهم- بكسر منظومة الاحتلال الأمنية التي يتباهى بها دوماً، بأدواتهم البسيطة لكنهم يمتلكون إرادة التحدي والصمود، أن الحرية والنصر حليف الشعوب المقهورة والواقعة تحت الاحتلال مهما طال الزمن أو قصر.
إن أسباب الانتصار الذي حققه محمد ومنى الكرد، هو تبني خطاب إعلامي يستند إلى المقاومة الدبلوماسية وهي شكل من أشكال المقاومة الشعبية الشاملة، واللذين أزالا عوائق الاحتلال الإسرائيلي التي تحول دون فضح جرائمه ونقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى الرأي العام الدولي، في الوقت الذي يعجز الإعلام الفلسطيني بشقيه الرسمي وغير الرسمي بكافة مقدراته على البناء على الإنجازات الوطنية إقليمياً ودولياً، مثلما ما حصل في وحدة الشعب الفلسطيني والتي تجسدت خلال «معركة القدس» ومحاولة البعض إلى نسب الإنجاز لنفسه أو أنه وحده الوازن في فصلها الأخير، فيما البعض الآخر حاول تبهيت المواجهة العسكرية باعتبارها قطعت الطريق على مقاومة شعبية كانت في طريقها للتحول لظاهرة شاملة.
لذلك بات من الضروري بناء استراتيجية إعلامية موحدة تتبنى خطاباً إعلامياً استقطابياً وعقلانياً وإنسانياً، ويستند لحقائق التاريخ والقانون الدولي، وعلى عدالة القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية والالتفاف حول الوحدة الوطنية، لجلب التأييد والانحياز الدولي لصالح قضية الشعب الفلسطيني.
والتساؤل هنا، هل نملك أدواتاً نضاليةً لكسب التأييد الدولي لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية باعتباره الضحية، وأن الاحتلال وقادته هم الجناة والمجرمين. للأسف، نحن نملك أدواتاً ولا نملك خطاباً إعلامياً موحداً، ونتقن ثقافة الاختلاف على كل شيء والذي تعاظم مع سنوات الانقسام الفلسطيني العجاف، حتى على نشيدنا الوطني وعلمنا الفلسطيني، وعلى المنهاج المدرسي من التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والأحياء، ونظام الحكم وأبجديات اللغة العربية.
وهنا يتوجب من الإعلام الفلسطيني أن يميز بين الخطاب المحلي والدولي، فالمحلي يوجه نحو مخاطبة الشعب الفلسطيني ورفع معنوياته وتعزيز صموده، ودعوته للوحدة والتكاتف، ومخاطبة المقاتلين في الميدان باعتبارهم الذراع الحامي والمدافع عن تراب فلسطين دون تفرقة بين فصيل وآخر.
وللأسف عند العدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني تطغى رواية الاحتلال في إدانة المقاومة الفلسطينية ووسمها بـ«الإرهاب»، وتُغيّب صور المدارس والمشافي والشهداء وخاصة من الأطفال والنساء وكبار السن الذين يقتلون على يد الاحتلال الإسرائيلي، وبالمقابل يهدد المقاومون الفلسطينيون على فضائيات محلية ودولية بحرق دولة الاحتلال وزلزلتها. فيما يستعطف الاحتلال عبر اعلامه صورة نمطية معينة ذات طابع إنساني، خاصة في وقت الحروب والأزمات، ولازال يتمسك برواية «المحرقة»، وتحت ذريعة أن العرب والفلسطينيين يحضرون محرقة لإسرائيل، رغم ارتكاب دولة الاحتلال آلاف المحارق ضد الشعب الفلسطيني. هذه الشواهد وغيرها تجعل من العدو ضحية، ومن الضحية جهة معتدية.
وهذا يطرح تساؤلاً، لماذا لا يوجد متحف سواء في الضفة الفلسطينية أو قطاع غزة يتضمن صور القذائف والضحايا والمنازل وابنى التحتية المدمرة، وعرض الأفلام، واستشهادات المواطنين، وكتب ووثائق تتحدث عن فاشية الاحتلال وجرائمه، وهذا يساعد في تكريس صورة العدو وجرائمه.
وهنا تقع المسؤولية على وزارة الإعلام في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، بتسخير كافة الطاقات الإعلامية في خدمة قضايا الشعب الفلسطيني، وإقامة متاحف تبرز الجانب الإجرامي العدواني للاحتلال الإسرائيلي ومشروعه التوسعي الاستيطاني الإحلالي وتكريس الحصار، وتُظهر في الوقت نفسه الجانب القانوني والعادل للمقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعب الفلسطيني في حقه بالنضال والمقاومة بكل الأشكال للخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس وإنجاز حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم وممتلكاتهم منذ العام 1948 .■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت