- رامز مصطفى
- كاتب سياسي
في مهرجان تأبين أمين عام حزب الله المجاهد الشهيد السيد عباس الموسوي الذي اغتاله العدو الصهيوني أوائل العام 1992 ، وقف أمين حركة الجهاد الإسلامي الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي قائلاً " حزبٌ يستشهدُ أمينه العام ، لابد أنه منتصر " .
رؤية استشرافية تقدّم بها االشهيد الكبير ، حولّ ما سيولده استشهاد أمين عام في حزب أو حركة أو فصيل مقاوم ، من حالة نهوض واستنهاض ثوري كفاحي مقاوم متجذر ، لا يقبل أية محاولة للانتقاص أو المساومة على الحقوق الوطنية مهما تعاظمت التحديات وكبرت التضحيات . رؤيته الاستشرافية قد تحققت بعد أن اغتالته يد الغدر الصهيوني أواخر تشرين الأول من العام 1995 في مالطا . فأضحت حركة الجهاد الإسلامي التي أسسها الشهيد الكبير الدكتور الشقاقي وثلة من مناضلي ومجاهدي شعبنا عام 1987 ، حركة جهادية تشق طريق المقاومة بكل ثبات وإيمان لا يتزعزع ، أنّ الطريق الموصل إلى تحرير فلسطين من أول النهر إلى أخر البحر هي بالمقاومة وحدها ، وليس بالمساومة والانخراط في حلولٍ استسلامية تُصفي القضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية . وكان لاستشهاده الأثر البالغ في إعطاء الدفع القوي للحركة ، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من مكانة نضالية وكفاحية مرموقة ، احتلت بفضل تضحيات مجاهديها وقياداتها وقادتها حيّزاً واسعاً في المساحة الوطنية الفلسطينية ، ولتصبح أحد الأعمدة الرئيسية في مقاومة الاحتلال .
كيف لا ، وهي خاضت إلى جانب أخواتها من الفصائل والكتائب المقاومة المعارك المُشرّفة مع العدو الصهيوني ، والتصدي لعدوانيته المتمادية في حروبٍ أربعة ، أرست قواعد اشتباك وقف الكيان الصهيوني بألة قتله العسكرية عاجزاً أمام كسر تلك القواعد ، بل ساهمت الحركة بمسؤولية واقتدار في تعميق مأزقه الوجودي على أرض فلسطين .
الحركة ولتعزيز رؤيتها الجهادية الكفاحية في مواجهة ومقاتلة العدو الصهيوني وكيانه الغاصب ، دأبت على تطوير قدراتها القتالية ، وتطوير برامجها تسلحها ، بما فيها منظومات الصواريخ على تنوعها ومدياتها ، والتي ساهمت في ردع العدو ، ودفعه إلى إعادة حساباته عند كل اندفاعة عدوانية جديدة ينوي الإقدام عليها ضد شعبنا ، ليس في قطاع غزة وحده ، بل وفي عموم أراضينا المحتلة . ومعركة سيف القدس في رمضان الماضي ، خير دليل على أنّ حركة الجهاد بسرايا القدس ، وإلى جانبها كتائب القسام وباقي الكتائب المسلحة من سائر قوى المقاومة ، تحركت دفاعاً عن القدس بمقدساتها وأحيائها . فشكلت بنتائجها منعطفاً إستراتيجياً لصالح قضية شعبنا ، يمكن المراكمة عليه في سياق الصراع المفتوح مع الكيان الصهيوني ، وأعادت توحيد الجغرافية الفلسطينية ، في أراضينا المحتلة عام 1948 وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس .
حركة الجهاد ، نظّر إليها البعض على أنها حركة عسكرية ، لا تعير العمل السياسي أو الحزبي كبير شأن . هذه النظرة وإن في ظاهرها صحيح ، ولكن في المضمون هي تجافي الحقيقة . وعلى فرض أنّ تلك النظرة صحيحة بكليتها ، ولكن على أهمية العمل السياسي ، السؤال الذي يطرح نفسه على أصحاب تلك النظرة ، إلى أين أوصلنا أصحاب تقديم العمل السياسي وتكتيياته على أعمال المقاومة ؟ .
أليست اتفاقات " أوسلو " التي ابتلينا بها بفضل هؤلاء السياسيين الذين قامروا بالقضية وعناوينها . هذا لا يعني ألاّ تقرب الجهاد العمل السياسي المستند إلى قوة المقاومة والكفاح والجهاد ، لأنّ من دونها السياسة تصبح مهلكة لقضيتنا وهذا هو حالنا مع ما جلبته اتفاقات " أوسلو " .
في معرض الدفاع عن حركة الجهاد ، نقول هي تعمل بالسياسة من منطق المقاومة ، والحرص على القضية وعناوينها ، وإبراز المظلومية التي وقعت على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا بفعل ما تعرضنا له على يد محتل ، لا سند لوجوده على أرضنا ، سوى أنه مغتصب بقوة القتل والمجازر ، وبتواطؤ من القوى الاستعمارية ، والاستكبار العالمي والنظم الرجعية ، وصمت المجتمع الدولي المرتهن للإدارة الأمريكية . وما الرؤى السياسية التي طرحتها حركة الجهاد ، في مساهمة وطنية مسؤولة ، في سياق معالجة المأزق الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية بسبب اتفاقات " أوسلو " والرهانات البائسة على مفاوضات يتم استجدائها من عدونا الذي لا يأبه بها أو يقيم لها أي وزن ، بل يمعن في سياساته الإجرامية بحق شعبنا ، وينفذ بشكل ممنهج فرض وقائعه على عناوين قضيتنا في القدس واللاجئين ومصادرة الأراضي ... الخ .
والمبادرات التي تقدمت بها الحركة ، لرأب الصدع وإنهاء الانقسام ، وإصلاح منظمة التحرير من خارج برنامج " أوسلو " ، والدعوة إلى الخروج منها ، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني ، وفي مقدمته الانحياز إلى خيار شعبنا في المقاومة . ومن ثمّ انخراطها في كل الحوارات الفلسطينية منذ العام 2003 وحتى العام 2021 في كل من القاهرة وموسكو وبيروت ، إلاّ دليل على أنها لا تعيش حالة من الإنغلاق السياسي طالما أنه يحقق المصالح الوطنية العليا لشعبنا وقضيته الوطنية .
الأهم أنها لم تخطئ بوصلة تحالفاتها ، فهي استندت في ذلك على عمقين إستراتيجيين ، سورية وإيران وقوى المقاومات العربية في لبنان والعراق واليمن ، ومع قوى وأحزاب عربية وإسلامية وعالمية . وحددت بوضوح أنّ التناقض الرئيسي هوّ مع الاحتلال الصهيوني وكيانه المصطنع ، ومع الولايات المتحدة الأمريكية والنظم الرجعية المطبّعة مع العدو ، على حساب حقوقنا وثوابتنا .
الحركة وقفت ولا زالت منذ تأسيسها عند رفضها مشاريع التسوية والتفريط والتنازل والتخاذل ، أو أشكال الحلول التسووية وأنصافها ، والاعتراف بالكيان والتسلييم بشريعة وجوده بموجب وثائق الاعتراف المتبادل بين المنظمة والكيان . وبالتالي عدم إيمانها بالبرنامج المرحلي ، الذي سيؤدي إلى الجلوس والتفاوض مع العدو الصهيوني .
ختاماً تحية كبيرة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بمناسبة انطلاقتها الجهادية ألـ 34 بقيادة المجاهد زياد النخالة الأمين العام للحركة ، التي أثرت الحركة الوطنية الفلسطينية ببعدها الإسلامي الجهادي المقاوم . وإلى روح مؤسسها الشهيد القائد فتحي الشقاقي ، والدكتور رمضان شلح ، وسائر شهدائها من قادة ومجاهدين ومقاومين . وإلى سراياها المسلحة ، سرايا القدس التي أبدعت ولا زالت تبدع في ميادين المقاومة في مقارعة العدو ، المرتبك أمام عظمة المقاومة في غزة ، كما في الضفة الغربية والقدس وأراضينا المحتلة عام 1948 . وإلى أسراها البواسل في سجون العدو ، الذين يلقنونه يومياً الدروس في معركة الصمود والإرادات الصلبة التي في نهاية المطاف الغلبة فيها لأبطال الحرية ، كما أكد عليه أبطال نفق الحرية من سجن جلبوع في طريقهم نحو القدس .
رامز مصطفى كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت