قوات الثورة الفلسطينية (الجبهة الثالثة) في حرب أكتوبر

بقلم: خالد بارود

د. خالد بارود – باحث فلسطيني
  • كتب خالد بارود

لقد كانت ومازالت حرب أكتوبر المجيدة حدثاً فريداً، وصورة من صور الملاحم البطولية، التي جسدت وحدة العرب وترابطهم، وتحديد عدوهم، وتصويب البوصلة تجاه من اعتدى على جزء أصيل من الكينونة العربية، تلك المعركة التي قادتها مصر وخاضتها كل من مصر وسوريا إلى جانب عدد من الدول العربية وقوات الثورة الفلسطينية، للرد على الغطرسة الصهيونية واسترداد الأراضي العربية التي احتلتها (إسرائيل) عام 1967ورفضاً للهزيمة من خلال هجوم موحد ومفاجئ في عيد الغفران الديني، وقد نجحت القوات العربية في تحقيق نصرعظيم وبارادة قوية، بعد أن تم اختراق خط بارليف الحصين، خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة، ودمرت التحصينات الكبيرة التي أقامتها (إسرائيل) في هضبة الجولان، وحقق الجيش العربي الموحد تقدم كبير في الأيام الأولى للقتال مما أربك الجيش (الإسرائيلي) كما قامت القوات المصرية بمنع القوات (الإسرائيلية) من استخدام أنابيب الناپالم بخطة مدهشة، كما حطمت الأسطورة الوهمية الجيش (الإسرائيلي) مما شكل صدمة وزلزلاً في اسرائيل للجيش الذي لا يقهر، في سيناء المصرية والجولان السوري، كما تم استرداد قناة السويس وجزء من سيناء في مصر، وجزء من مناطق مرتفعات الجولان ومدينة القنيطرة في سوريا.

لقد عرفت مصر وسوريا أن هذه المعركة هي معركة الفلسطينيين أيضاً الذين سلبت أرضهم وتشتت شعبهم على يد العصابات الصهيونية عندما احتلت مدنهم وقراهم، ولذلك كان من الضروري مشاركة الفلسطينين في تلك المعركة، بكل مكونات الثورة الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني بإمكانياته وقدراته العسكرية، وتفوقه في التصدي للاحتلال ومقارعته، ومدى النجاح الذي حققته الثورة الفلسطينية في عملياتها الفدائية وخبراتها القتالية وتجربته اليومية التي تعلمها على مدى سنين تلت اغتصاب أرضه. والتي جعلت كل من مصر وسوريا تحرصان على وضع هذه القدرات العسكرية والخبرات القتالية  في المعركة الكبرى التي يجري الاستعداد لها.

 ونظراً للمصداقية التي مارستها القيادة الفلسطينية مع القيادة المصرية والسورية، فقد تم إبلاغ القيادة الفلسطينية بالحرب وضرورة المشاركة الفلسطينية فيها، لذا فقد وجه الرئيس السادات دعوة للزعيم الراحل ياسر عرفات ( أبو عمار) لزيارة القاهرة في أيلول/ سبتمبر 1973 بصفته رئيساً لحركة فتح إلى جانب عدد كبير من قيادة الحركة، خليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف (أبو إياد)، وخالد الحسن (أبو السعيد)، وسعد صايل (أبو الوليد)، وجميعهم أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح. حيث أبلغ السادات أبو عمار ووفده أن مصر ستشن حرباً لعبور القناة وتحرير سيناء في شهر تشرين أول/ أكتوبر، كما بين ذلك المفوض السياسي للسلطة الفلسطينية الأسبق اللواء مازن عز الدين في أحد لقاءاته عام 2013م حيث ذكر أن أمين الهندي رحمه الله وهو أحد قادة المخابرات الفلسطينية يؤكد أن مصداقية أبو اياد مع القيادة المصرية هي التي دعت الرئيس السادات يتحدث مع القيادة الفلسطينية بقرار الحرب وكان أبو عمار يردد دائماً لم تكن جبهتان بل ثلاثة جبهات حيث كانت الجبهة الثالثة هي الجبهة الفلسطينية من جنوب لبنان وإسرائيل اعترفت بذلك.

ورغم التقليل من دور القوات الفلسطينية تاريخياً والظلم الاعلامي في المشاركة النوعية بهذه الحرب، وبالرغم من تواضع الإسهام -قياساً بحجم الجيوش العربية، وحجم وعدد ونوعية الأسلحة والمعدات الحربية المستخدمة في تلك الحرب- إلا أن شهادات القادة العسكريين أبرزت هذا الدور الفلسطيني في الحرب الذي كان تحت قيادة فلسطينية مستقلة بتنسيق مع القيادات العربية الأخرى وقد كان الإسهام والمشاركة الفلسطينية في الحرب كان نوعياً والأداء بطولياً، والتي اعتبرت جبهة ثالثة على الحدود اللبنانية- الفلسطينية إضافة للجبهتين الأساسيتين المصرية والسورية حيث قامت قوات جيش التحرير الفلسطيني والكتائب الفلسطينية المتنوعة بدور نوعي، سمى آنذاك بحرب العصابات والاستنزاف بهدف إشغال العدو وضرب مراكزه الحيوية وتعطيل خطوط مواصلاته وتشتيت مخططاته، وأجبرت تلك الانجازات الحكومة (الإسرائيلية) خلال الحرب على إرسال مذكرة إلى السكرتير العام للأمم المتحدة، حينئذ (كورت فالدهايم)، احتجت فيها على استمرار عمليات الفدائيين الفلسطينيين من داخل الأراضي اللبنانية، تضمنت عدد العمليات الفدائية والهجمات الانتحارية التي قام الفلسطينيون بتنفيذها، وعددها(36) هجوماً وعملية على مستوطنات (إسرائيلية) مقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في شمال فلسطين، وحمّلت المذكرة لبنان مسؤولية استمرار نشاط الفدائيين الفلسطينيين، وكافة النتائج المترتبة على استمراره.

لقد شكل العمل الفدائي الفلسطيني جبهة ثالثة في القتال خلال الحرب  والتي أكد فيها المفوض السياسي أيضا أن العمل الفدائي الفلسطيني فاق كل التقديرات التي وُضعت لها في البند الخامس من تقرير الفريق أول أحمد إسماعيل علي، الذي أشار إلى أن العمل الفدائي الفلسطيني لعب دوراً أساسيا في المعركة وكان جزءاً لا يتجزأ من قومية المعركة الذي ساهم مع الجبهات الأخرى في تشتيت جهود العدو ضمن الخطة العامة للقوات العربية وأزال العقبات التي اعترضت طريقها.

إن القوات الفلسطينية التي شاركت في الحرب ليست محدودة على وجه الدقة كما هو في حال الجيوش النظامية، ولكن يمكن القول أن الإسهام العسكري الفلسطيني في الحرب شمل كل من:

  • قوات فصائل حركة المقاومة الفلسطينية وقوات جيش التحرير الفلسطيني خارج الأرض الفلسطينية، وقد قدر مجموعها ب(25) كتيبة موزعة على الجبهات الثلاثة السورية / المصرية / اللبنانية. فحين قاتلت قوات جيش التحرير الفلسطينية المتواجدة في سوريا ضمن الخطة العسكرية النظامية، قاتلت قوات الثورة وفصائلها على الجبهة اللبنانية قتال العصابات بكل ما لها من مهمات وأدوار مختلفة.
  • قوات الثورة داخل الأراضي المحتلة، وذلك من خلال تنفيذ عمليات ضد العدو داخل الأراضي المحتلة. من ذلك ذكر الكاتب محمد السيد أن الكتائب الفلسطينية وقوات جيش التحرير توزعت خلال حرب أكتوبر على النحو التالي:
  1. كتيبة مصعب بن عمير: توزعت وحدات هذه الكتيبة على حدود لبنان مع الأراضي المحتلة، ومع بدء القتال على الجبهتين المصرية والسورية قامت بقصف تجمعات العدو في معسكرات الخالصة، ومطار البصة وهونين ومرجليوت وبرغام والمنارة، كما نصبت الكمائن وزرعت الألغام، واستمرت هذه الكتيبة في مراقبة تحركات العدو والإخبار عنها وقطع خطوط مواصلاته وتدمير آلياته الخفيفة والمجنزرة.
  2.  قوات حطين: نفذت مهام قتالية بشكل مستقل كجزء من الجيش السوري، فاشتركت في الهجوم مع قوات الفرقتين التاسعة والخامسة السوريتين (مشاة)، ونفّذت عملية الإنزال بالحوامات على تل الفرس، وقامت بالإغارة على مؤخرات القوات المعادية بعد توغلها في جيب سعسع. وقدمت هذه القوات في معركتها على الجبهة السورية 44 شهيدا، و65 جريحا.
  3.  قوات عين جالوت: عملت تحت قيادة الجيش المصري، وكانت قبل اندلاع الحرب متمركزة على قناة السويس، وقد أُسندت إليها مهام ضمن خطة العمليات على الجبهة المصرية لأنها وحدات مشاة خفيفة، شأنها شأن بقية الوحدات العربية الأخرى في الجبهة المصرية، وتم إلحاقها بالجيش المصري الثالث الذي أسند إليه مهمة الدفاع عن الضفة الغربية للبحيرات المرة بين كبريت وكسفريت.
  4. قوات القادسية: كانت تتألف من كتيبتين، وتمركزت في بعض المناطق الهامة في عمق الجبهة السورية، ولم تستخدم هذه القوات في المجابهة المباشرة مع العدو، بل كانت مكلفة بإحباط أية محاولة للعدو للضرب في العمق، والتصدي لأية محاولة إنزال جوي معاد في محيط منطقة انتشارها.
  5. كتيبة زيد بن حارثة: كانت ملحقة بالفرقة الأردنية الأولى (مشاة)، ونظراً لعدم اشتراك الجبهة الأردنية في القتال فقد بقيت في مواقعها الدفاعية تقوم بأعمال الدوريات والكمائن في الخطوط الأمامية.

لقد أجبرت عمليات المقاومة الفلسطينية التي قام بها الفدائيون الفلسطينيون خلال الحرب رئيس وزراء (إسرائيل) حينها، إلى ذكر وتفصيل هذه العمليات خلال كلمتها في الكنيست، في 23 تشرين أول/ أكتوبر 1973، والتي بلغت (106) عمليات، شملت (44) مستوطنة في شمال فلسطين، وأدت إلى مقتل وجرح 20 مدنياً وستة جنود

كما قامت المقاومة الفلسطينية في الفترة من 6 إلى 25 تشرين أول/ أكتوبر 1973، بعدد ضخم من العمليات العسكرية على كافة الجبهات، ففي قطاع غزة، تم تنفيذ (39) عملية، منها (9) عمليات عسكرية، و(17) عملية زراعة ألغام، والباقي هجوم على قوافل العدو. وفي الضفة الغربية، تم تنفيذ (14) عملية عسكرية ومعظمها مهاجمة قوافل للعدو خلال المعركة، وفي داخل الأراضي المحتلة، تم تنفيذ (45) عملية كان من أهمها مهاجمة باص عسكري يقل طيارين متجهين إلى القواعد العسكرية، وتدمير أجزاء من مصنع بورخوف للقنابل اليدوية، ومصنع لاهوف الخاص بصناعة الأسلحة الخفيفة. أما على الجبهة السورية، فقد تم تنفيذ (22) عملية عسكرية، شملت مهاجمة قوافل العدو المتجهة إلى الميدان، من خلال الاشتباك المباشر معها، وزراعة ألغام في طريقها، إلى جانب قصف مدفعي وصاروخي لتجمعات العدو ومرابض أسلحته. وعلى الجبهة الشمالية على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تم تنفيذ (160) عملية قصف بالصواريخ وبخاصة صفد، وتحرير بعض المناطق ورفع العلم الفلسطيني عليها.

لقد كان  لحرب أكتوبر تداعيات سياسية مهمة على المستوى الاقليمي والدولي، والانتصار فيها كان سبباً في تغيير المفاهيم العسكرية والمستوى المتقدم للقوة العسكرية العربية وشجاعة الجندي العربي وبسالته في المعركة، والتي رفعت مستوى معنويات الشعوب العربية وحركت مشاعر الفخر والاعتزاز بالجيش العربي، وكانت سبباً في استنهاض الأمه العربية لتحقيق النصر وتجسيداً للوحدة العربية حيث برز ذلك في الدعم والمساهمة العربية على المستوى العسكري  وذلك بتزويد الجيوش العربية المشاركة في الحرب بالعتاد والسلاح، وتقديم الدعم المالي واللوجستي.

كما اثبتت الحرب أهمية التخطيط الاستراتيجي للمعارك وأهمية استخدام عنصر المفاجأة،  والخداع في اختيار الزمان والمكان المناسبين لخوض هذه المعركة.

 

إن تحقيق الوحدة العربية في تلك المعركة عزز فرص الانتصار ولذا نأمل أن تعود الوحدة العربية التي تعتبر مطلب الشعوب العربية لإكمال الانتصار، وارجاع الأرض الفلسطينية وتحريرها من مغتصبيها.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت