صدرت عن "مدار"

رواية "الثالث" ليشاي سريد: مخاوف علمانية عميقة من نتائج قيامية لتديين الوعي والحياة في إسرائيل

رواية "الثالث" ليشاي سريد

 صدرت حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" رواية "الثالث" لكاتبها يشاي سريد (220 صفحة)، ترجمها عن العبرية هشام نفاع، وقدّم لها أنطوان شلحت.

وتدور أحداث الرواية المنتمية إلى أدب الديستوبيا أو ما يمكن تسميته بـ"أدب النهايات"، في زمن مُتخيّل يلي قياماً مُتخيّلاً للهيكل "الثالث"، ويشهد على خرابه، يحدث ذلك بعد أن تكون قنابل نووية دمّرت مدن الساحل في إسرائيل وفي مقدمتها مدينة تل أبيب، حيث يقود التغيير فلكيّ مُرتدّ عن الدين يعيده التجلّي الإلهي في النقب إلى دين آبائه، وينجح في توحيد من تبقّوا من الشعب حوله في منطقة الجبل.

 ويقوم الإسرائيليون الذين نجوا، بطرد الفلسطينيين ("العماليق") من البلاد، ويؤسسون مملكة جديدة برئاسة الفلكي، ويبنون الهيكل الثالث ويعيدون ممارسة العبادة فيه، لكن بعد مرور نحو خمسة وعشرين عاماً تتورّط "مملكة إسرائيل الجديدة" في حرب أخرى مع جيرانها العرب ينتج عنها خراب الهيكل الثالث.

تضيء الرواية بوضوح كبير المخاوف العميقة والرهيبة الكامنة في اللاوعي "العلماني" التل أبيبي تجاه تحوّل الدين من أداة استعمارية وظيفية إلى فاعل مؤثر وقوي الشوكة يرتد على صانعيه، وتسهب في رصد كيفية تحوّل الحصانة الدينية إلى حاضنة للفساد والتضليل والقتل والمقامرة الوجودية.

 فالكاتب يشاي سريد يحكي مخاوفه ومخاوف نخبته من المُنزلق نحو تديين/ تهويد الوعي والحياة برمتها، ويستشعر البنى التحتية الجديدة المؤسّسة لما يُطلق عليه تعبير "الهيكل الثالث"، وهو يقوم بشحن كافة مناحي الحياة في هذا الهيكل (الروائي) الثالث بالتصوّرات والعبارات الدينية كافة، بدءًا من العهد القديم فالمشناه والتلمود وكتاب التسابيح والصلوات، وبالهوس العرقي، من أجل تأكيد طبيعة هذه البنى الجديدة وقدرتها على التدمير، من جهة، وفي سبيل تأكيد طاقاتها العظيمة المستفيدة من التكنولوجيا المتقدمة بغية "استعادة الوعي اليهودي"، و"استعادة" فترة حضانة اليهودية والعرق اليهودي، أو الرحم الأولي لليهودية (الأصولية اليهودية بمعناها الإثني)، من الجهة المقابلة.

ومما جاء في المقدمة:

"الكاتب، يشاي سريد، ابن أحد الساسة الإسرائيليين أيضاً، وهو الوزير وعضو الكنيست السابق يوسي سريد، من زعماء حزبي العمل وميرتس، وأحد رموز ما يسمى "اليسار الصهيوني". وهذه الحقيقة حاضرة ضمن الرواية في ما يحيل، في العمق، إلى شكل من أشكال دعوة الأبناء إلى محاسبة الآباء.

وتصل ذروة الدعوة إلى محاسبة الآباء في "الثالث" بالأساس في قتل الأب، وكذلك في آخر سطر من الرواية، الذي يصرخ فيه البطل/ الراوي نفسه بعد أن ألفى نفسه تحت نصل المقصلة: "الويل يا أبي، الويل"، في إشارة بليغة كفايتها إلى تأويل أن ما كان وما صار وما سوف يكون حدث بكيفية ما بجريرة ما اقترفه الآباء الذين يضرس أبناؤهم الحصرم، ضمن سياق ما يعرف باسم "التجربة الإسرائيلية/ الصهيونية".

"وإجمالًا، بمقدورنا أن نستنتج أنه مع انتهاء العقد الأول من الألفية الثالثة تحوّل نمط الأدب الديستوبي إلى ما يشبه الظاهرة في الكتابة الأدبية الإسرائيلية، ولا شك في أن لديه تعبيره الاجتماعي والثقافي، وله شهادته المخصوصة على المجتمع. كما يمكن الإشارة أيضاً إلى أن علاقة نصوص كُتّاب هذا الأدب بواقعهم هي علاقة متعدّية. ولا شك كذلك في أنه من وراء تصوير الكابوس القادم، برسم ما هو قائم هنا والآن، يهدف هؤلاء الكتاب إلى حفز أي معارضة مُتاحة مُمكنة ضد تلك الديستوبيا. وبكلمات أخرى يمكن القول إن هاجسهم يتمثّل، أكثر من أي شيء آخر، في محاولة استشراف كل ما يتضّاد مع أي مسعى يتطلّع إلى تشييد مستقبل واعد مُغايرٍ لحاضر استحال إلى شديد السواد تحت وطأة ماضٍ قاتمٍ لا ينقضي".

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله