- بقلم/ رامي الغف
أضحى الإعلام مؤسسة حيوية وركيزة أساسية في بناء وتطور الدول والمجتمعات، بل بات يعتبر من المقومات والقواعد الأساسية الدالة على مستوى الثقافة والتطور الفكري للشعوب، وللإعلام الحديث دور فعّال في تغير واقع حياة المجتمعات والنهوض بها بما يتلاءم وظروف الحداثة والتجدد، وكذلك له قوة تأثيرية فاعلة في السيطرة والتحكم في عقل وآراء الأفراد وحتى السلوك وفق تكتيك وإستراتيجية إعلامية ممنهجة، والدلائل والشواهد كثيرة في عالمنا المعاصر اليوم حيث أصبح للإعلام دور في إسقاط أنظمة عربية كما حصل في بعض الدول العربية وخاصة فيما سمي بالربيع العربي، وتغيير المسارات السياسية للدول وإخضاعها وتسيرها بما ترتئيها الإمبراطوريات الإعلامية للدول المتنفذة وأصحاب القرار العالمي.
والإعلام سلاح ذو حدين يمكن استغلاله بشكل مهني حر ونزيه لينال بشرف واستحقاق عنوان السلطة الرابعة أو سلاح مدمر من خلال إعلام حق يراد به باطل أو تأويل الحقائق بما ينسجم والنوايا الخبيثة للمؤسسات التي تعنى بهذا الموضوع، ويشكل الإعلام دورا مهما وبارزاً في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأي دولة من الدول العالم بكافة تفصيلاتها ومشاهداتها اليومية، ومهما تنوعت وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمقروءة، وتعددت ألوانها، واختلفت مرجعياتها ومصادرها المالية وسبل دعمها واستمرارها فان لها الأثر البالغ في تحريك مفاصل الشارع أو تسكينه، وهي لها طرائقها الخاصة وأساليبها المختلفة في تحقيق ذلك، والإعلام مهنة ومسؤولية في آن واحد فهي مهنة الإعلامي الذي يقوم بعمله ويتقاضى عنه أجرا، ولكنها مسؤولية أيضا ومسؤولية كبيرة جدا كون الإعلامي يحمل على عاتقه رسالة لينشرها بين الناس الذين ائتمنوه على تأديتها، وهنا فعلى الإعلامي / الرسول ان يقدس رسالته ومهنته فيتعامل مع الخبر والحدث بصدق وواقعية دون تزييف أو رتوش جانبية من شأنها ان تحجب الحقيقة بحجاب ضبابي بقصد أو دون قصد.
في الحقيقة إن الإعلام الفلسطيني ضعيف في إمكانياته وحجمه وقدرته وكذلك في الوسائل والتقنيات المستخدمة بالقدر الذي لا يمكن مقارنته مع أي إعلام عربي او دولي آخر، وخصوصاً في هذه المرحلة الحرجة والصعبة والتي يمر بها الشعب الفلسطيني وهبته الجماهيرية ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، فشعبنا بحاجة ماسة لمساهمات الإعلام في تحقيق أهدافها وغايتها وتذليل التناقضات ومعالجة الاختلافات وتسوية الخلافات وإنهاء الانقسام والتصدي للصراعات السياسية المقيتة والمفتعلة بدوافع شخصية أو حزبية أو فصائلية أو جهوية، ويقع على عاتق الأعلام الفلسطيني مسؤولية تاريخية كبيرة لتغيير المفاهيم البالية والأفكار النمطية الهدامة والصور السوداوية التقليدية التي لازمت القضية الفلسطينية وحتى يومنا هذا. إن الإيمان المطلق بعدالة القضية الفلسطينية دافع أساسي لانتهاج اسلوب كتابي وخطابي معرفي وعقلاني معتدل يلهم الوجدان والعواطف للجماهير من أجل التوحد ورص الصفوف وتقوية المشروع الوطني الفلسطيني ويحفز الطاقات والقدرات الكامنة للنهوض بالواقع الفلسطيني الساكن والإستفاقه من سبات الخوف والإتكالية والتحرك باتجاه تضميد جراحات المظلومية وإبراز المنتقاة منها بما ينسجم والمتطلبات المرحلية والابتعاد عن التهويل والتباكي في زماكانية غير مناسبة لكي لا تصبح المظلومية مادة سمجة وتكرار مزعج، وتحديد المطالب بما يتلاءم ويتزامن مع التوافقات السياسية والاستحقاقات الوطنية وطرحها وفق مفهوم الأوليات والضروريات الملحة وعدم الوقوف عند مفترق المتاهات والعشوائية في اختيار هذه المطالب والتي ربما ترتبط بمصالح فردية أو حاجات آنية ليست ذات قيمة وجدوى ولا تخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني، والأهم من كل ذلك هو تخصيب الاستقراء وزيادة الوعي والإدراك لدى المواطن لمعرفة المخاطر السياسية والاجتماعية التي سوف تلحق به طالما هناك قلة من الشخصيات المهووسة بالتصارع والتهالف لبعضهم بطرق غير مشروعة من أجل مكاسب مادية أو الاستحواذ على المناصب وكسر العصى الفلسطينية فضلاً عن وضع آلية لكيفية استيعاب واحتواء هؤلاء وفق المقولة (الف صديق ولا عدو واحد).
إن تطوير إعلامنا وتنويع وسائله وتقنياته بما يتلاءم والأحداث الراهنة سيكون حافزاً لكسب اكبر قدر من الجماهير، وعلى مختلف مستوياتهم خصوصاً إذا تمت مخاطبتهم بالكلمة الوطنية والصادقة الهادفة لترسيخ معاني الأخوة والمحبة والإيثار وغرس روح التعاون والألفة والتآزر والدفع باتجاه العمل الجماعي وبالعقل الجمعي وتوحيد الجهود للقيام بالأدوار المختلفة المطلوبة والمبادرة الى توثيق العلاقات والأواصر الاجتماعية بين أبناء هذا الشعب الواحد لما تقتضيه المصلحة الفلسطينية العليا، إضافة إلى إشاعة وإرساء ثقافة قبول الآخر والذي سيؤسس للانطلاق الى الاجتماع والإجماع الاجتماعي والسياسي والوطني ضمن إطار الحوار البناء التي تتلاقح فيها الأفكار لولادة فلسفة ورؤى فلسطينية جديدة ومقبولة من الجميع كونهم قد شاركوا وأسهموا في صياغتها وبلورة معالمها وحدودها إضافة الى تحديد ملامح الهوية الفلسطينية من حيث الذات والمضمون والإرث التاريخي والحضاري.
إن الإعلام الفلسطيني الذي يتميز اليوم بالحرية والمهنية الدقيقة يحاول البعض تشويهه ببعض التصرفات التي لا تمت للأخلاق الإعلامية بصلة، فالحرية كما هو معروف في الأوساط الاجتماعية هي ممارسة الفرد لنشاطات أو مزاولته لأعمال ولكن بشرط عدم التعدي ولو بكلمة على حرية المجتمع وقدسية الذات البشرية، فأين هذه المؤسسات التي تدعي بأنها إعلامية من المفهوم الصحيح لمعنى الحرية، فهنا يأتي السؤال أين هذه المؤسسات من هويتها الوطنية، فحب الوطن شيء فطري وغير مكتسب ومن المفترض أن يكون القائمون على هذه القنوات إن كانوا حقا رجال شرفاء وأحرار ووطنيون كما يزعمون أن يراعوا وحدة الصف وعدم شق الصف الوطني الفلسطيني، فأين هم من وحدة الكلمة؟
في معظم دول العالم يوجد ما يسمى بخلية إدارة الأزمات وذلك لوضع خطط إستراتيجية تشمل جميع مجالات الحياة وخاصة الإعلام، وآلية أداة هذه الخطط في وقتنا الحاضر الإعلام، من مبدأ أن الأزمات موجودة في جميع دول العالم المتطور منه والمتخلف بشكل متفاوت الوتيرة، وما حدث في المنطقة العربية أثبت ضعف شديد في إدارة الأزمة إعلامياً وقد بدا التخبط واضحاً منذ الوهلة الأولي، ولم يحتاج الأمر الى أكثر من تقدم سن الأزمة حتى أنفضح الأمر للجميع وشخصوه بسهولة.
ومن هذا المنطلق يجب على رئاسة الحكومة ان تضع حد للانتهاكات الإعلامية الداخلية والخارجية على سواء من خلال تأسيس هيئه عليا تضم مجموعة من الإعلاميين المهنيين الوطنيين النزيهين لتنظيم عمل كافة وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من خلال تشريع قانون اعلامي ملائم مع واقع الاعلام في الوطن الفلسطيني، ودعم وإسناد هذه الهيئة لتنفيذ وبسط أوامرها على كل وسائل الإعلام مهما كانت انتماءاتها السياسية والوطنية وتشكيل مراكز لدراسة الواقع الإعلامي في فلسطين في مجال تطوير وسائل الإعلام على أسس إعلامية حضارية وفتح مراكز لتأهيل الإعلاميين وتعريف قوانين الإعلام ورسالة وقدسية هذه المهنة التي لها دور ريادي في تثقيف المجتمع وتزويده بالمعلومات الصادقة، وأخيرا لا يستطيع احد ان ينقذ الإعلام الفلسطيني إلا العاملين فيه واليوم الإعلام الفلسطيني في اختبار وامتحان عسير وحساس لإثبات جدارته وكيفية تعاطيه مع حرية الرأي والكلمة والتعبير، هذه الموهبة اللاهية التي منحت للإعلام الفلسطيني ليقوم بمهامه لخدمة وطنه وشعبه وقضيته الوطنية.
أن المشكلة هي اليوم في إعلام مؤسساتنا وما هو مطلوب منه؟ وهناك حلول مطلوبه ومنها تشكيل هيئة أو مجلس أعلى للإعلام مهمتهم الأساسية أعداد كوادر وتدريبها على إدارة أية أزمة، وتسليح هذه المؤسسات بالكوادر وبأهم تقنيات الإعلام وأدواته، تماماً كما يوجد هيئة عليا في أي منظومة مهمة في الحياة، مهمتها الاستعداد الدائم والجهوزية التامة لمواجهة أية حرب إعلامية مضادة كالتي نتعرض لها اليوم من جانب الإعلام الغربي والصهيوني والأمريكي.
بقراءة بسيطة، واستقراء لواقع حال الإعلام الفلسطيني، نقول: اننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى، بضرورة الحفاظ على وحدة الخطاب الإعلامي وتقوية البيت الإعلامي الفلسطيني، وممارسة دورنا الإعلامي والصحفي والرقابي والتوعوي والتوجيهي وإبراز هموم وشجون ومطالب شعبنا وبجرأة، لنكون حقا أعضاء في السلطة الرابعة، ونصارح أنفسنا والرأي العام بمتطلبات وضروريات المجتمع الفلسطيني المتحضر.
آخر الكلام: نهمس في آذان البعض من مسؤولي ومدراء وأصحاب المؤسسات الإعلامية: إن كنتم لا تستطيعون أن تكونوا أزهارا، فلا تكونوا أشواكا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت