اقتحم الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوغ، مساء الأحد، الحرم الإبراهيمي الشريف، في ظل إجراءات عسكرية مشددة، فرضتها قوات جيش الاحتلال في البلدة القديمة بالخليل.
وقال هرتسوغ من داخل الحرم الإبراهيمي: لا جدال في الارتباط التاريخي للشعب اليهودي بالخليل (..) ارتباط الشعب اليهودي بـ "كهف البطاركة" (الحرم الإبراهيمي) تاريخي".
وقال هرتسوغ إن "العلاقة التاريخية للشعب اليهودي مع الخليل وتحديدا مع ‘مغارة المخبيلا‘ (الاسم التوراتي للحرم الإبراهيمي)، مع تراث الأمهات والآباء، أمر لا شك فيه. يجب أن يرتقي الاعتراف بهذه العلاقة فوق كل خلاف".
وأضاف "عندما نكون موحدين حول النور المنبعث من شموع الحانوكا، من المهم احترام الوطنية الإسرائيلية ومبادئها، والاستماع أكثر إلى الآخر، واحترام الاختلاف، وبناء الجسور للحفاظ على تماسكنا، بالطبع دون الإضرار بالفرد أو بالمجموعة، بآرائهم ومعتقداتهم".
وتابع قائلا: "لن نتفق على كل شيء، ولكننا سنتذكر دائما أن ‘أبناء رجل واحد‘ (في اقتباس من سفر التكوين). أن لدينا جميعًا جذور مشتركة تخرج من هذا الكهف".
وقال "تحديدا في هذا اليوم، ومن هذا المكان - في الفضاء المقدس لجميع أبناء إبراهيم - يجب أن نستمر في الحلم بالسلام بين الناس من جميع الأديان والمعتقدات على هذه الأرض، وندين أنواع الكراهية والعنف على اختلافها".
وأضاء هرتسوغ شمعدانا في الحرم الإبراهيمي إيذانا ببدء الاحتفال بعيد "الأنوار" اليهودي، ورافقه قادة المستوطنين وأعضاء كنيست.
وبحسب القناة العبرية السابعة، فإنه لدى وصول هرتسوغ المكان ودخوله للإبراهيمي تم النفخ في البوق.
وظهر بجانب هرتسوغ، مجموعة كبيرة من قادة المستوطنين الكهانيين، وكبار ضباط جيش الاحتلال في الخليل.
وتظاهر العشرات من نشطاء اليسار الإسرائيلي بينهم عضو الكنيست موسى راز من ميرتس، قرب المكان، فيما منعتهم الشرطة الإسرائيلية من الاقتراب من المكان.
ويشكل اقتحام هرتسوغ للحرم إعلانا صريحا وواضحا عن رعايته لمخططات المستوطنين ودعم جرائمهم بحق أبناء الشعب الفلسطيني، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية
وأغلقت قوات الاحتلال بوابات الحرم، ومنعت المواطنين من الصلاة فيه أو التواجد في محيطه واعتدت عليهم، وأجبرت أصحاب المحال على إغلاق محالهم، كما أعاقت عمل الطواقم الصحفية.
واندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال في منطقة باب الزاوية وسط المدينة، بالتزامن مع اقتحام هرتسوغ للحرم الإبراهيمي، أطلق خلالها الجنود قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت تجاه المواطنين، دون أن يبلغ عن إصابات.
ويتزامن اقتحام هرتسوغ للحرم الإبراهيمي مع إعلان سلطات الاحتلال مؤخرا عن المصادقة على بناء 372 وحدة استيطانية جديدة لتوسيع مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي مدينة الخليل.
وقال محافظ الخليل جبرين البكري إن الاقتحام هو إعلان حرب من قبل الاحتلال على أبناء شعبنا ومقدساتهم، "الأمر الذي يضعنا جميعا أمام تحديات كبيرة تستدعي الوحدة وتوجيه إمكانياتنا في مواجهة الاحتلال ومخططاته والمستوطنين المنتشرين في كل مكان من المدينة والمحافظة بشكل عام".
بدوره، قال أمين سر حركة "فتح"، وسط الخليل، عماد خرواط إن الاحتلال يعمل على مدار الساعة على تهجير المواطنين القاطنين حول المسجد الإبراهيمي، ويغلق هذه المنطقة ويضيق على سكانها وينكل بهم في مسعى للسيطرة على الحرم وتهويده.
وأضاف أن حركة "فتح" في المدينة تعمل منذ سنوات طويلة على تعزيز صمود المواطنين هناك، خاصة تعزيز وجودهم في الحرم الإبراهيمي، رغم كل الممارسات الإرهابية التي يمارسها الاحتلال والمستوطنون بحقهم.
وأكّد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول فرعها في غزة جميل مزهر، أنّ اقتحام الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوغ للحرم الإبراهيمي خطوة إجرامية استفزازية لمشاعر أبناء شعبنا، وعامل إشعال للوضع برمته.
واعتبر مزهر، في تصريحات صحفية، أنّ "هذه الخطوة الإجرامية ليست بعيدة عن المخططات الصهيونية لتهويد المقدسات وخاصة في مدينتي القدس والخليل وتكريس لبرنامج حكومة اليمين الصهيونية العنصرية الفاشية بفيادة المجرم "بينيت".
وشدد على أنّ "شعبنا ومقاومته الباسلة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام استمرار هذه الجرائم، وسيواصلون الدفاع عن أرضها ومقدستها وسيقاومون بكل الوسائل من أجل لجم سياسات الاحتلال".
ودعا القوائم العربية في الكنيست "وقف كل أشكال المشاركة في مؤسسات العدو، واستخدام كل وسائل النضال المتاحة ضد العدو الصهيوني من خارج هذه المؤسسات".
ووصف قاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش، اقتحام الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ للمسجد الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل بأنه عدوان صريح على الإسلام والمسلمين وإهانة لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم.
وقال الهباش، في بيان صدر عنه، مساء الأحد، إن هذا اليوم يعتبر يوما أسود جديدا من أيام الاحتلال الإسرائيلي السوداء وعنصريته الهمجية، مضيفا أن اقتحام "هرتسوغ" للمسجد الإبراهيمي يثبت أن عقلية الاستعمار التي تحرك السياسات الإسرائيلية لا تختلف عند ما يسمى اليسار الإسرائيلي عما هي عليه عند اليمين، فجميعهم يؤمنون بأمر واحد هو الاحتلال والاستيطان والاستعمار والعدوان الهمجي.
وأكد قاضي القضاة أن هرتسوغ يسير على خطى شارون ويشعل نارا لن تنطفئ، فالاثنان من نفس العقلية ونفس الهمجية الاحتلالية المعادية للإسلام والمسلمين ولفلسطين والفلسطينيين، بل وللحرية والإنسانية كلها.
وأوضح الهباش أن المسجد الإبراهيمي كما المسجد الأقصى، كما كل المقدسات في كل فلسطين التاريخية هي حق خالص للفلسطينيين الذين هم وحدهم أصحابها وأصحاب الولاية عليها والسدانة لها.
ويقع الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ويستعمر فيها نحو 400 مستوطن يحرسهم حوالي 1500 جندي من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وإثر المجزرة، التي ارتكبها باروخ غولدشتاين عام 1994 في الحرم الابراهيمي، وأسفرت عن استشهاد 29 فلسطينيا، أغلقت سلطات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة، بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكلت ومن طرف واحد لجنة "شمغار"، وخرجت في حينه بعدة توصيات، منها: تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، وفرضت واقعا احتلاليا صعبا على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت للاحتلال الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه، حوالي 60% بهدف تهويده والاستيلاء عليه، وتكرر منع الاحتلال رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة.
وفي يوليو/تموز 2017، أعلنت لجنة التراث العالمي التابعة لـ"اليونسكو" الحرم الإبراهيمي موقعا تراثيا فلسطينياً.