- جهاد حرب
(1) الأرقام المالية الإعلانية لرئيس الحكومة
من غير الواضح مَنْ يقدم الاستشارة لرئيس الحكومة للقيام شخصيا بالإعلان المتكرر عن مبالغ المنح والمساعدات التي تحصل عليها دولة فلسطين؛ كالقول حصلنا على عشرة مليون دولار من الدولة الفلانية وخمسة مليون من الاتحاد العلاني وهكذا....، حيث لا تمر جلسة لمجلس الوزراء أو لقاء صحفي أو لقاء مع تجمعات سكانية أو مؤسسات اقتصادية أو أهلية إلا تم الإعلان هذه الأرقام، وكأنها سيلاً من المال يسري إلى خابية وزارة المالية "الخزينة العامة".
سواء كان هذا الدعم للموازنة التطويرية (أي للمشاريع التنموية والبنى التحتية التي في أغلبها تنفق مباشرة من قبل الممول وتحت اشرافه)، أو للخزينة العامة (لدعم الموازنة التي تنفق إما لدعم رواتب الموظفين والمتقاعدين أو المساعدات الاجتماعية أو جانب من النفقات التشغيلية والرأسمالية). هذا الإعلان ذو أهمية من ناحية إتاحة المعلومات إلا أن المردود السياسي لمثل هكذا إعلانات متكررة ينعكس سلباً على تقييم المواطنين للحكومة وأدائها، فمن ناحية يشعر المواطنون أن الحكومة لا تعاني من أزمة مالية لإعلانها عن تخصيص وإنفاق مئات الملايين في كل جلسة من جلسات الحكومة في المحافظات فيما الحكومة تنذرهم بأزمة مالية وعدم قدرتها على توفير رواتب الموظفين وضعف الإنفاق على الخدمات الأساسية.
ومن ناحية ثانية من الواضح أن مَنْ يقدم النصيحة لرئيس الحكومة لا يدرك أن القيمة النقدية والمتخيلة للمبالغ المالية هذه ليست واحدة في نظر كل من المواطنين والمسؤولين عن المالية العامة؛ فعند الحديث عن مليون دولار فهو مبلغ هائل لدى المواطن يمارس خياله لتناول كل يطيب له ويحقق أحلامه "أحلام اليقظة"، فيما هذا المبلغ ليس زهيدا فقط بالنسبة للموازنة العامة أو للاحتياجات الهائلة المعروضة على الحكومة ومؤسساتها بل هو قروش معدودة في الواقع النقدي الفعلي بالنسبة للعاملين في المالية العامة والقائمين عليها.
كل ما ذكر أعلاه لا يعني دعوة لرئيس الحكومة لإخفاء المساعدات وحجمها أو لحجب المعلومات والامتناع عن تقديمها، بقدر أنها دعوة لترشيد الإعلان السياسي لها، ومنح ذوي الاختصاص من الوزراء والمسؤولين للإعلان عن ما يتم الحصول عليه من منحٍ في القطاعات المختلفة كل حسب اختصاصه وقطاعه؛ ولكي لا تكون الخسائر السياسية أكبر من المكاسب الإعلانية؛ فالموازنة بين الخسائر والمكاسب ضروري وتحتاج إلى تمحيص وتدقيق ونظر عميق من أجل تعظيم المكاسب وتنقية الصورة وفلترة الأداء وإزالة الشوائب العالقة في طبائع الإعلان وخصائصه.
(2) سرية التشريعات الاقتصادية
دأبت الحكومة الفلسطينية على مناقشة مشاريع القوانين المختلفة في جلسات مجلس الوزراء عبر جلسات متعددة ورفعها إلى الرئيس؛ أغلب هذه المشاريع لا يتم الإعلان عنها وتحاط بجدار من السرية إلى حين إصدارها أو النشر في الجريدة الرسمية، وذلك في إغفال لمبادئ الشفافية القاضية بإتاحة المعلومات للمواطنين بالقدر الكافي والوقت المناسب من جهة، وعدم الانفتاح على المواطنين ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحث المتخصصة والاتحادات والنقابات الشريكة من جهة ثانية، وحرمان المواطنين من المشاركة في تقرير مصير حياتهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم من جهة ثالثة. وهو جميعه تجاوز صارخ لأهم مبدأ يقوم عليه العقد الاجتماعي الفلسطيني المجسم في وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني، ولأول مبدأ وضعته الوثيقة في أسس الدولة الفلسطينية وطبيعتها والقاضي بـ"إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية".
أي أن الآباء المؤسسين قد صاغوا قواعد العلاقة بين المواطنين، بمن فيهم الحكام، بتشاركية عالية لضمان مستقبل البلاد والمواطنين معاً، وبتوفير الفضاءات اللازمة لمساهمتهم في رسم معالم حياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية باحترام للتنوع وللتعدد الواسع وللاختلاف القائم في الآراء والمعتقدات، والتزام سيرورة الاستقرار الداخلي والازدهار والتطور الحضاري.
إن الحكومة مطالبة اليوم بالكشف عن رزمة مشاريع القوانين الاقتصادية الموجودة في ردهات وأروقة مجلس الوزراء وبعض وزارات الاختصاص وتداولها مع الجهات المختلفة والشركاء من القطاعين الأهلي والخاص لفتح أوسع نقاش عليها، ليس فقط لمشاركة المواطنين وذوي الاختصاص من أكاديميين وخبراء بل لضمان سلامتها وتجنب العوار الدستوري فيها.
أكد التراجع في السنوات الأخيرة عن بعض القوانين بعد إصدارها أو الطعن بها أمام "المحكمة الدستورية" وبطلان بعضٍ من أحكامها، بما لا يدع مجالاً للشك، لما ذهبنا إليه مراراً وتكراراً بأن ضعف الشفافية وعدم الانفتاح والانغلاق والامتناع عن التشاركية مع الأطراف المختلفة المعنية بمناقشة مشاريع القوانين، وإعمال السرية في إعداد وإصدار التشريعات سيؤدي حتما إلى العوار الدستوري فيها أو الفساد التشريعي المؤدي إلى الفساد السياسي بإصدار تشريعات لصالح أفراد أو جهات محدودة ومحددة بعينها سواء للحصول على منافع خاصة أو لضمان الحفاظ على مصالحها وامتيازاتها مستقبلا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت