- المحامي علي ابوحبله
مع تواصُل المفاوضات بين إيران والغرب، والتي يتحدّث أطرافها عن إيجابية أجوائها، تُتابع إسرائيل تظهير تناقضاتها إزاء ذلك، عبر تهديدها طهران بخيارات عسكرية، في موازاة إقرارها بقصور يدها، ودعوتها إلى اتخاذ قرارات " شجاعة وخلّاقة" ، في ما يُمثّل، في مجمله، إشارة إلى وجود توجّه بالتسليم بما آلت إليه إيران ، نووياً.
وكما يبدوا أن الأمور قد حُسمت من وُجهة نظر إسرائيل: إيران تتّجه إلى أن تكون دولة نووية، في تموضع سبقتها إليه دول أخرى كاليابان وألمانيا وغيرهما، مع ما يعنيه ذلك من امتلاكها قدرة تقنية وعملية تسمح لها بامتلاك السلاح النووي في فترة وجيزة جدّاً. وهو ما يمثّل تهديداً مركّباً بالنسبة إلى إسرائيل ؛ إذ إنه يعادل من جهة تهديداً وجودياً للكيان الإسرائيلي ، ومن جهة أخرى مظلّة ردعية تشمل حلفاء إيران الإقليميّين تقدّر "إسرائيل" أن رياح المفاوضات النووية، التي استؤنفت في فيينا بين إيران والقوى الكبرى، لن تجري وفق ما تشتهي أو تتمنّى. لذا، تُعرب، عبر كل الوسائل، وفي جميع المستويات، عن رفضها، بل قلقها من استئناف المفاوضات التي قد تؤدّي إلى رفع العقوبات عن إيران.
وهذا ما أعاد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، تأكيده في جلسة حكومته الأسبوعية. مع عودة المفاوضات في الجولة السابعة شرَعت "إسرائيل" في حملة دبلوماسية من أجل حثّ المفاوضين على تشديد مواقفهم ضدّ إيران، وأخذ مطالب "إسرائيل" وهواجسها في الاعتبار. حملة بدأها رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ من ألمانيا وتُستكمَل مع وزير الخارجية يائير لابيد، الذي قصد عدداً من عواصم القرار الأوروبي من أجل عرض موقف "إسرائيل"، ومحاولة التأثير في مسار المفاوضات بعد الفشل في عرقلة انطلاقتها.
ومنذ اقتراب السّاعة الصفر لانطلاق المفاوضات، ارتفعت حدّة النّقاش الإسرائيلي العام بشأن التقديرات والخيارات، وبشأن تبعات التوصّل إلى اتفاق نووي جديد من عدمه. وفي الموازاة، تزايدت الانتقادات الداخلية تجاه "الإستراتيجية الإسرائيلية الضعيفة" وتخبّط المستوى القياديّ إزاء سبل المواجهة وخياراتها. ومع انطلاق المفاوضات النووية في فيينا، أطلق كبار المسئولين الإسرائيليين جملة من المواقف والتصريحات التحريضية ضدّ إيران، أكّدوا فيها موقف "إسرائيل" الرافض لاستئناف المفاوضات. وعَبْر فيلم مصوَر نُشر باللغة الانكليزية، علّق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، على استئناف المفاوضات، بالقول إن "إيران تصل اليوم إلى المفاوضات في فيينا مع هدف واضح، هو رفع العقوبات، في مقابل لاشيء تقريباً.
لن تُحافظ إيران على برنامجها النووي فحسب، بل سيُدفع إليها في مقابل ذلك أيضاً". وأضاف بينيت أنه "على الرغم من انتهاكات إيران ومساعيها من وراء الرقابة على المشروع النووي، فإنها تصل إلى طاولة المفاوضات، وهناك من يعتقد أن من حقّها رفعَ العقوبات عنها. ومئات مليارات الدولارات ستتدفّق إلى نظامها. هم مخطئون. إيران لا تستحق أي هِبَات، وأي صفقات، ولا أي رفع للعقوبات في مقابل وحشيتها".
وختم بينيت "أدعو حلفاءنا حول العالم: لا تستسلموا لابتزاز إيران النووي". وخلال تصريح مشترك مع وزيرة الخارجية البريطانية، إليزابيث تراس، قال وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد "إننا ملتزمون الهدفَ نفسه، وهو ألاّ تكون لإيران قدرة على امتلاك أسحله نووية. يأتي الإيرانيون إلى هذه المحادثات من أجل هدف واحد فقط، هو: رفع العقوبات"، مضيفاً "هم سيلعبون على الوقت، وسيكسبون المليارات من رفع العقوبات، وسيواصلون خداع العالم، ودفع برنامجهم النووي سرّاً. هذا ما فعلوه في السابق، وهذا ما سيفعلونه هذه المرّة".
من جهته، قال وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، خلال افتتاحه اجتماع كتلة حزبه في الكنيست: "آمل بشدة في أن تتمسّك القوى العظمى بمصالح العالم الحر بأكمله، وألا تسمح للإيرانيين بالتقدم في القضية النووية وفق مسار أحادي الجانب. من المهم أن نتذكر، في هذا اليوم، أننا أنشأنا الدولة اليهودية حتى نتمكن من حماية كل يهودي، أينما كان.
وأيضاً، في هذه الحالة، فإن "إسرائيل" مصممة على فعل كل ما هو مرتبط بها من أجل ألا تكون إيران نووية". ما بدا لافتاً ما ورد على موقع " أكسيوس" الأميركي، نقلاً عن مصدرَين أميركيَين " مطّلعَين على مجريات المفاوضات" ، من أن " إسرائيل أطلعت الولايات المتحدة وعدداً من الحلفاء الأوروبيين، خلال الأسبوعَين الماضيَين، على معلومات استخبارية تشير إلى أن إيران تتّخذ خطوات تقنية للتحضير لتخصيب اليورانيوم بنقاء 90 في المائة، وهو المستوى المطلوب لإنتاج سلاح نووي" .
تأمل تل أبيب أن تكون هذه " المعلومات" كافية بذاتها لدفْع الأميركيّين إلى تشديد موقفهم في مواجهة المُفاوِض الإيراني، ومن أبرز وجوهه التلويح بالخيارات العسكرية. لكن من ناحية الإدارة الأميركية، وهنا المفارقة، فإن هكذا تحريض، أكان مستنداً إلى وقائع دقيقة أم غير دقيقة، إنّما يستحثّها على استعجال العودة إلى اتفاق 2015، ولو اضطّرها الأمر إلى تقديم تنازلات.
إذ ترى الولايات المتحدة أن أيّ خيار عسكري، بغضّ النظر عن محدّداته وتداعياته على مصالحها في هذه المرحلة، سيؤدّي إلى تسريع البرنامج النووي الإيراني لا إلى إيقافه، مع التسبّب بأن تقترب إيران من العتبة النووية، إن لم تتجاوزها بالفعل.
باختصار، تقول أميركا: لا للحرب، ولا لأفعال من شأنها أن تتسبّب بحرب، وبتفلّت إيراني أكبر من الالتزامات النووية. وهكذا، فإن الخلاف بين الطرفَين لا يتعلّق بأفضل السبل وأكثرها سهولة وتأثيراً واستدامة في مواجهة إيران، أي أنه لا يدور حول انتخاب واحد من خيارات متعدّدة على رأسها الدبلوماسي والعسكري، بل إن واقع الأمور مغاير تماماً، وهو ما ينطق به إصرار إسرائيل على أن المفاوضات لا تؤدي الغرض المطلوب، وأنه أيّاً كانت النتائج التي ستؤدي إليها، فستكون سيّئة بكلّ الأحوال. ذلك أن العودة إلى اتفاق عام 2015 ستعني تفلّت إيران من العقوبات ومن الالتزامات كون الاتفاق مزمناً بسنوات محدّدة، ستكون طهران من بَعدها طليقة، في حين أن اللا اتّفاق سيقرّب، هو الآخر، الجمهورية الإسلامية من الحافّة النووية؛ وكلتا الفرضيتَين سيّئتا لاسرائيل .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت