- المحامي علي ابوحبله
في 30 يوليو/تموز قام وفد إماراتي أمني عالي المستوى بزيارة أعلن عنها الإيرانيون، وهو ما جعل الموقف الإماراتي في حرج شديد؛ لا سيما أن هذه الزيارة تأتي في ظل حصار وحرب نفسية على إيران، فضلاً عن كون الإمارات حليفة للسعودية في مواجهة النفوذ الإيراني في اليمني وترتبط بعلاقات تطبيع مع الكيان الصهيوني .
قللت الإمارات من أهمية اللقاء، على خلاف التفسير الإيراني له، ولعل ما يعزز الرواية الإيرانية أن اللقاء كان قد تناول قضايا محورية حول إمكانية تبادل المعلومات والتعاون من أجل حماية واستقرار المياه الإقليمية ، وقد عكست هذه الزيارة التقارب بين البلدين، خصوصاً بعد توتر الأوضاع الأمنية في مضيق هرمز، كما عكست حالة التذبذب الأمني التي تعيشها دول الخليج في ظل زيادة التهديدات في المنطقة ومما عزز الرواية الايرانيه ، زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان طهران، الاثنين 6 كانون الأول/ ديسمبر طهران ، في زيارة بحسب ما أعلن عن هدفها "تبريد التوترات السياسية" و"تعزيز حركة الترانزيت التجاري" بين البلدين.
قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، إن الزيارة "تأتي استمراراً لجهود الإمارات الهادفة إلى تعزيز جسور التواصل والتعاون في المنطقة وما يخدم المصلحة الوطنية ، وأضاف عبر تويتر: "تسعى الإمارات إلى تعزيز الاستقرار والازدهار الإقليمي عبر تطوير علاقات إيجابية من خلال الحوار والبناء على المشترك وإدارة الرؤى المتباينة". في حين أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) بأن الزيارة تعكس "سياسة حسن الجوار" لحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، من أجل "إرساء الاستقرار والأمن المستدام في المنطقة"، معتبرةً أن "تبريد التوترات السياسية" بين الجانبين لتعزيز إجراءات استعادة الثقة المتبادلة بينهما هو الهدف المأمول ، وتابعت: "من المرجح أن تفتح زيارة الشيخ طحنون إلى طهران المجال لاتخاذ خطوات جديدة في مسار التهدئة وإزالة التوتر في المنطقة". تمت الزيارة بناءً على دعوة رسمية من أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني. لكن مستشار الأمن الوطني الإماراتي لم يلتقِ نظيره الإيراني فحسب، بل كذلك التقى الرئيس الإيراني وعدداً من المسئولين الكبار وبحث معهم "تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية والتشاور بشأن آخر التطورات الإقليمية"، وفق إرنا ، ولفتت الوكالة الإيرانية إلى أن الزيارة تأتي في وقت تكتسب العلاقات "التقليدية" بين طهران وأبو ظبي "أهمية خاصة" لأنها "آخذة في التطور في ضوء التفاهم المشترك وسياسة حسن الجوار رغم وجود بعض الخلافات على المستويين السياسي والإقليمي" بينهما ، وأضافت أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بلغت "مستوى متقدماً وغير مسبوق" في الأشهر الأخيرة، ما استدعى تعزيزها بالزيارات الدبلوماسية، على حد قولها.
وشهدت العلاقات الإيرانية الإماراتية توتراً كبيراً في السنوات الماضية لا سيّما عقب الهجمات على ناقلات نفط في الخليج العربي، وهي الهجمات التي اتهمت أطراف عدة طهران بالوقوف خلفها، ونفت الأخيرة المزاعم التي عدتها حملات تشويه سمعة. وعام 2019، بدأ الطرفان حواراً أسفر عن توقيع مذكرة تفاهم بشأن أمن الحدود تضمن الاستقرار البحري للإمارات. وفي وقت متزامن، أعلنت أبو ظبي الانسحاب من الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
إلى ذلك، تبدو المصالح الاقتصادية المتبادلة هي المحرك الأبرز للعلاقات الدبلوماسية بين طهران وأبوظبي إذ أشارت إرنا إلى وجود "أفق واسع للتعاون الاقتصادي بين البلدين" إثر "معالجة بعض المشاكل التنفيذية" و"تسهيل وتطوير العلاقات التجارية وحل مشكلة التبادلات المالية ، وربطت الوكالة بين زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني إلى الإمارات قبل أيام، وزيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا، وزيارة طحنون إلى طهران، قائلةً إنها جميعها تصب في إطار "تعزيز حركة الترانزيت التجاري بين الإمارات وإيران وتركيا".
الإماراتيون "أقرب بكثير من إيران"...
خبير إسرائيلي يحذّر: "على إسرائيل أن تفهم أن الإمارات لا يمكنها أن تنحاز إلى إسرائيل ضد إيران. قد يكون هناك تعاون على مستوى التحركات التكتيكية ولكن أي شيء أبعد من ذلك ضد مصلحتها" لكن إسرائيل "قلقة جد ،و تتوجس إسرائيل، الحليفة الجديدة لأبوظبي، من التقارب الإماراتي الإيراني الذي تراقبه عن كثب وإن كانت أهدافه اقتصادية بحتة . " تعقيباً على زيارة طحنون لطهران، قال موران زاغا، الخبير في شؤون الخليج بجامعة حيفا و"Mitvim" (المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية) لصحيفة "جيروزاليم بوست": "هذا مقلق جداً لإسرائيل. هذا التقارب سيكون مكلفاً. التقارب مع إيران ومع إسرائيل في وقت واحد غير مجدٍ". ولفت يوئيل جوزانسكي، الزميل البارز في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، إلى أن الخطوات الأخيرة تعكس أن الإماراتيين "أقرب بكثير من إيران" وأن "على إسرائيل أن تفهم أن الإمارات لا يمكنها أن تنحاز إلى إسرائيل ضد إيران (في أي صراع مباشر محتمل). قد يكون هناك تعاون على مستوى التحركات التكتيكية، ولكن أي شيء أبعد من ذلك ضد مصلحتهم". مع ذلك، تثق السلطات الإسرائيلية في "جدية" الإمارات إزاء تطبيع العلاقات مع تل أبيب وحرصها على التعاون المشترك في جميع المجالات في هذا الصدد، قال مصدر دبلوماسي لم يذكر اسمه للصحافة الإسرائيلية: "إسرائيل ليست معنية بهذا التطور، لكنها أيضاً غير راضية عنه. هم (الإماراتيون) يعرفون جيداً أننا لسنا مسرورين بهذا، لكننا لسنا بحاجة إلى تطمينات".
قد يعكس هذا التقارب تغيراً استراتيجياً في سياسية الإمارات في المنطقة، فعلى الرغم من انقطاعها سياسياً عن إيران لم تقلص أبوظبي حجم نشاطاتها الاقتصادية، وجاء هذا اللقاء ليؤكد وجود تنسيق وتعاون مسبق على مختلف الأصعدة ، والتصريحات الرسمية الإماراتية التي عبرت عن ارتياحها لمخرجات الزيارة، وعلى خلاف المعتاد أثنت على القدرة الأمنية العالية لإيران في تأمين حدودها المائية، وهو ما يؤكد إمكانية حدوث تغير في خارطة تحالفات المنطقة ، وعلى الرغم من أنه من المبكر التكهن بإمكانية نشوء مثل هذا التحالف الجديد في المنطقة، فلا يمكن إنكار أن حدوث التقارب الإماراتي الإيراني الذي قد يسهم في تغير خارطة التحالفات، وإن لم يفعل فسيسهم في تقليل منسوب شيطنة إيران وعدائها، وهو ما سيكون له انعكاساته على أمن الخليج وأمن المنطقة العربية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت