- بقلم: رائد محمد دبعي
تمتد مسيرة الاضراب عن الطعام تعبيرا عن رفض ظروف الاعتقال ومطالبة بتوفير ظروف معيشية كريمة، او تحقيق مطالب المعتقلين بدءا من ايرلندا قبل المسيحية مرورا بالهند والحركات النسوية في امريكا وبريطانيا والجيش الجمهوري الايرلندي والمنشقون في كوبا، والسجناء السياسيين في تركيا، والمعتقلين في سجون ايران، الى فلسطين، التي قدمت مجموعة من أبناء حركتها الاسيرة شهداء في معركة " الامعاء الخاوية" منهم عبد القادر أبو الفحم وراسم حلاوة وعلي الجعفري ومحمود فريتخ، وحسين اعبيدات, اذ نجحت الحركة الاسيرة الفلسطينية منذ اضرابها الاول في سجن الرملة بتاريخ 18/2/1969 مرورا بعشرات الاضرابات الجماعية المسنودة بدعم شعبي، وتغطية اعلامية وارادة جماعية من انتزاع بعض المطالب والحقوق، فيما لا تزال معركة الارادة مستمرة في ظل استمرار تمسك الاحتلال وادارة سجونه بعنصريتها وسياساتها الفاشية ضد المعتقلين الفلسطينيين.
برزت خلال السنوات العشر الماضية حالات نضالية فردية، قررت ان تنتزع حريتها او مطالبها المشروعة عبر خوض اضرابات فردية عن الطعام، وصل آخرها الى 141 يوما من الاضراب عن الطعام كما في حالة الاسير البطل هشام ابو هواش، قبل أن تذعن ادارة السجون لحقه بالافراج.
إن هذه الحالات النضالية الفردية، وعلى الرغم من كونها توحد شعبنا في الخارج خلف مطالبهم العادلة، وتعيد قضية الأسرى، باعتبارهم مقاتلين من اجل الحرية إلى صدارة الحدث، وإلى واجهات الاعلام المحلي والعالمي، وتؤنسن النضال الفلسطيني، عبر اظهار دور الزوجة والابناء والامهات والآباء والأخوة في مسيرة الوجع والجوع، إلا أنها في ذات الوقت تفتح جرحا غائرا في الجسد الفلسطيني، وتشي بحجم الخلل الذي يعتري دور مختلف القوى الرسمية والاهلية والفصائلية في القيام بواجباتها تجاه الأسرى بشكلٍ جمعي ومؤثر وفاعل، إذ أن قرار الإضراب الفردي عن الطعام للأسرى هو احد اصعب القرارات التي يتخذها الأسير من داخل زنزانته، وهي تعني قرارا فرديا بانتزاع الحياة من بين أنياب الموت، والولوج للنور باختراق فردي للظلام، والسير في الدرب الاكثر ايلاما، وقسوة، ووجعا، ليس للأسير وحده، إنما لعائلته ومحبيه، فمن منا لم ينكسر قلبه لصورة أبناء الأسير هشام ابو هواش، ودموعهم أمام سرير والدهم الذي اقترب لولا قدر الله وعزيمته الفولاذية أن يتحول إلى قبر يواري جسد الشهيد.
علينا جميعا، قوى سياسية وحزبية ومؤسسات أهلية واكاديمية وبحثية وموجهي رأي عام، أن نقف بعمق ووعي امام تجارب الاضرابات الفردية، وأن نقيم آثارها وثمارها بعقلانية وحكمة، وأن نبحث عميقا في الأسباب الحقيقية التي تحذو بأسرانا لانتهاج هذا الاسلوب النضالي دون غيره، هل هو عدم الثقة بقدرة الخارج على اسناد حقهم، ام هو تعبير عن تراجع العمل الوطني المشترك داخل السجون، ام هو رسالة سياسية بضرورة اعادة قضية الاسرى الى رأس اولويات القيادة والفصائل والقوى المجتمعية، إذ أن مقتضيات النضال الوطني الطويل كما هو الحال في نضال شعبنا الفلسطيني، ولكي تكون مثمرة ومؤثرة، تتطلب ابراز نموذج الشعب البطل، وليس القائد البطل، وتتطلب العمل بروح الفريق الواحد، وليس الزعيم الواحد، وتتطلب تضافر كل الجهود، لكي نحقق خلاصا جماعيا، لا فرديا، ولكي نتخلص من السجن لا أن نحسن ظروف الزنزانة، فمن حق اسرانا جميعا الاداريين وغيرهم ان نقود من اجلهم نضالا ميدانيا وسياسيا وقانونيا، لا أن نجعل ثمن حرية كل واحد منهم أن يتكئ على كتف الموت، وأن يعاني هو واسرته الام مبرحة قبل ان ينال الحرية، إذ أن معظم حالات التضامن الشعبي مع اسرانا المضربين عن الطعام فرديا تبدأ بعد أن يدخل الأسير مرحلة الخطر الفعلي على حياته، وبعد أن يصبح الاسير ووضعه الصحي خبرا عاجلا عبر وسائل الاعلام، وهو امر مؤسف ومحزن بشدة، يتطلب ان يقوم كل منا بدوره ويقف أمام مسؤولياته، بما في ذلك توسيع مساحة ومدى وتاثير المقاومة الشعبية تحت شعار حرية الاسرى، وادراج قضاياهم كأولوية قصوى وبند ثابت لدى القيادة في كل لقاء مع الاحتلال، فايجاد حل جذري لجريمة الاعتقال الاداري اهم مليون مرة من المطالبة بزيادة اعداد حملة بطاقات ال BMC وال VIP, وادراج تحسين حياة أسيراتنا وأسرانا داخل السجون يجب أن تدرج في أي مفاوضات بين حماس واسرائيل بالاضافة للاسرى الذين سيفرج عنهم، والحفاظ على موقف القيادة الفلسطينية من التمسك برواتب الاسيرات والاسرى، وتقديم كل الدعم والمساندة لهم ولذويهم، يجب ان يبقى ثابتا وطنيا، كما انه من المطلوب مغادرة ثقافة الشعارات العرمرمية، والخطب النارية الفارغة، والتهديدات الفيسبوكية، الى فضاء العمل المشترك، والمؤثر، والهادف، والعقلاني، كما أن ذلك يحتاج الى حوار جدي داخل الحركة الاسيرة في سجون الاحتلال، لتقييم تجربة الاضرابات الفردية، بما لها وما عليها، وما يتطلبه الظرف الراهن من خطوات فاعلة، تساهم في دعم صمود ونضال رسلنا نحو الحرية، اسرانا البواسل.
علينا ان نتذكر جميعا أنه وعلى الرغم من أن لكل أمة ابطالها، ورموزها، ولكل ثورة طلائعييها، إلا أن التاريخ لم يسجل في يوم من الأيام انتصار أمة من نير الاحتلال على يد شخص واحد مهما علا شأنه وذاع صيته، وعظم فعله، لأن المخلص الحقيقي هو العمل الجماعي، والخطوات المدروسة، فالخلاص من الاحتلال يكمن في داخل كل واحد فينا، ومن ايماننا وقدرتنا على العمل المشترك كشعب فلسطيني .
ختاما أود أن أذكر ان الاسير القائد ناصر ابو احميد يمر كل ثانية بظروف صحية قاسية للغاية، فهل سننتظر لكي نلعن السجان، ونصف فاشيته، ونستذكر بطولة ناصر البطل بعد ان نفقده لا قدر الله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت