علاقات السودان مع إسرائيل على المحك

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله
  •  المحامي علي ابوحبله

استقالة حمدوك أخلت في توازنات القوى المحلية والدولية والتي يمكن القول أنها هي التي ترسم السيناريوهات المتوقعة، فمحلياً يقف تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الذي كان يمثل المرجعية السياسية لحكومة عبد الله حمدوك، وأيضاً حركات الكفاح المسلح في الجانب الآخر مع حلفائهم العسكريين الذين نفذوا الانقلاب الذي أطاح بالحكومة المدنية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفي الجانب الآخر تقف «لجان المقاومة الشعبية»، التي تقود الاحتجاجات والمواكب، ومن بعيد يقف الحزب الشيوعي رافضاً لكل شيء.
 لم يفلح انقلاب البرهان في تشكيل حكومة بديلة رغم مرور أكثر من شهرين على تسلم العسكريين وحلفائهم للسلطة، واضطروا لإعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لممارسة مهام منصبه مجدداً، لكن حمدوك في مواجهة الرفض الشعبي لاتفاقه مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الموقع في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم يستطع هو الآخر تكوين حكومة، لأنه اشترط لتكوينها توافقاً عليها. فاستقال حمدوك وترك وضعاً في غاية الهشاشة، فالعسكريون غير قادرين على التحكم في احتجاجات الشارع، والسياسيون كل يغني ليلاه، بينما تعمل لجان المقاومة الشعبية على إبعاد الجميع من المشهد.
وفي ظل هذه الفوضى التي يغرق فيها السودان تبرز سيناريوهات عديدة تتراوح بين انهيار الدولة وسيادة الفوضى، أو حدوث توافق اضطراري بين الفرقاء، أو سيطرة الجيش وقوات «الدعم السريع» على مقاليد الأمور والعودة مجدداً لعهود الديكتاتورية والقمع. والجيش بحكم التعبئة والتعبئة المضادة التي نظمت له، لا يمكن أن يظل الوضع هادئاً لأن هناك «ضابطا من ضباطه» يمكن أن يقلب المعادلة لصالح المدنيين، فيما يواجه ذهاب القيادة العسكرية الحالية صعوبات عملية عديدة، ليس أقلها أن الرجل القوي قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي»، قد لا يقبل العمل تحت قيادة ضابط سوى البرهان، في الوقت الذي يتململ فيه الجيش من وجوده بتلك الرتبة العالية والسيطرة شبه التامة على الأوضاع في البلاد.
يرجح المحللون أن الصمت الإسرائيلي حيال الانقلاب في السودان مؤقت، لحين انتهاء الأحداث، إذ تخشى تل أبيب من تراجع دور البرهان والمجلس العسكري واستعادة المكوّن المدني لمقاليد الحكم، علما أن الشعب السوداني يرى بالقدس وفلسطين قضية قومية تلتزم إسرائيل الصمت حيال الانقلاب العسكري في السودان، وتمتنع عن التعليق على الأحداث التي تخشى تداعياتها على مساعي التطبيع بين البلدين، فيما تواصل، وبسرية تامة، توطيد علاقاتها الأمنية والاستخباراتية مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي ما زال يمسك بمقاليد الحكم في السودان سعت حكومة الكيان الصهيوني لتوطيد علاقاتها مع البرهان عبر مبادرات إسرائيلية لتعزيز العلاقات والدفع نحو التطبيع مع الخرطوم وضمن اتفاقيات "أبراهام" التي بدأتها العام الماضي، بيد أن أزمة الحكم والأوضاع الداخلية والحراك الشعبي السوداني، حال دون ذلك.
 ورغم الصمت الرسمي، فإن ثمة من يؤكد من الباحثين والمحللين أن إسرائيل تخشى تطورات الأحداث بالسودان، إذ لا يستبعدون إمكانية أن تنعكس سلبا على مسار التطبيع، علما أن من يشرف ويتعامل مع العلاقات مع السودان في تل أبيب، وتحت غطاء من السرية، هو جهاز المخابرات (الموساد) ومجلس الأمن القومي. هل اثر تفاقم الأحداث في السودان وتخوف تل ابيب من انفراط عقد التطبيع مع السودان ، قال التلفزيون الإسرائيلي، يوم الأربعاء 10/1/2022 ، إن وفدا إسرائيليا وصل العاصمة السودانية والتقى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقادة عسكريين كبارا.
وكان مصدر عسكري سوداني صرح ، للجزيرة، إن وفدا أمنيا إسرائيليا وصل الخرطوم، في زيارة تجري بالتنسيق مع القائد الثاني لقوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو الذي كان في استقبال الوفد ، وقد أكدت هيئة الإذاعة الإسرائيلية نبأ زيارة الوفد الإسرائيلي التي لم يعلَن عنها سلفا، لكنها لم تعط أي تفاصيل بشأن مهمته. وكان وفد رسمي إسرائيلي زار السودان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقال موقع أكسيوس (Axios) الأميركي آنذاك إن إدارة الرئيس جو بايدن طلبت من الحكومة الإسرائيلية استخدام "علاقاتها الوثيقة مع زعيم الانقلاب السوداني والرئيس الفعلي الفريق عبد الفتاح البرهان لحث الجيش على إعادة الحكومة المدنية".
 ووصف هذا الموقع الأميركي البرهان بأنه كان شخصية محورية في عملية التطبيع بين تل أبيب والخرطوم، على مدار العامين الماضيين ، وقال أيضا "كان هو وجنرالات سودانيون آخرون ينسقون مع مسئولي الاتصالات في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي والموساد". وذكر الموقع أنه "قبل أسبوعين من الانقلاب (25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) زار وفد عسكري سوداني إسرائيل، وأجرى محادثات مع مسئولين في مكتب رئيس الوزراء والموساد". وكانت الخرطوم قد اتفقت مع تل أبيب على تطبيع العلاقات في إطار اتفاقيات "أبراهام" التي تم التوصل إليها برعاية الولايات المتحدة عام 2020.
 تدرك إسرائيل أن علاقات التطبيع مع السودان باتت محفوفة بالمخاطر إذا نجحت المعارضة السودانية للإطاحة بحكم البرهان ، فرغم حالة التوازن الذي تشكله «قوات الدعم السريع»، بين العسكريين الإسلاميين والثورة في وقت ما، فإن تطور الأحداث قد جعل منها أحد أسباب اختلال التوازن، فقائدها «حميدتي» قال في إحدى تغريداته: «فلتمطر حصى». وكان الرجل قد انتزع لنفسه موقع الرجل الثاني في الدولة، ولن يقبل بأي سيناريو يبقيه بعيداً عن السلطة، فيما ترتفع نغمة إبعاده وسط العسكريين الإسلاميين الذين يرون أنه صنيعتهم «الخائنة».
«الشارع السياسي» السوداني بات يرفض الجميع، ويطالب بشكل صريح بذهاب البرهان ومكونه العسكري دفعة واحدة، ويواصل مواكبه المليونية التي تنظمها لجان المقاومة بشكل شبه يومي وترفع شعار: «لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية» للعسكر. وبعد أن أفلحت في الوصول للقصر الرئاسي، وواجهت عنفاً مفرطاً أدى لمقتل 56 شهيداً بعد الانقلاب لم تتوقف بل تتزايد مواكبها السلمية، وسط محاولات استخبارية لجرها لمنطقة العنف، وفقدان القوة الناعمة التي تعد مصدر قوتها الحقيقية. أما تحالف " الحرية والتغيير" الذي كان يمثل الحاضنة السياسية للانتقال، فقد انقسم على نفسه، جزء منها سمى نفسه " جماعة الإعلان السياسي" انحازت للاتفاق السياسي مع الجيش، فيما بقي الجسم الرئيس منها " المجلس المركزي" ليواجه اتهامات الشارع والثوار بأنهم أضاعوا الثورة بصراعات تقاسم كعكة السلطة، فيما يقف الحزب الشيوعي وحده بمواجهة الكل، يرفض كل شيء، ويصر على " حكومة مدنية كاملة" ، دون أن يقدم سيناريو للوصول إليها سوى الرهان على مقاومة الشارع السياسي. في غمرة ما يعاني منه السودان من احتدام للصراع وتخوف حكومة إسرائيل من الاطاحة بحكم العسكر ، فضّلت عدم الاندفاع نحو تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الخرطوم بسبب أزمة الحكم والحراك الشعبي وهيمنة العسكر وغياب الدور المدني في إدارة شؤون البلاد، واختارت تأجيل مراسم توقيع اتفاقية التطبيع التي كانت مقررة خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد إلى واشنطن في وقت سابق ، ووفقا للتقديرات الإسرائيلية، التي تنظر إلى البرهان، الذي يريد علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، على أنه "العقلاني المسئول"، مقارنة بحمدوك المستقيل ، الذي لا يسعى لتعزيز العلاقات بين البلدين.
أمام ما بات يعيشه السودان هناك ثلاث احتمالات بانتظار السودان حسب تحليل المراقبين سيناريو "الفوضى وانهيار الدولة"، وهو احتمال ترجحه معظم الدوائر، ولأنه لن يقف عند حدود البلاد، فقد يضطر المجتمع الدولي للضغط على الفرقاء السودانيين للوصول للسيناريو الثاني، بتوافق قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى الكفاح المسلح، ولجان المقاومة الشعبية والعسكريين، على فترة انتقالية وأسس جديدة.
 أما السيناريو الأفضل، أن تتواصل الاحتجاجات لتنهك المؤسسة العسكرية، فتنقلب على قيادتها أو أن تستسلم للضغط الشعبي. وصدق رئيس الوزراء حين قال في خطاب استقالته: "ما أشبه الليلة بالبارحة " ووفق كل السيناريوهات فان العلاقات بين إسرائيل والخرطوم ، تواجه اختبارا حقيقيا أمام الحراك الشعبي السوداني الذي من شأنه، في حال نجاحه، أن يفشل التطبيع الأمني وال استخباراتي بين البلدين.
ويرى كلير أن حكومة إسرائيل وخلافا لموقفها المتباهي والمندفع نحو تطبيع العلاقات مع دول خليجية وعربية مثلما انعكس في اتفاقيات "أبراهام"، امتنعت عن التهليل للتفاهمات والاعتراف المتبادل بين إسرائيل والسودان، "بسبب عدم استقرار الحكم بالخرطوم، والموقف المبدئي للشعب السوداني برفض التطبيع الكامل الذي يتجاوز القضية الفلسطينية". ووفق مراقبين ومحللين فان "حالة السودان تضع إسرائيل أمام جملة تحديات، إذ تطمع تل أبيب في توظيف البعد المدني لتطبيع العلاقات، وقد فشلت بذلك في الخرطوم، وانعكس هذا في رفض قبولها عضوا مراقبا بالاتحاد الأفريقي".

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت